- 2 -
بماأنّ الكلام على أحوال الماضي هو نوع من المشاهده ، إذ لم يبق من الماضي إلاّ الأخبار الدالة عليه والمعاصرة لنا
فا لمؤمل أن يكون التاريخ هو مجال الإستنباط ، إذ المؤرخ يحمل في ذهنه كل الأخبار عن الماضي المحفوظ ،
ثم يقارن بينها ويستخلص منها قوانيناً وعبراً .. وهذا منهج القدماء ممن يجعلون التاريخ مدرسة أخلاق وسياسه .
بل أنّ هناك من يرى أنّ الإستنباط (الإستعبار) هو تلاعب بحقائق التاريخ .
هنا يأتي دور الناقل لهذه الأخبار ( حوادث الماضي) وهذا ماطرحه العروي بوضوح
من خلال الإستفهام التالي :
( - الماضي المعلوم دائماً معلوم .... مادور النسيان والسهو ؟
- الماضي المعلوم هو الماضي المحفوظ .... ماهو وضع اللغز ؟
- الماضي الحاضر دائماً معلوم .... ماوضع اللاوعي ؟ )
مثل هذا التأطير يلغي نسبية المعرفة التارخية ... بتخطيط حدود ضيقه لها .
هي محاولة مكشوفة ومبتذلة لإختبارصحة معلوماتنا التي تؤدي إلى كبت طموح الإنسان
ولذلك أنا مع العروي في :
( مادام المؤرخ الملموس هو دائماً فرد يستقصي الأخبار فهو امام مجهول،
يقتحمه باستمرار دون أن يستولي عليه أبداً بصفة نهائية. فهو إنسان يلحقه السهو
والنسيان ، مرة حاضر الوعي ومرة غائب عن نفسه . تتوسع لديه معرفة الماضي
من جهتين : كماً بتزايد الكشوفات في محيطنا الطبيعي ، وكيفاً بوسائل إستنباط صرفه . )
هذا يقودنا إلى الإيمان بضرورة القفز فوق ممارسة محددة في نقل الأخبار ،
ممارسة دامت قروناً وقروناً ولاتزال إلى يومنا هذا .
علينا عدم إغفال منهجية الناقل للأحداث الماضوية القائمة على ثقافته
التي يحددها إنتماؤه العرقي والإجتماعي وإيمانه المطلق بهوية الأديلوجية
التي تحركه ... هي مهمة للمؤرخ بل ونزعتها الإنسانية أعمق .
.......... في الحلقة القادمة سيتضح لنا ماهو الرابط بين عدد من المؤرخين
رغم تفاوت أزمنة وجودهم وثقافتهم وهوياتهم الأديلوجية .