ساحات وادي العلي

ساحات وادي العلي (http://www.sahat-wadialali.com/vb/index.php)
-   الساحة العامة (http://www.sahat-wadialali.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   صِناعةُ الأخلاق (http://www.sahat-wadialali.com/vb/showthread.php?t=2548)

عبدالعزيز بن شويل 04-27-2008 10:51 PM

صِناعةُ الأخلاق
 

http://img135.imageshack.us/img135/6851/10jq2.gif

" لا يَخلو جسدٌ من حسد "

الحسن البصري

الإنسانُ مظهرٌ و جوهر ، و مبنى و معنى ، و ذاتٌ و صفاتٌ ، و جِسْمٌ و وَسْمٌ ،

و امتيازُه بتحقيقِ الحقيقة الإنسانية ، و الأخلاقُ تلك الحقيقة ،

سواءً كانتْ أخلاقاً باطنةً أو أخلاقاً ظاهرةً ،

فليسَ الشأنُ إلا في جوهرية الأخلاقِ و في سِرِّ إيجادها ،

و لم تكنْ من جملة المناقبِ إلا بذلك .

فمن الأخلاق ما يكون غريزةً في نفسِ الإنسانِ محاسنها و مقابحها ،

و يزدادُ النعتُ بهما عند التوظيفِ ،

فكما هي مفطوراً بها الإنسانُ كصفةٍ و خُلُقٍ كذلك مفطوراً بوصفها ،

و ذاك عند أغلب الناسِ ، و ليس شيئاً مُطَّرِدَاً في كل حالٍ و لكلِّ أحدٍ .

كذلك من الأخلاق والصفاتِ ما هو مكتَسَبٌ ،

يُنالُ بالدُّرْبَةِ و الممارسة ،

فعندما يأخذُ الإنسان بصفةٍ _ ليكون مُتَّصِفاً بها و موصوفاً عند الذكرِ بها _

ممارساً لها في أحواله بعد معرفته بها

يجعلُها مُصْطَبِغَةً فيه فيرتقي إلى أن يكون موصوفاً بها و كأنها فِطرةً فيه ،

يُرَقِّيْهِ ارتقاؤه إلى حقيقة الصفة أن يكون غائصاً في أعماقها و أسرارها ،

فيُدركُ بذوقِ الحالِ ما لا يكادُ يكون مُصَدَّقاً عند أحد ممن لم يَصِلْ إلى ما وصَل إليه ،

و ذا في كلِّ صِفة ، فليسَ إلا تعلُّقٌ ثمَّ تخلُّقٌ ثُمَّ تحقُّقٌ ثمَّ تَعَمُّقٌ ثمَّ تذوُّقٌ .

و قد يُدركُ أسرارَ الصفاتِ و الأخلاقِ بالاكتسابِ من لم يُدركها بالغريزة و الجِبِلَّة ،

حيث الاعتبارُ بالفعلِ الظاهرِ ببعثِ الباطن ،

فلا تنبع عينٌ إلا بدفع باطن الأرض ،

و لا تبدو أخلاقٌ حِسان و لا صفاتٌ كاملة إلا بصناعة باطنِ الإنسان إياها ،

و على ذلك كان التعويلُ .

جاءت الأديانُ مُتَمِّمَةً حِسان أخلاقِ الناسِ ،

و ذاك في صناعتها توظيفياً مُترتِّباً على باعثِ الدينِ ،

و باعثُ الدينِ الأخلاقي جاءٍ من استجمالِ الناسِ محاسِنَ التوظيفِ الخُلُقي ،

و إقرارُ الأديانِ محاسِن الأخلاقِ لم يَكنْ

إلا لِما أدركتْه من جمالٍ في بناءٍ للذاتِ الإنسانية

و لما تقوم به من تحقيقِ مقاصد الشرائع ،

و ذاك الجمالُ المَرْضي به عند الناسِ قَبْلَ الأديانِ

من وَحي الغرائز الصحيحة السليمة ،

و غرائز النفوسِ لا تصِحُّ إلا بِصِحةِ النفسِ و الروحِ ،

و القلبُ حادٍ و حاكمٌ .

فأخلاق الإنسانِ لا تَميلُ إلى سُوءٍ أو حَسَنٍ في ذاتها ،

بل هي شيءٌ صِرْفٌ لا تحملُ شيئاً ،

و لا تصطبغُ فيها صِبْغةٌ إلا من جرَّاءِ توظيفِ الإنسان ،

فإن كان توظيفه إياها في المحاسن و المحامد كانت محمودة ،

و إن كان في المقابح و المذامِّ كانت مذمومة ،

فغالبُ العيبِ في الصفاتِ من قِبَلِ وضعِ الإنسان لها في غيرِ موضعها ،

و كذا المدح من وضعها في موضعها اللائق بها .

