«جمس الهيئة» لا يتحرك إلاّ ببلاغ
جاء قرار عدم مطاردة فرق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأي شخص، سواء كان من المخالفين أو المتهمين، والاكتفاء بتسجيل رقم لوحة السيارة وبقية المعلومات، كبداية جديدة لتحديث أنظمة الجهاز، بشكل يضمن لها اقترابها من المجتمع، ومدى تقبله للأدوار التي تؤديها.
وعلى الرغم من تلك الخطوة الجيدة، إلاّ أن خروج الهيئة للعمل الميداني لابد أن يحدد وفق معايير حديثة ترتبط بمفهوم عملها الحقيقي، الذي لابد أن يدور حول التوعية وممارسة حماية المجتمع، من خلال وجود "بلاغ رسمي" يستدعي خروج الفُرق بعد التحري، على غرار عمل الشرطة مع قضايا الآداب، كما أنه من المهم وضع برامج لكيفية التواصل مع مختلف شرائح المجتمع، بشكل ينظم العلاقة بينهما، ويكفل زيادة ثقة الناس بأفراد الهيئة.
"الرياض" تطرح الموضوع، وتناقش مع بعض المختصين، فكان هذا التحقيق.
قرار صائب
في البداية قالت "د. سهيلة زين العابدين حامد" عضو المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان: إن إيقاف المطاردة يُعد قرارا صائبا، خاصة أنها كانت سبباً في وقوع الحوادث المرورية، كما أنه كثيراً ما يبنى قرار المطاردة على الشك، وأن هذا الشاب اقترف خطيئة أو سلوكا غير لائق، بل حتى إن حدث التيقن، فليس من المفيد أن تكون هناك مطاردة، مضيفةً أنه من المفيد جداًّ ألا تخرج الهيئة لعملها الميداني إلاّ حينما تتلقى بلاغاً بوجود مشكلة تحتاج إلى تدخلها، على غرار عمل الشرطة، مؤكدةً أن الهيئة ليس من مهمتها أن تراقب المارة من الناس، وكذلك التعليق على سلوكيات بعض النساء في الأماكن العامة، أو اقتحام أماكن السيدات في المقاهي والمطاعم، مبينةً أن للهيئة دورا كبيرا لا يمكن لأحد، وخصوصاً في حماية كثير من النساء عند تعرضهن للابتزاز، مشددةً على أن خروج الهيئة لابد أن يقترن بوجود بلاغ يستدعي خروجها بعد التحري عن صحة البلاغ، على غرار عمل الشرطة مع قضايا الآداب.
أسلوب توعوي
وأكدت "د. سهيلة" على أن الأعمال التي من الممكن أن تركز فيها الهيئة إذا ما اعتمد خروجها الميداني على تلقي البلاغات، يكمن في تعزيز التوعية في المجتمع، لكنها التوعية المدروسة التي يقبلها الآخر، مشددةً على أهمية استخدام الأسلوب التوعوي المقبول والحسن مع الناس، فالانتشار في كل مكان لن يمنع التجاوزات، بل لابد أن يكون العمل أكبر وأعمق في تقديم الرسالة، موضحةً أن لدى المجتمع قبولاً ل "ثقافة التبليغ"، فهناك بعض الفتيات من تبلغ الهيئة فوراً حينما تتعرض للتحرش، وذلك ما لابد من تعميقه، من خلال معرفة جهة اسمها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، مشددةً على ضرورة نشر ثقافة التبليغ لدى المجتمع، ليسهم في تدعيم عمل الهيئة، ذاكرةً أن تحديث خطوات الهيئة ومراجعتها من قبل الجهات المعنية، مع تغير ضوابطها، يُعد أمراً محموداً، ويدل على أن جهاز الهيئة في تطوير دائم ومستمر.
واتفق معها "د. حسن الذبياني" أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة، والذي يرى أن هناك جهات مختصة بعملية المطاردة في الشارع، مضيفاً أن وجود التقنية بشكلها الحديث أسهم في سرعة الحصول على رقم سيارة المطارد دون ملاحقته، كما أن مساوئ المطاردة أكثر من إيجابياتها، مبيناً أن عمل جولات ميدانية للهيئة ليس له ضرورة ملحة، إلاّ إذا كان هناك ما يستدعي ذلك، ككثرة المخالفات السلوكية في مكان ما، ذاكراً أن حصر خروج الهيئة للعمل الميداني والمراقبة بالتبليغ أمر غير مقبول؛ لأن للهيئة أدوارا مهمة في خروجها ومراقبتها، خاصةً في أماكن المخالفات، مشيراً إلى أن تواصل الناس مع الأجهزة الحكومية بدأ في أخذ مساره الصحيح، ومن الممكن أن يكون هناك ثقافة للتواصل والتبليغ، إلاّ أنه يحتاج لكثير من التفهم حتى نصل لشكله الحقيقي.
