.
*****
  وداع وطن  
 مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني=فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
 عـــناءٌ  ويــــأسٌ  واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ=ألا  شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
 فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها=فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني 
 بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ=فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ   
 فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا=فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ  
 ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع  وأســـبَــلَـــتْ=مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
 أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ  فــعـــزنـي=وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ  
 ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ  ثــــم أقلــعـت=بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ  
 فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى=وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ  
 ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه=فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن  
 ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي  وردني=إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ 
 ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ=لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني  
 فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ  فربمـا=جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
 فــقــد تُـــــورِقُ الأغـــصــان بـعد ذبـــولـها=ويــبــدو ضـــياء البــدر فـي ظــلمةِ الوَهنِ
 وأيُ حـــســـــــــامٍ لم تُصِـــبهُ كـــهـــامُةٌ=ولهْــــذَمُ رُمْــــحٍ لا يُــــفَــــلُ مـــن الطـعنِ 
 ومن شــــــــاغــــــب الأيامَ لان مَــرِيـــرُهُ=وأســــلــمــهُ طولُ المِـــراسِ إلى الوَهْـنِ  
 وما المــــــــرءُ في دنـــيـاه إلا كـــســالِكٍ=مناهِـــــجَ لا تخـــلو من الســهل والحَــزْنِ  
 فإن تـــكـــــن الــدنيا تـــولــــت بــخـيـرها=فأهــــون بدنيا لا تــــدوم عــــــــلـى فَـنِّ!
 تحــمــلــتُ خـــوفُ المَــنِّ كـــلَّ رَزِيــئـــةٍ=وحـــمـــلُ رزيا الدهــــر أحــلـى من المنِّ
 وعــــاشـــــرتُ أخــداناً ، فلما بَلَــــــوتُهُمْ=تـــمـــنــيــتُ أن أبقى وحـــــيداً بلا خِـدنِ  
 إذا عـــــرف الــمـــــرءُ القلوبَ وما انطـوتْ=عـــليه مـن البغضاءِ  عاش على ضِــغْــنِ
 يــــرى بــــصــــري مــــن لا أودُ لِـــقــاءَهُ=وتــسمـــعُ أذني مــا تــعــافُ مِن اللحــنِ
 وكــيــف مُــقــامي بين أرضٍ أرى بـهــــا=من الظلم ما أخنى على الدار والسَّكْـــنِ   
 فسَمْعُ أنين الجَوْرِ قد شـــــاك مسمعي=ورؤيـــةُ وجـــه الغـــدر حــل عُرا جَفــــني
 وصــعــب عــــلى ذي اللُّبِ رئــمـانُ ذِلةٍ=يَظَلُ بها في قــــومـــــــه واهي المـــتـنِ  
 إذا المــــرُ لم يــــرمِ الهـــــناةَ بــمــثلـها=تــخــطى إليه الخـوف من جـانب الأمـــن 
 وكـن رجلاً  إن سيمَ خَــــسْفاُ رمـتْ به=حَــــمِـــيـــتُــهُ بــيـــن الصــــوارمِ واللُّــدنِ 
فلا خـــيْرَ في الــدنيا إذا المرءُ لم يعـشْ=مـــهيباُ  تـــراه العينُ كـــالنار فـي دغْــنِ
*****