كثير من الأخلاق يَميلُ وصفها إلى الحُسْنِ ،

و لا تقبلُ إلا وضعها في المحاسن ،

حيثُ كانتْ ميَّالةً نحوَ ذلك ،

و يتَّصِفُ بها الكثير من الناس لدواعيها هيَ لا لطلبِ الإنسان التخلُّقَ بها ،

و صفات أُخَر في منأىً عن الحُسْنِ و ميلٍ نحو السوءِ

و لو سَعى إلى تحسينها في توظيفها الإنسان لعاد خاسئاً و هو حسير ،
و تُمدَحُ بالحُسْنِ مجازاً و ووصفاً للحالِ لا للذاتِ .

يَصنع الإنسان الأخلاقَ بتوظيفها لا بالنعتِ بها ،

فليس الصبورُ ممدوحاً بذاتِ الصفةِ و الخُلُقِ إذا كان واضعاً إياه في غيرِ محلِّه ،

و يُمدَح الجَزِعُ بالصبرِ إذا تصبَّرَ في محلِّ الصبرِ ،

كذا الشجاعةُ فليس شجاعاً من أظهرها على ضَعيفٍ و ليس جباناً من جبُنَ عن قَوي ،

فكان الأولُ متهوِّراً أو شجَّعَه ضَعفِ الخصم ،

و الآخرُ شُجاعاً لعدم أهلية الحالِ ،

و الشجاعةُ إدراك الشجاعِ الربحَ و الفوز لا القوة .

كلُّ خُلُقٍ لا بُدَّ من صناعته في مناسبته الحالَ التي يقتضيها ،

فلكلِّ خُلُقٍ وظيفة لا تكون إلا في وقتٍ يتطلَّبُها الحالُ ،

و فواتُ وظيفةُ وَقْتِ الخُلُقِ سُوءُ خُلُقٍ ،

و أسرارُ الأخلاقِ تكمُنُ في وظائفها ، و لكلِّ وقتٍ وظيفته .


تصنُّعُ الأخلاقِ يقتضي من المُتَخَلِّقِ أن يكون فَطِناً لأهليته للخُلُقِ ،

و أن يأخذ الخُلُقَ بِحقِّه ،

و يَعهدَ إلى نفسِهِ حفظَ الوظيفة العملية للخُلُقِ ،

فالأخلاقُ أمانات مُستودَعَةٌ ، و تضييعها جريمةٌ كونية .

فسِرُّ الأخلاقِ الحسَنةِ في حُسنِ توظيفها لا في تحسينِ توصيفها ،

فالوصائفُ عابراتُ دورٍ ليس لهُنَّ قرار و لا عليهنَّ تعويل ،

و الدعوى الخُلُقِيَّةِ لا تقوم إلا على برهان اليقين .



أعجبني فنقلته



تحياتي
...........

[/TABLE1]

الإهتمام بالجوهر .. من أهم الأمور التي ينبغي على الإنسان مراعاتها

فما أجمل أن نتحلى بالأخلاق في سلوكنا و معاملاتنا .. ويكفي أن نتخذ

من رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة .. في سلوكنا وتصرفاتنا

العزيز .. شويل .. أسجل إعجابي .. بهذا الموضوع الرائع

سطرت فأجدت .. نقلت فأبدعت .. يعطيك العافية


إبن القرية 04-28-2008 12:30 AM

[TABLE1="width:80%;background-color:skyblue;border:8px ridge sandybrown;"]
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شويل (المشاركة 17292)
و لا تبدو أخلاقٌ حِسان و لا صفاتٌ كاملة إلا بصناعة باطنِ الإنسان إياها


عبدالعزيز بن شويل 04-28-2008 10:35 PM


http://img135.imageshack.us/img135/6851/10jq2.gif



ابن القرية


إضافة مميزة كالعادة تثري الموضوع


وفقك الله



تحياتي
...........

علي ابوعلامه 04-29-2008 09:52 PM

كما قال اخي ابن القرية
ولنا في رسول الله اسوة حسنة

اخي شويل
احسنت الاختيار وفقك الله
دمت بود


عبدالعزيز بن شويل 05-03-2008 06:20 AM


http://img135.imageshack.us/img135/6851/10jq2.gif



علي محمد ابو علامه



توقفك هنا ومشاركتك


وسام اعتز به


تحياتي
...........

صقر غامد 05-03-2008 06:49 AM

أخي شويل ..

إن أزمتنا الحقيقة في هذا العصر هي أزمة الأخلاق والتربية ! والمخرج من هذه الفوضى الأخلاقيّة هي بالعودة الجادة إلى أساسيات التربية ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) القاعدة التي صنعت جيلاً يحمل قيم تربوية ناضجة غيَّرت التاريخ وصنعت الإنسان ...

أشكر أخي الفاضل على الموضوع الجميل والجوهري بمحتواه .. تحياتي ..*

صالح بن سعيد 06-22-2008 10:07 AM



الساعة الآن 06:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir