لقمة العيش
ولدت يتيم الأب حيث توفي والدي وأنا ما زلت طفلا صغيرًا في قرية العبالة ببني ظبيان في منطقة الباحة عندما لم يوجد من مقومات الحياة شيء يذكر.
فلا طرق ولا سيارات ولا كهرباء أو هواتف ناهيك عن الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة.
أرادت والدتي -يرحمها الله- أن تصنع مني رجل المستقبل فأعتمدت على نفسي منذ أن كنت طفلا لا يتجاوز السادسة من العمر.
أرسلتني مع قافلة لأبحث عن لقمة العيش في مكة. حافي القدمين لا أملك سوى ما أستر به جسدي النحيل الصغير.
مشينا سبعة أيام متواصلة مشيًا وعلى الجمال، في زمن كانت اللقمة صعبة جدًا.
كانت تلك سفرتي الأولى لكي أعمل فأجلب الرزق لوالدتي.
وصلنا مكة وأنا في حالة يرثى لها.. في مكة هاجمني البعوض حتى اصبحت لا أستطيع المشي على قدمي ولم أستطع تحمل العمل والحياة. وبعد اشهر رجعت إلى المنطقة كما ذهبت لا أملك شيئًا.
الفراق الثاني
أمام إصرار والدتي أن اعتمد على نفسي أرسلتني مرة أخرى في سفر طويل جدا هذه المرة مع قافلة وأنا في الثامنة من عمري تقريبا.
وهذه السفرة لم يكن القصد منها ان أذهب إلى مكة فأعمل وإنما أذهب إلى خارج البلاد عند أخي سعيد الذي كان يعمل تاجرًا في السودان.
لقد كانت جرأة عجيبة من الوالدة -يرحمها الله- أن أغادر وأنا في هذه السن ولكن لقوة الإيمان في قلبها والتوكل على الله سبب رئيس أن ترسل فلذة كبدها في هذا العمر ليخوض غمار البحار فلربما يتغير الحال إلى الأحسن.
لقمة العيش
كان سعيد أخي -رحمه الله- في بورت سودان وهي مدينة في السودان وكانوا يسمونها زمان (بر السودان) فقالت فرصة اني اذهب إلى السودان لكي أجلب لهم ما أستطيع حمله من أرزاق وغيرها.
سافرنا ونفد الماء الذي لدينا ونحن في الطريق وأشرفنا على الهلاك، فقذفني رجال القافلة على ظهر احد الجمال خوفا على حياتي لأنني لم استطع المشي، حيث كنت أمشي حافي القدمين، وما إن شعُر الجمل بوجود ماء لأن لديه حاسة شم قوية فإذا به ينطلق مسرعا آخذا أقصر طريق من تحت شجرة كبيرة بها شوك، وانتبهت لذلك ومباشرة رميت نفسي من على ظهر الجمل فوقعت على ألأرض فشُج راسي ولاحظت حينها الجمل وهو ينطلق تحت جذع شجرة ليشرب من الماء وصرخت يوجد ماء فانطلقت نحو الماء لأضع رأسي كي أشرب منه وكنت أنا والجمل والحمار والغنم في ذلك المستنقع نشرب منه ولم اشعر بالجرح إلا بعد أن شاهدت لون الماء ينقلب إلى أحمر بسبب الجرح الغائر في رأسي.
بركة الدم
أخذني أصحاب القافلة ولأنه لا يوجد لديهم حقيبة اسعاف أو علاج فقد أخذوا عجينة من دقيق لديهم ووضعوها على رأسي لإيقاف نزيف الدم وعندما وصلنا إلى الطائف أخذوني للرجل الحكيم أي الطبيب ويدعونه «التمرجي» لكي يعالج إصابتي وعندما شاهدني تألم لوضعي وبدأ بإزالة قطعة القماش والعجين الذي على الجرح وجسمه يقشعر مما يرى حيث قد تخمرت العجينة واصبح صلبة على الجرح وما أن انتهى الطبيب من إزالة الخرقة صرخ من هول ما يرى فقد شاهد دودا أبيض قد تكون من البكتيريا في العجينة وعشعش في رأس العبد الفقير إلى الله وهو أنا فبدأ بتنظيفه وهو يتحدث بكلام لا أفقهه وبلغة لا أفهمها ثم وضع عليه مادة مطهرة وهي «المايكرو كروم» كما يدعونه لإيقاف النزيف وتنظيف الجرح.