( بسم الله الرحمن الرحيم )
مقال أعجبني وفي غاية الروعة ، للأستاذ والشاعر والأخ الفاضل فايز بن مسفر آل قسقس ،
أحببت نقله إلى ساحاتنا الغالية ..
----------
معايير الوظيفة.. تقرأ لقينان؟!
فايز الغامدي
العاشرة صباحاً، قبل خمس سنوات تقريباً. الصيفُ يكاد يخنق كل شيء، وشمسُه الساطعة تنضج كثيراً من الأحلام قبل أوانها… كان موعدي مع المقابلة الشخصية الثامنة للتقديم على وظيفة معيد في إحدى جامعات المملكة العريقة، الفرصة هذه المرة مهيأة تماماً، فالعدد المطلوب (5) والمتقدمون (75) مقارنة بالمرات السبع السابقة، حيث كان المطلوب يقتصر على وظيفة أو وظيفتين والمتقدمون لايقلون عن 100 في أحسن الأحوال!
حملت ملف أوراقي الكثيرة: (مؤهلات، دورات، توصيات علمية، سيرة ذاتية من صفحتين ونصف، وخبرات عملية متفرقة… ودعوات أكثر من الوالدين!) دلفت إلى القاعة المعدّة للمقابلة، كنت أول الداخلين، أعطاني ذلك مؤشراً إيجابياً، حيث ترتيب الداخلين يتم بناء على أعلى الدرجات في الاختبار التحريري الذي يسبق المقابلة بأسابيع. طاولة بيضاوية كبيرة، يتحلق حولها أربعة دكاترة بتخصصات علمية متقاربة، وعلى رأس تلك الطاولة يجلس العميد بوقار مصطنع. رحّب بي مبتسماً، بادلته التحايا، وابتسمت. صارماً أومأ برأسه للجهة البعيدة المقابلة له في أقصى الطاولة: اجلس!. تكوّمت على الكرسي صامتاً أمسح حبيبات العرق المتكثفة على جبهتي وأجمع ما تبقى من أنفاسي. بـ»اسم الله» بدأ العميد الجلسة، رحّب بي ثانيةً، وتمنى لي التوفيق.
شكرته مجدداً وتمنيت له العافية! كانت الأسئلة تدور حول كل الأشياء التي ليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالتخصص المطلوب، عبارة عن «دردشة» صباحية لا طائل منها، هذا ما كان يدور في رأسي على الأقل.
وبحكم عملي في الصحافة -آنذاك- فقد نحا الحديث منحىً آخر، تحوّلت الجلسة إلى محكمة تفتيش مصغرة: ما الصحف التي تقرأها؟، من هم الكتاب المفضلون لديك؟، ما رأيك في الصحيفة «كذا»، والكاتب «فلان»، وبين كرٍّ وفرٍّ، ومناورة، ومداورة، وإجابات عامة مبهمة لاتوحي بشيء، سدد العميد سؤالاً خاطفاً نحوي: تقرأ لقينان؟! ما رأيك فيه؟!
انعقد لساني برهةً، شعرت أن الحديث بدا أكثر وضوحاً وأهمية: العميد يريد وضعي في زاوية محددة. قلت: أقرأ للوطن بأكمله، وقينان ليس إلا شرفة من شرفات هذا الوطن الكبير.
بهذه الكلمات انتهى دوري، خرجت من القاعة وفي النفس شيء.. أُعْلِنتْ النتائج ولم أكن ضمن الخمسة المرشحين.
ربما لم أكن أفضل منهم، ربما لم يكن أدائي مرضياً للعميد ولجنته، وربما لم يسألهم العميد عن قينان أيضاً! ولكن الأكيد أنهم -جميعاً- لم تكن تنطبق عليهم معظم شروط التقدم للوظيفة…
مرت خمس سنوات، ووجدت نفسي -مصادفةً- أسير بجانب الأستاذ قينان، جنباً إلى جنب.. في أحد ممرات الصحيفة، ألقى ذلك الموقف حجراً في بحيرة ذكرياتي الراكدة، وددت حينها -بصدق- أن يصل صوتي لذلك العميد المغلّف بأفكار انتقائية ومواقف مسبقة لأقول له: الآن لم أعد أقرأ لقينان فقط، بل أعمل معه أيضاً!