مر النبيُ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابُه معه،
مروا في طريقهم فإذا سباطة قوم،
تلقى عليها النفايات، الفضلات، الجيف.
فإذا بالرسول (صلى الله عليه وسلم)
ينفردُ عن أصحابه ويتجه صوب سباطة هؤلاء القوم
ليأخذَ من القمامة الملاقاة عليها
جيفة تيس مشوهِ الخلقةِ قد مات، مشوه الخلقة،
صغير الأذن قد انكمشت أذنه.
فأمسك النبيُ (صلى الله عليه وسلم) بهذا التيس الميتَ فرفعه.
ثم أقام
مزاداً علنياً ينادي على هذه الجيفة الميتة،
فيقول مخاطبا أصحابه:
آيكم يحبُ أن يكونَ هذا له بدرهم ؟
من يشتري هذا التيس المشوه بدرهم؟
وعجب الصحابة من هذا المزاد على سلعة قيمتها الشرائية صفر.
ليس لها قيمة شرائية ولذا ألقيت مع الفضلات.
قالوا يا رسولَ الله، والله لقد هانَ هذا التيس على أهلهِ حتى ألقوه على هذه السباطة،
لو كان حيا لما ساوى درها. لأنه مشوه. فكيف وهو ميت؟
لقد هان على أهله حتى ألقوه هنا، فكيف يزاد عليه بدرهم ؟
فألقاهُ النبي (صلى الله عليه وسلم) وهوت الجيفة على السباطة
والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
للدنيا أهونُ على الله من هذا على أحدِكم
إن الدنيا هينةُ على الله، ومن هوانها أنها أهونُ من هذه الجيفةُ التي ألقيتموها واستغربتم
أن يزاد عليها ولو بدرهمٍ يسير.
فقيمتها الشرائية صفر، ليس لها قيمة.
وإذا كانتِ الدنيا هينةُ على اللهِ هذا الهوان،
فإن اللهَ جلا جلاله لم يرضها جزاءً لأوليائِه.
وأيضا لم يجعلَ العذابُ فيها والعقوبة فيها هي الجزاءُ الوحيدُ لأعدائه.
كلا إن الدنيا أهونُ على الله، بل لولا أن يفتن الناس،
لولا أن تصيبهم فتنة لجعل الله هذه الدنيا بحذافيرها وزينتها
وبهجتها ومتاعها جعلها كلها للكافرين.
أستمع إلى هذه الآيات:
أما الدنيا فأهون على الله من أن يجعلها للمتقين جزاء، أو يجعل العذاب فيها فقط جزاء الكافرين.
كلا.. لولا أن تفتن قلوب الناس لأعطى الدنيا للكافرين، كل ذلك قليلُ وحقير وتافه:
"
وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ "
ولكن قلةَ هذا المتاع وضآلته وتفاهته لا تظهرُ إلا إذا قورن بالعمرِ الأبديِ الخالدِ في الآخرة.
هناك تظهرُ قلةَ هذا المتاع.
ولذا لما ذكر اللهُ زهو الكافرين ومظاهر القوة التي يتمتعون بها،
وتقلبَهم في البلاد واستيلائهم عليها،
ذكر ذلك وعبر عنه بقوله جل وعل متاع قليلا:
نعم قليلا، تمتع بكفرك قليلا، قد يكون هذا القليل ستون سنة.
قد يكون سبعون، قد يكون مائة،
ولكن كم تساوي هذه الومضة في عمر الخلود الأبدي في الآخرة؟
كم تساوي هذه الومضة في عمر أبدي خالد في دار الجزاء.
قالوا يوما..
ثم تكاثروا اليوم فرجعوا أو بعض يوم فسأل العادين.
كان هذا القليل عشرات السنين، ولكنها أصبحت في عمر الخلود الأبدي في الآخرة يوما،
كلا فاليوم كثير، بعض يوم، بعض يوم وهم مستيقنون أنه بعض يوم فاسأل العادين.
من محاضرة للشيخ الفاضل
عبدالوهاب الطريري
وفقه الله