وفاء امرأة وخجل ملك

يحكى أن بعض الملوك طلع يوماً إلى أعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاته فرأى امرأة على سطح دار مجاورة لقصره لم يرى أحسن منها جمالاً وبهاءًَ فالتفت إلى بعض جواريه فقال لها لمن هذه الدار قالت يامولاي هذه زوجة غلامك فلان فنزل الملك وقد خامره حبها وشغف بها فاستدعى زوجها الذي يعمل عنده قال يافلان قال لبيك قال خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية واتني بالجواب فأخذ الغلام الكتاب وتوجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه وجهز أمره وبات ليلته ولما أصبح ودع أهله وسار طالباً لحاجة الملك ولم يعلم لما قد دبره الملك.
أما الملك فإنه لما توجه الغلام قام مسرعاً وتوجه متخفياً إلى دار غلامه فقرع الباب قرعاً خفيفاً فقالت المراة من بالباب قال أنا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا فقال زائراً فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيراً فقال لها ويحك إنني أنا الملك سيد زوجك وماأظنك عرفتيني فقالت بلى عرفتك يامولاي ولقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:
ساترك ماءكم من غير ورد وذاك لكثرة الوراد فيه
إذا سقط الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن ولا يرضى مساهمة السفيه
وماأحسن يامولاي قول الشاعر:
قل للذي شفه الغرام بنا وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لاقال قائل أبداً قد أكل الليث فضله الذئب
ثم قالت أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه.
فاستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها فنسي نعله في الدار هذا ماكان من أمر الملك وأما ماكان من أمر الغلام فإنه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره ولكنه وجد نعل الملك في الدار فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في هذه المهمة إلا لأمر يفعله فسكت ولم يبدي كلاماً وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم عليه بمال فمضى الغلام إلى السوق واشترى مايليق بالنساء وهيأ هدية جميلة وأتى إلى زوجته فسلم عليها وقال قومي إلى زيارة بيت أبيك قالت لماذا قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك قالت حباً وكرامة ثم قامت من ساعتها وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها عدة أشهر لم يذكرها زوجها فأتى إليها أخوها وقال له يافلان إما أن تخبرنا بسبب غضبك على أهلك وإما أن تحاكمنا إلى الملك فقال إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقاً فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم فكان القاضي عندها جالساً عند الملك وهو إلى جانبه فقال أخو البنت أيد الله مولانا قاضي القضاة إني أجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمرة وهدم حيطانه وأخرب بئره فالتفت القاضي إلى الغلام وقال ماتقول فقال أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن مما كان فقال القاضي لأخو البنت هل سلم إليك البستان كما كان قال نعم ولكن أريد منه السبب لرده قال القاضي للغلام ماقولك قال والله يامولاي مارددت البستان كراهة فيه وإنما جئت يوماً من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني فحرمت دخول البستان إكراماً للأسد عندها كان الملك متكأ فجلس وقال ياغلام إرجع إلى بستانك أمناً مطمئناً فوالله إن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثراً ولم يحصل منه على ورق ولا ثمر ولا شيء ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس والله مارأيت مثل بستانك ولا أشد أحترازا من حيطانه على شجره فرجع الغلام إلى داره ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك والله أعلم