الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الأعلى؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شرع لنا عيدنا، ورزقنا ضحايانا، وأمرنا بالتقرب له بها، ويعود لنا لحمها ونفعها، ويُكتب لنا أجرها، فلله الحمد ربِنا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى في هذه الأيام العظيمة، واعمروها بذكر الله تعالى؛ فإن الله تعالى قال ﴿ وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة:203] وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله».
أيها المسلمون: هذا اليوم هو أفضل الأيام عند الله تعالى كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» رواه أبو داود. فعظموه كما عظمه الله تعالى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [الحج:32].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيتها المرأة المسلمة: تعيشين في بلد أنعم الله تعالى عليها بالأمن والاستقرار. والاضطرابُ يحيط بها من كل جانب، مما يستدعي الخوف والفزع إلى الله تعالى والاستغاثة به أن يحفظ البلاد والعباد، وإن في صور النساء والأطفال الغرقى على شواطئ البحار فرارا من مواطن الحروب والنزاع لأعظم عظة وعبرة تقود إلى التوبة والإنابة، والقيام بأمر الله تعالى؛ لئلا يصيبنا ما أصاب غيرنا.
والمرأة للرجل فتنة، فإما سرَّته في الحلال فسعد بها فشكر الله تعالى، وأعانته هي على الشكر، وإما فُتن بها فعصى الله تعالى لأجلها، واستوجب عقوبته سبحانه بسببها وقد قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14] فكنَّ -أيتها المسلمات- عونا للرجال على طاعة الله تعالى، ولا تكنَّ سببا في معاصيهم؛ فإن أمر البيوت والأسر في هذا الزمن صار في أيدي النساء، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها.
طهري -أيتها المرأة- بيتك من المحرمات، وربي أولادك على الخوف من الله تعالى، واغرسي في قلوبهم محبته سبحانه وطاعته، وأَطُريهم على الحق أطرا؛ فإنك إن فعلت ذلك؛ درأ الله تعالى العقوبات عنا، وحفظ علينا أمننا وإيماننا، وكان أولادنا قرة أعين لنا. حفظ الله نساء المسلمين بحفظه، ووقاهن وأولادهن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأصلح لهن أزواجهن وأولادهن.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: تخرجون الآن من مصلياتكم، فتتقربون لله تعالى بضحاياكم، ويمتد وقت الذبح إلى غروب شمس يوم الثالث العشر، وهو آخر أيام التشريق التي لا يجوز صيامها. وليكن أول ما تَطعمون في يومكم هذا لحوم أضاحيكم، فكلوا منها وأهدوا وتصدقوا وادخروا، وأظهروا البهجة والسرور بعيدكم، واجتنبوا ما حرم الله تعالى عليكم، واشكروا الله تعالى الذي هداكم وأعطاكم، ولا تنسوا إخوانكم المستضعفين واللاجئين والمشردين في مشارق الأرض ومغاربها، فآووهم، وأطعموا جوعاهم، وداووا مرضاهم، واسعوا على أراملهم، واكفلوا أيتامهم، وأظهروا إحساسكم بهم، وواسوهم بما أنعم الله تعالى عليكم، وخصوهم بدعائكم؛ فإنكم بمعونتكم لهم ترضون ربكم، وتغيثون إخوانكم، وتدرءون عن أنفسكم، وتحفظون أمنكم ورزقكم؛ فإن البذل والعطاء دافع للمصائب والبلاء.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال.
﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56].