عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2011, 11:07 PM   رقم المشاركة : 664

 

إلى عبد الحميد بن حسن بن صوهد


من سعيد ابو عالي


آمل أن تعذرني ويعذرني جميع الأعضاء لقلة زيارتي للساحات مع أني أراها أصبحت بيتاً لمرتاديها.. وبين فينة وأخرى ألج باب (الساحة العامة) وتستوقفني زاويتكم (ذكريات من هنا وهناك) لأن ما ترويه جاذب وشائق فلك يا عبد الحميد تقديري وشكري.

على صفحة 11 ورد ذكر نقل جهاز الكحومة من بلجرشي إلى (الباحة) وعلق على هذا الابن عبد الله بن ناصر بأن هذا النقل تم بناءً على جهد أهل الباحة والظفير.. وقد يكون هذا أحد الأسباب.. ولكن السبب الأكبر (والجهد الأكبر) هو أهلنا في بلاد زهران وبعدهم عن المركز الرئيس في بلجرشي التي تقع إلى جنوب بلاد غامد.. ناهيك عن وعورة الطريق وقلة السيارات.. وأذكر أن جلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله كلف لجنة عليا برئاسة الإداري المحنك والأديب الأريب الأستاذ ثاني المنصور رحمه الله وعضوية ممثلين عن الوزارات المعنية لبحث هذا الأمر؛ ووصلت اللجنة إلى بلجرشي واستقبلهم معالي الشيخ سعود السديري أمير منطقة بلجرشي (هكذا كانت المنطقة يومها تنسب إلى بلجرشي) ثم انتقلوا إلى الظفير والمعروف أن الباحة والظفير تتبعان قبيلة بني عبد الله في غامد. وأقام الأهالي حفل تكريمي للجنة اشتمل على أمسية طلابية في مدرسة الظفير المتوسطة (اعتقد ان هذا هو اسمها وهي الوحيدة بالظفير).

أهالي الظفير والباحة (بل قل أهالي بني عبد الله) وفي مقدمتهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الهادي دعوا مشايخ قبايل غامد وزهران لحضور الحفل وكان زميلي الشيخ جابر بن حسين الحسين وكيل معهد المعلمين بالأطاولة وشيخ قبيلة قريش بزهران من بين المدعوين فوجه الدعوة للجنة لزيارة الأطاولة.

جاءني الشيخ جابر واخبرني وقال: "أحب أن أكرمهم، وأحب أن يبيتوا عندنا في الأطاولة ولكن لا ارى مكاناً مناسباً لمبيتهم، وأريد المعهد يقيم لهم حفلاً مثل مدرسة الظفير. وأريد أن يكون حفلنا الأبرز.
"ابتسمت له وقلت: كرم الشمائل فيك كما أعرفها ومنها الكرم لا تسمح لأحد أن يتعداك".
"وأنت لديك المكان النموذجي لإقامة اللجنة، والمعهد وأنا رهن رغبتك!!"
علت الإبتسامة وجهه رحمه الله وقال: "كل هذا!!؟! كيف؟" قلت دعنا نستخدم الورقة والقلم ونتعاون على التالي:
w تقوم أنت بفتح فيلاَّ الأخ محسن وتفرشها كلها لتكون مقراً للجنة، (ومحسن هذا تاجر كبير لمواد البناء في مكة المكرمة)
w طيلة إقامتهم في الأطاولة يكونون في ضيافتك.. الطعام والشراب والقهوة والماء وتخصص لهم من ربعك (جماعتك) من تثق فيهم يصنعون لهم القهوة والشاي ويعدون لهم ما يشتهون من الطعام صباحاً وفي الظهر وفي المساء مالم يكونوا مدعوين خارج الفيلاًَّ.
w شئ طبيعي انك ستقيم لهم حفل عشاء يوم وصولهم في منزلك العامر (وهنا أجاب: نعم!)
w ثاني يوم يزورون المعهد وسنقيم لهم حفلاً خطابياً ورياضياً ومعرض للتربية الفنية وحفل شاي.
w ثم تنظم لهم في ساحة المعهد عرضة يشارك فيها المواطنون وتحرص على تنظيمها ونحاول اقناع اللجنة بالمشاركة في العرضة حتى تتم الفرحة لأبناء قبيلتك.

