عرض مشاركة واحدة
قديم 11-20-2008, 05:16 PM   رقم المشاركة : 1
Sabr6 قصة حب من طرف واحد


 

أشكركم جميعا على تعليقاتكم وإعجابكم بما سطرت وكان هدفي وما زال هو تحليل بعض القصائد ولو يكن الغرض معرفة البدع والرد فهذا له أساطينه من حفاظ القصائد وأنا لست منهم وإليكم هذه السياحة في حياة المرحوم محمد ملاسي يرحمه الله راجيا أن تنال استحسانكم .

قصة حب من طرف واحد

ماتت زوجته مخلفة ولدا وبنتا ،لحقت البنت بأمها بعد بضعة أشهر وبقي الطفل وحيدا يتيم الأبوين حيث أبوه يسافر دائما لكسب رزقه شأنه في ذلك شأن غيره، ولكن لم يترك الله أحدا هملا بل سخر لهذا الطفل من يحنو عليه حيث أن التكافل كان سائدا بين الناس وإيمانهم بالله كان قويا.

أخذ عميد الأسرة (أسرة بيت الجميلة) صالح الفقيه يرحمه الله يبحث له عن زوجه ،لقي صاحبا له في سوق السبت وقال له :
(ما تخبر أحد عنده بنت يزوجها لولد منا ماتت زوجته )؟ قال : (إلا ، عندي أربع بنات ويوم الاثنين أرسل إحداهن بحمل حطب تبيعه في مسراب أبو علامة ، وفي الضحى روحوا شوفوها إن أعجبتكم فرد عليه في السبت المقبل وأنا ما أعرف إلا أنت ).
أتت هذه البنت من المشرق ،شرق وادي فيق يسمى المشرق عندنا جاءت بحطبها على ظهر حمار وحيدة ولكن لا أحد يجرؤ على إكمال النظر فيها فضلا عن التحرش بها ، حياء وشيمة وخوفا من الله فأين ثقافة اليوم من ثقافة الأمس ؟!! وأين ناس اليوم من ناس الأمس؟!!
وكانت بحق بنت جميلة في شرخ الشباب فارعة الطول ممشوقة القوام من بيت ضارب في العراقة ذي دين وحسب فهل بقي استزادة لمستزيد ؟
قال المرحوم صالح الفقيه : سم على بختك يا ملاسي وقل تم .
اشترى منها الحطب وكان فيه من الزاهدين فهو يريد صاحبة الحطب على سنة الله ورسوله ولا يريد الحطب ،
تمت الموافقة وأعلنت الخطبة وضربت الدفوف ورحبت الأم بقصيدة منها :

محمد جا خطاب وأنا احسبه ضيف
وخذ جميلة كنها سلـــة الســـــــــيف


تم الزواج ولكن مع الأسف لم تمض إلا بضعة أشهر حتى دب الخلاف بين الزوجين لأسباب كثيرة قد يكون منها فارق السن والشيب عدو النساء وفيه يقول الشاعر:

فلما رأين الشيب لاح بعارضي *** فأعرضن عني بالخدود النواضر


وقال آخر:

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله *** فليس له من ودهن نصيب


أو ربما لعدم قناعتها ورضاها بما قسم الله لها ،ولكنه رجل ولا يرضى أن تخدش مشاعره أو تهجر فراشه مهما كانت الأسباب ، وإلا فهناك زيجات نجحت واستمرت الحياة بسعادة بين الزوجين .

يحكى أن : فتاة في ميعة الصبا تزوجت من رجل في سن أبيها فعانت من سخرية صديقاتها ما عانت فلما نفذ صبرها قالت لهن : كلكن تسخرن مني ألا فاعلمن وللمرة الأخيرة بأنني أحبه حب الزوج الفحل الحبيب ، ذكرت هذا من باب الاستطراد ولنعد إلى صاحبنا يرحمه الله فقد ضاق صدره بما لا يطاق فما كان منه إلا أن شدا بهذه القصيدة قد يكون أرادها أو استثيرفخرجت من فيه رغما عنه كل هذا جائز ولابد للمصدور من فيضان وإليكم ما قال :

يقل لك ابن جهاد يا العود المعجور
فيك خــــــــلات وشــــــــــــــــــبنا
ما تستوي عابـر ولا تصــلح بداية
يتعب النجـــــــــــــار عــــــــــوده
وان سلك الناجر بقدومه لهس باب


وصلت هذه القصيدة إلى مسامع أمها وهي شاعرة أيضا فقالت: هذه فيك (ياالمعثورة) وكانت زوجته رحمها الله كثيرة الهروب إما إلى بيت أهلها أو بيت جيرانها وكان صالح الفقيه يرحمه الله يهدئ من روعها ويعيدها في كل مرة ولكن الخرق اتسع على الراقع ، أما زوجها فكثيرا ما يلجأ إلى صديقه ورفيق دربه (دغسان أبو عالي) فيبثه همومه وأحزانه .