ودعا إلى تعزيز فتح القنوات بشكل جيد مع المجتمع، حتى يستشعر الناس أن الهيئة جزء منهم، وذلك لن يحدث إلاّ بوجود برنامج خاص للتواصل مع المجتمع، مضيفاً أن الهيئة لابد أن تخرج لتفهم الناس؛ لأن اقتراب المجتمع لن يأتي إلاّ باقتراب الهيئة منه، فالمبادرة لابد أن تحدث من الهيئة.
مهمة جماعية
وقالت "منى المالكي" كاتبة صحفية: إن منع المطاردة يُعد خطوة جيدة، بل ويُعد توجهاً جميلاً يتواءم مع المجتمع، الذي يحتاج إلى دعم وتفهم الهيئة، وأنها قريبة منهم، مبينةً أن الهيئة جهاز حكومي له ضوابط وأنظمة على غرار الدوائر الحكومية الأخرى، التي لها أنظمة وقوانين لا تحيد عنها، مؤكدةً أن عمل الهيئة الميداني لابد أن يحدث في الحدود النظامية لها كجهاز حكومي، وأن تكون لديها بلاغات رسمية تنظلق من خلالها في عملها الرقابي، متسائلةً: ما مدى اشتمال النظام المتعلق بالهيئة على قانون للتجول يحدد أسبابه؟، ومتى يحدث؟، ومتى لا يحدث؟، وهل مطلوب منهم دائماً التجول الميداني؟، مبينةً أنه لابد من مناقشة هذا القانون، حتى نعرف مهام الهيئة الحقيقية، التي لابد ألا تؤسس على الاجتهادات الشخصية، وعن أهم الطرائق الجيدة التي من الممكن أن تستخدم لتفعيل عدم خروج الهيئة للعمل الميداني إلاّ بتلقي بلاغ، أوضحت أن هناك ما يسمى ب "الأقمار الصناعية" و"نظام المراقبات"، الذي من الممكن خلاله تصيد أي مخالف عن طريقه، مشيرةً إلى أن المجتمع عليه مسؤولية تجاه الهيئة، بإسهامه في تقصي المخالفين، والإرشاد إليهم، فالمهمة هنا مهمة جماعية.
جهاز هام
وأكدت "منى المالكي" أنه لا يمكن أن يكون هناك رفض لعمل الهيئة، حيث تُعد جهازاً مهماً بحسب الضوابط والأنظمة، إلاّ أن الإشكالية في التعدي على الصلاحيات وحرية الآخرين، التي قد تكون موضع شبهة، مشددةً على ضرورة أن يكون هناك وعي بدور الهيئة، بتعميم أرقام التواصل معها في الحالة التي تستدعي ذلك، كما أنه لابد أن يقتنع المواطن أن بلاغه له قيمه، وأن هناك من يستمع إليه، ويبادر للاهتمام ببلاغه، ذاكرةً أن التبليغ يفتقر إلى الاهتمام به من قبل الجهات المعنية، وذلك ما يدفع الناس إلى عدم الاكتراث به، موضحةً أن مجتمعنا ليس مجتمع الخطيئة، بل أن الحفاظ على المعايير الدينية مازال موجوداً، لذلك لابد أن لا يُفهم حصر العمل الميداني للهيئة بتلقي بلاغ تهميشاً لأدوراها.
تقصي وبحث
واختلف "د. عبدالرحيم الهاشم" أستاذ مشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء، مع من يؤيد ربط عمل الهيئة الميداني بتلقي بلاغ؛ لأن النهي عن المنكر لا يأتي إلاّ من خلال التقصي والبحث، مضيفاً أنه لا يجب أن يقترن عمل الهيئة بتلقي البلاغات مع عمل الشرطة؛ لأن الشرطة ناحية أمنية، بينما الهيئة جهة أخلاقية، والسؤال الأهم: من الذي سيبلغ؟، موضحاً أن الهيئة جهاز مثله مثل باقي الأجهزة الحكومية الأخرى، ورجال الهيئة مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين، فالجميع معرض للخطأ، ووجود بعض الأخطاء لا يجب أن يكون سلباً عليها، ذاكراً أن التحامل على هذا الجهاز ليس في موضعه، وتصحيح الأخطاء التي تصدر منه هو خير أسلوب لمراجعة أعماله وأدواره، مؤكداً أن اختلاف الأزمنة يتطلب اختلافا أو تعديلا في بعض القرارات التي تصدر، إلاّ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن لا يقتصر على أدوار محددة، مبيناً أن الهيئة لابد من مباشرة أعمالها ميدانياً، وكذلك الخروج للبحث عن المخالفات؛ لأن الاعتماد على التبليغ يحيط به الكثير من الإجراءات الرسمية التي تعيقه، مؤكداً أن هناك من يستغل عدم خروج الهيئة ليفسد ويمارس التجاوزات الأخلاقية دون رقيب.