قام الشيخ جابر بعد ذلك بتأمين جميع المستلزمات ووصلت اللجنة وأقاموا 24 ساعة.. ونفذت الخطة أعلاه بحذافيرها.. وكان لي كلمة المعهد تحدثت فيها ارتجالاً عن :
1. معاناة أهالي زهران من بعد المقر الرئيسي عن مدنهم وقراهم ونجوعهم.
2. أهالي المنطقة وإخلاصهم وولاؤهم للقيادة والوطن.
3. جمال المنطقة وانها تمثل وجهة سياحية هامة بالمملكة.
4. حبُّ أهل المنطقة في طلب العلم ورغبتهم في المساهمة في كل ما يؤدي إلى تقدم الوطن من النواحي الصناعية والزراعية.
5. طلبتُ مباشرة من الأستاذ ثاني المنصور أن ينقل ما سمع مني إلى جلالة الملك سعود وإلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز رئيس الوزراء (وقتها).
ارتجل الأستاذ ثاني المنصور بعد ذلك كلمة ضافية شكر فيها المشايخ الحاضرين وخصوصاً الشيخ جابر وأشاد بالكرم الحاتمي.. ثم أشار إلى كلمتي فقال: "أعد المدير الشاب وأعدكم بأنني سأبلغ كلما سمعت ورأيت إلى القادة وبكل أمانة وغادروا الأطاولة مساء ذلك اليوم.

تقول يا عبد الحميد أنهم زادوا في عمرك أربع سنوات وأفيدك أنهم زادوا في عمري ثمان سنوات بحيث يصبح عشرين سنة حتى أكون – كما قالوا – مؤهلاً للتوظيف.

في المشاركة رقم 130 صورة شهادتك عندما تخرجت من معهد المعلمين، وهي شهادة مكتوبة على واقع نعرفه عنك. التزام ومثابرة ومنافسة شريفة حتى حزت على المرتبة السابعة والستين بين مجموع الخريجين وعددهم 1455.. وهذا إنجاز قادك إلى نجاحات متتالية مع إيمان بالواقع ورغبة في مساعدة الاهل في الزراعة وغيرها.. يعني ترتيبك 67 بين المائة الأولى من بين 15 مائة فبيض الله وجهك. وعلى أيَّ حال عندك الشهادة وأنا ما عندي إلا صورة الإستمارة فقط. تقول إنك توظفت وراتبك الشهري الأول 467 ريالا وراتبي 209 ريالا.

كتاب الحساب:
عرضت في مكان ما صورة لمقرر الحساب للسنة السادسة الإبتدائية بعنوان (الحساب الحديث) طباعة عام 1383هـ - 1962م وعادت بي مذكراتك إلى يوم درسنا فقد درسنا الحساب بدون كتب أما الهندسة في سنة سادسة عام 1374هـ فكان المقرر الواحد يدور بالتناوب بين كل ثلاثة طلاب أما أنا يومها فقد كنت مدرساً وتقدمت في نفس العام للشهادة واستعرت الكتاب من بعض الطلاب.

المشاركة رقم 183: كتب الابن (عبد الله) ولا أعلم من هو يشيد بأسلوبك في الكتابة. وعبد الله هذا أعجبني أسلوبه الراقي في الكتابة وتصريحه واضح وتلميحاته وقاده واستعاراته ذكية.. وخاصة عندما أسداك (شكراً كما جبل فالية)

المشاركة رقم 190 قلوبنا معك يا رفيق الدرب: كان له عتب على البعض.. وشعرت ان عتبه موجه إلي شخصياً فقد اخذتنا هواجس (ولا أقول مشاغل) العيش بعيداً.. بعيداً عن بعضنا وأنا أقول هواجس لأن عيشنا في الوقت الحاضر أيسر منه عما مضى بل واحلى – من وجهة نظري – ولكنها (غريزة؟) الشعور بالإنشغال لدى من هو ليس مشغولاً. وإلا فاليوم هاتف وفاكس وإيميل وأكثر من ذلك يا رفيقي!! ولكن خلها على الله.