باروح من الوادي معيّل من الضما
بامـــوت يا دغسان والمــا نصــيره


أحب أن يستثير غيرتها أكثر ليعرف مدى حبها له لكنه داعب وترا شديد الحساسية عند النساء فما أسوأ على المرأة من سماع زوجها وهو يتغزل بامرأة أخرى وإذا كانت البيوت أسرار فإن بيوت الشعار ليست كذلك فهي مكشوفة كبيوت الشّعر بتشديد الشين وكسره ، حيث يهرب الشعار إلى الشعر ليستظلوا به من حر حيواتهم الخاصة فهذه قنبلة أخرى قذف بها في مسمع زوجته :



يقل محمد مضينا ديرة ابني كبير
لقيت ذا تهني الألباس ثوبا عليه
تشبه لطلع التمرولا تشــابه لبدر
وانا اتمنى يكن ما عندي الا هيه


بلغت هذه القصيدة وقصائد أخرى إلى مسمعي أمها وهي شاعرة كما أسلفت وابنتها على حد زعمها لا تستأهل منه كل هذه الإهانات فردت عليه بقصيدة بالغة القسوة لن أذكرها احتراما للميت (اذكروا محاسن موتاكم) أضافت هذه القصيدة ضغثا على إبالة أو قل كانت القشة التي قصمت ظهر البعير فقررت الرحيل لكنها لم تترك هذا الطفل وحيدا فحملته إلى أهلها استشعارا منها بالمسؤولية وعظم الأمانة فأين نساء اليوم من نساء الأمس؟!!
لم ينسها ذلك الطفل عندما كبر ،فللأمانة كان يواصلها حتى توفاها الله وهذا هو الوفاء لصاحبة الوفاء .
أما شاعرنا فقد تشبث بها وبذل كل جهد لإرجاعها ولكن هيهات هيهات فقد أصمت أذنيها عن كل كلام معسول يمنيها إذا رجعت ، فأصرت على مفارقته إلى الأبد .

ولابد أيها القارئ الكريم بفطنتك ترى أن شعره سلس عذب وأسلوبه من السهل الممتنع لا تجد عنتا في فهمه فهو ينبع من عاطفة جياشة صادقة يأسرك بحسن إبداعه وسهولة ألفاظه ومن أجمل ما قال :

يابو جعودا من على امتانه مدرهم
وعلى اللبــّـــــــات مليــــــــــــوم
والعنق قل يا لول والا ابريق فضـة
لا درج ينعــــــاج روحـــــــــــــــه
ياسين غروني منه ما اسموا محلـه


فهل سمعت أجمل من هذا الغزل ؟!! لاشك أن شاعرنا يرحمه الله يعاني من ألم الفراق فراق المحبوبة فكان طرحه مدعاة لرد ينفس به عما في نفسه من هموم وإن كان في القوم من يحاول مواساته من أمثال دغسان أبو عالي يقول له: ( أصبر يا ملاسي ولابد يفرجها ربك ولا تشيل هم ) فيرد عليه :

(يا دغسان أنت شبعان وفي إيدك كسرة ولا تدري عن ملاسي)هيا أسمع الرد :




من أين ياجيك الرضا يا شايل الهم
كيـف ترضى وانت مهمــــــــــوم
والهم لا علق بقلب انســان فضّـــه
واتلفــــــه وابـــــدى جروحــــــــه
يروح من بين العرب مسموم حاله


بث همومه وأحزانه في هذه الأبيات الرائعة، إنها نفثة مصدور .
عاش بعدها غربة حقيقية بكل ماتحمله الكلمة من معنى ،فقد الحضن الدافئ الذي يأوي إليه أصبح البيت باردا لا حياة فيه ولا معنى له فهزج بهذه الأبيات :

عساك يا بخت الملاسي في لقف جـن
ينهبونه وانــت غــــافـــــــــــــــــــل
يا رب خذ بختي وهب لي بخت غيره


فقرر هو الآخر الرحيل (السفر) وهنا نسدل الستار على قصة حب من طرف واحد لم يكتب لها النجاح تغمد الله الفقيدين وجميع أموات المسلمين بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته

 

 

   

رد مع اقتباس