عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2009, 09:35 PM   رقم المشاركة : 9

 



المشهد الرابع

لا تغضب



عاد صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته حتى دنا من حجراته،

وما نظن إلا أنه كان كا بعد يوم مثل كل أيامه يقضيه في دعوته وبلاغ رسالته،

وأنه عاد مجهود البدن، مجهود النفس بعد أن بذل للناس خُلُقه وبِشرهْ، وفضله وبِرَّه،

ثم عاد إلى بيته أحوج ما يكون إلى مستراحه وأنسه؛

ليريح بدنه ونفسه.

كان صلى الله عليه وآله وسلم يسير وقد ارتدى برداء نجراني غليظ الحاشية

أداره على عنقه وألقى فضله على مَنْكِبه،

حتى إذا وصل إلى حجرته وكاد أن يدخلها،

إذا أعرابي من أهل البادية يسارع إليه حتى إذا أدركه

جذب طرف ردائه من خلفه جذبة شديدة

فاجأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان من أثر هذه الجذبة الشديدة المفاجئة:

1 - اختل توازن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

فتقهقر إلى الخلف حتى رجع في نحر الأعرابي

2 - انشق الرداء من أثر شدة الجذبة الأعرابية.

3 - غاصت حاشية الرداء في عنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

فجعل أنس رضي الله عنه ينظر إلى عُنُق النبي صلى الله عليه وآله وسلم

-وكان عنقه أبيض وضيئًا كأنه إبريق فضة-

فإذا حاشية الرداء قد أثَّرت في صفحة عنقه صلى الله عليه وآله وسلم من شدة جذبة الأعرابي.

لقد كان المتوقَّع حينئذ أن يمتَقَع الأعرابي لِما جرى، وأن يعتذر عما حدث،

وأن يتلطَّف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طالبًا عفوه،

ولكن هذا ليس الذيجرى، فقد نادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً : يا محمد.

إنه نداء بجفاء فالله يقول: {لا تَجعلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}.

ثم طلب فقال: أعطني من مال الله الذي عندك. إنه الجفاء في المسألة أيضًا. وبعد،

فأتمنى منك أن تتوقف لحظة عن القراءة، وتغمض عينيك، وتفكر في الإنفعال

الذي يمكن أن تُثيره متوالية المثيرات المستفِزَّة هذه؟

جذبة شديدة أرجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوراء،

وشقَّت الرداء، وأثَّرت في صفحة العنق الشريف، ثم نداء بجفاء، وطلب بإلحاف.

كثّف هذه الصورة في ذهنك،

وتخيَّل أي حريق من الغضب يكفي واحد منها لإشعاله في القلب،

فكيف بها مجتمعة!

فكّر في ردة الفعل المتوقعة لهذه المثيرات المتتابعة.

أما نبيك صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت رِدَّةُ فِعْله عجبًا عاجبًا،

سَمَت فوق ضوابط الانضباط، ومُثُل المثالية، إلى أفق أعلى،

إنه أفق العظمة المحمدية. لقد التفت فلم يُعرِض، وضحك ولم يتجَهَّم، وأحسن ولم يعاقب،

يقول أنس رضي الله عنه وهو شاهد هذا المشهد:

( فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ضحك ثم أمر له بعطاء )

 

 

   

رد مع اقتباس