أكرر ما قالوا لك قبلي: لك العتبى حتى ترضى ولا تحرمنا من حضورك الذي يضفي علينا وإلينا معلومات جديدة نسعد بها ونفتخر بل ونعرضها على غيرنا.

حفظك الله على دربنا، دربك، درب العناء والسعادة، درب المشقة والنجاح، درب الثبات على الثوابت والأخذ بمعطيات العصر، درب شكر الله على النعمة والتطلع منا إلى مستقبل أفضل؛ وحفظ لك وللقراء والقارئات ديننا ودنيانا وأهالينا وأموالنا.

ص 63 استشهاد الملك فيصل:
أشرت في هذه الصفحة إلى وفاة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة، ووردت فيها قصيدة الأستاذ الشاعر ابن عمي علي بن سعد دغسان أبو عالي.. وعنوانها مبدؤها (يا غبوني على فيصل زعيم التضامن والسلام). واحبُّ أن أنوه عن بعض النقاط والمحاور التي تتعلق بمليكنا الشهيد فيصل:
1. نشأ رحمه الله في كنف والده القائد الملهم الملك عبد العزيز - رحمه الله رحمة الأبرار - وتشرب مبادئ الإسلام وهي مبادئ راسخة وثابتة وصالحة لكل زمان وكل مكان مما صنع منه رجل مبادئ أكثر منه رجل إدارة وحكم.
2. تشرب فيصل مبادئ الثقافة العامة فتجده يحاور العلماء ويناقش المفكرين ويقدر المبدعين ويحترم المبرزين.
3. رسم للبلاد مشروع نهضة حديثة تمثلت في:
‌أ- تطوير التعليم
‌ب- التأسيس لحركة علمية وبحث علمي من خلال ابتعاث الشباب إلى أمريكا وأوروبا وكندا ومصر للدراسات العليا (وكنت أحدهم) حتى يعودوا للعمل بالجامعات ومراكز البحث العلمي.
‌ج- الاهتمام بالصحة العامة بإقامة مستشفيات حديثة وتعميم الوعي الصحي.
‌د- إنشاء قاعدة صناعية متطورة
‌ه- الاهتمام بتأمين الغذاء من خلال إقامة وتشجيع المزارع التي تعتمد التقنية الحديثة
‌و- إنشاء الطرق التي تربط أرجاء البلاد
‌ز- الاهتمام بقضايا العرب والمسلمين بالعمل على تحرير فلسطين وخاصة ما حلَّ بالعرب من كوارث بعد حرب 1967م، والعمل على تعزيز التضامن الإسلامي.
‌ح- إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول من خلال احترام السيادة وترسيخ الخواص الثقافية لكل بلد
‌ط- تشجيع خطط التنمية في البلاد العربية والإسلامية من خلال المعونات المالية التي تقدمها المملكة وتبادل الخبرات في مجالات الإدارة والطب والعلوم.
ولعل مشروعه النهضوي – رحمه الله – يتلخص في معاداته للاستعمار والصهيونية والشيوعية ومحاربته للفقر والجهل والمرض.
4. اكتسب محبة شعبه الذي سار خلفه في جميع مواقفه التي كرست البناء والتنمية والتحرر.. والعمل على تحرير القدس التي بذل حياته في سبيلها.

