لم يكن ينقص في تلك الليلة الشتائية العاصفة والمخيفة إلا أن تنقطع الكهرباء ،

 ويتحول البيت وكأنه سفينة تلاطمها العواصف . حتى ذلك الحين لم أكن أعرف
أن للظلام أيضا إحساس جميل يضفيه على أرواحنا المتجمدة ،
فقد أسرعت العائلة نحو الصالة ، وبدأت أمي تواسي خوف الصغار ؛ 

 وجدت بعد قليل من البحث شمعة مهملة من آخر المناسبات .
جلسنا حول المدفأة ، أحضر أبي شيئاً مهملاً من الماضي البعيد ، 
الفانوس الذي رافق الأسر في لياليهم الماضية ،
 صارت الوجوه أوضح، وبدأت الأحاديث تنسج وتحلو لعلها تُطمئن قلوب الصغار
 وفي بعض الأحيان يتخللها شيء من الضحك الفاتر يقطعه قصف رعد أو لمعة برق
 أو زوبعة مطر  .
كان الحديث أجمل على نغمات الرياح ، ورقصات الأشجار ، 
ها هو أبي يتخلى عن سماع أخبار العالم ويجلس 
ليستمع لحكايات أختي الصغيرة مع معلمات المدرسة ،
 لعله يدفئ قلبها  بقليل من الطمأنينة ، 
أو ينسيها هذا الجو غير مألوف . 
ها هو الظلام يحررنا من قيود المدنية والحداثة ،
 ويفك أيدينا من سلاسل الكمبيوتر وقيود (الريموت كنترول) ،
 ويزيل الأسلاك الشائكة بيني وبين غرف أخواني .