استشهد – رحمه الله رحمة الأبرار – حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم الثلاثاء 13/3/1395هـ وكنت ساعتها على الطائرة بين الرياض وجدة في طريقي إلى لندن وعلمت باستشهاده مساء ذلك اليوم في فندق مطار لندن.. وقع النبأ عليَّ وقع الصاعقة فالرجل من النبل والصفاء والزهد ما يجعله فريد عصره، ومشروعه الحضاري أكسب المملكة والشعب احتراماً في جميع أنحاء العالم، وقوة شخصية وبعد نظره جعلت الدول الكبرى تحسب حسابه وتقيم لبلاده وزناً كبيراً رحمه الله والحمد لله أن قادتنا بعده يسيرون بنفس الخطى حتى أصبحت بلادنا شريكة في صناعة القرار العربي والإسلامي والدولي.

قبل حرب رمضان التي ساندها الملك فيصل بكل قوة زاره رئيس تحرير مجلة (نيوزويك Newsweek) الإسبوعية الأمريكية وأحد مساعديه وقابلاه في الرياض وتحدث إليهم وأكد لهم أنه يطلب تحقيق العدل بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم وإعادتهم إلى أوطانهم وتحرير القدس وتحرير البلاد العربية المحتلة.. وأنه يضع نفسه وبلاده في سبيل تحقيق هذه الأهداف.. كتب رئيس المجلة يومها في مقدمته بأن الرجل (ويعني الملك فيصل) لا يكذب فعلى الغرب وإسرائيل أن تحسب حسابه.

قبل استشهاده – رحمه الله رحمة الأبرار – بأقل من ثمان عشرة ساعة كنت عائداً مع أسرتي بعد التسوق في الرياض بعد عصر يوم الاثنين 12/3/1395م وعلى الطريق شعرت بأن الملك سيمر فأوقفت سيارتي وأنزلت منها بنتي عزة (ست سنوات) وابني عبد الله (خمس سنوات) وقلت لهما إن الملك فيصل سيمر من هنا في سيارة وعلى رأسه تاج مذهب، ورفعتهما فوق كتفي وطلبت إليهما الحرص على مشاهدته والتصفيق والهتاف له وأبرزت مكاننا في الشارع وكلنا صفقنا له واشار إلينا مبتسماً من سيارته الأمريكية ذات اللون السماوي. وفي لندن علمنا بوفاته فحزنا وغضبنا وقالت بنتي عزة بلغة انجليزية: حقاً إن الذي قتله رجل شرير، كيف يموت ذلك الرجل الطيب وانهمرت دموعها).

في مطار بوسطن بولاية ماساشوتس حيث حطت طائرتنا مساء يوم الأربعاء 14/3/1395هـ عرضت جوازي على موظفة الجوازات الأمريكية فقرأت اسمي ونظرت إلي وقالت: هل أنت من أقرباء الملك؟ قلت لها أنا من أفراد شعبه. قالت: ولكن اسمك مثل اسمه. قلت: آل سعود اسم عائلته واسم الملك الشخصي فيصل.
قالت: البارحة شاهدت الأخبار مع والديَّ وقالا إنه رجل طيب يحب شعبه والإعتداء عليه جريمة.
قلت: هو مثل ما تحدث عنه والداك وأكثر.. وحزننا نحن شعبه لا يعادله حزن.
قالت: إني آسفة لما حدث.

الصديق علي بن حسن وصف يوم استشهاده بأنه غير عادي وانه عمل هو وزملاؤه لمدة 48 ساعة بدون توقف وهم يستقبلون برقيات التعازي من أبناء الشعب بوفاته.. وهذا شئ رائع من صديقنا وزملائه. وقد حكى لي الأخ علي عن اعتزازه بالملك فيصل وبالمكانة التي حققها للبلاد عندما عمل الأخ علي في مقر مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في جدة تمهيداً لمؤتمر ملوك ورؤساء الدول الإسلامية.

يا عبد الحميد!! لن أقول لك إلا شكراً فقد قادتنا مذكراتك إلى ذكريات جميلة.. واقبل احترامي..


سعيد بن عطية أبو عالي