الموضوع: المعلامة
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2010, 09:56 AM   رقم المشاركة : 4

 

المعلامة

الجزء الثاني

وكم كنّا _نحن المبتدئين_ نتمنى أن يكون لنا مثل ذلك اللوح الذي يُكتب عليه (بأقلام بيضاء كالأصابع)! فنزداد تعجباً لتك الظاهرة الغريبة.. (الطباشير والسبّورة)!! ومنّا من ينطقها (السنمبورة).
ولم تكن خبراتنا وذكرياتنا عن المدرسة سعيدة بعد أن انتظمنا بها، لما كنا نشاهده _نحن الصغار_ من أساليب الضرب والعقاب لكل طالب لم يحفظ درسه أو سورته، أو من الذين يحدثون فوضى أو مشكلات مع غيرهم، كنا نشهد أساليب عجيبة ومُرعبة لنا، وما أكثر طرق العقاب.. فمنها:
· معاقبة تلميذ أو مجموعة بالوقوف على رِجلٍ واحدة، وحين يرتفع مستوى العقاب لتلك الفئة يُطلبُ من الأشد تقصيراً أن يمسك إذنه اليمنى بيده اليسرى والأذن اليسرى باليد اليمنى.. فيظل يتأرجح والويل له حين يغير هذا الوضع...
· لمحنا من بعيد أحد أولائك الطلاب، وما كان منه إلا أن نفخ في صفحات دفتره فأحدث صفيراً سمعه المعلم، فلم يجرؤ أحد أن يخبر عنه لكبر سنه، وتوعده لمن يخبر عنه من الواقفين معه. فما كان من الأستاذ إلا أن عاقب الجميع...
· العقاب في القدمين كان مألوفاً، حين ينادي المعلم قائلاً: (امسكوه) فينطلق اثنان من الطلاب وهم سعداء ليربطوا ساقيه بالعمامة وتُشدّ رجلاه إلى الأعلى ويُضرب في باطن القدمين.
· وقد يتدرج العقاب حتى يصل أحياناً إلى إحضار حلس الحمار ويُشد على ظهر (البليد) كما يقال عنه، ويُطاف به على جميع التلاميذ!!
· أن يوضع على رأسه (الشن) وهو بقية دلو أو قربة تالفة تلتقط من إحدى الدمون (جمع دمنة).
· أحياناً يدار به إلى كل فرقة ويُطلب منهم المناداة عليه بـ:
(يا بليد.. يا بليد.. يا مطيس عين ألف، خذ دواتك واستلف..)!!
· أحياناً يُحوّل المقصر من مجموعته إلى مجموعة أقل في المستوى الدراسي ليبقى بها يوماً أو يومين ثم يُعاد إلى مجموعته وقد فاته عدد من الدروس.
· ويعزز ذلك كله مقولة الأب المشهورة للمعلم: (لك اللحم ولنا العظم).
· ومن طرق العقاب.. أن يُستدعى أحد التلاميذ الجيدين (الشطار) من صغار السن فيُسأل عما لم يستطع الطالب الكبير الإجابة عنه، فإذا أجاب من هو أصغر منه يقال للطلاب (صفقوا عليه)* ثم يُطلب منه أن يصفع من لم يعرف الإجابة ، فلا يسعه إلا الامتثال وتمكينه من ذلك بثبات مهين..!!!
وكثيراً ما يتطوّع بعض الطلاب بإحضار مجموعات من عصيّ بعض الأشجار، وأذكر حين انتقلت إلى مستوى أعلى أنني أحضرت لأحد معلّميّ عدداً من العصي من نبات (الأركوض) قدمتها إليه مزهوّاً.. وفي نفس اليوم لم أسلم من العقاب بواحدة منها على يديّ،وظل زملائي.. وحتى أهلي يضحكون مني أياماً...
وقد يوكل إلى أحد التلاميذ أن يكون (عريفاً) حين يكون المعلم غائباً أو منشغلاً،فيقوم العريف بتلك المهمة التكريمية بشيء من الفخر والتسلط.. فلا يسمح بأي حركة ولا همسة، ويسجل أمام اسم كل طالب (مشوّش) أو يكتب (عاصي) أو عاصي مكرر، ومن ثم يعاقب من قبل المعلم عندما يحضر حسب مستوى المشاغبة... وكثيراً ما يتعاطف ذلك (العريف) مع بعض التلاميذ، إما لقرابة أو صداقة.. أو اقتسام ما معه من خبز أو تمر..، وبالنسبة لكبار السن يُغض الطرف عنهم تفادياً للتهديد والتوعد بعد الانصراف من المدرسة إذا كُتِب من (المشاغبين).


* التصفيق على الطالب من وسائل العقاب آنذاك، فيقال (صفقوا عليه) للتعبير عن اللوم والاستهجان، وليس كما هو عليه الآن: للتحية والتشجيع، فأصبح يقال اليوم: (صفّقوا له) للاستحسان وليس للاستهجان.

حفظنا أحرف الهجاء قراءة وكتابة مع عدد من سور القرآن الكريم القصيرة، وكان (سيْدنا) بتسكين الياء/معلمنا.. لا يسمح لكل من أراد أن يخرج لقضاء حاجة إلا في حالات قليلة ترتبط بمصداقية التلميذ، مع وجود زمن فسحة عامة للجميع.
كما تعلمنا طُرق الاستئذان من المعلم بالحركة والإشارة التي ترمزُ إلى نوع الحاجة التي يراد الخروج من أجلها، فإذا ما رغب التلميذ أن يشرب.. فعليه أن يضم أصابع يده اليمنى ويرفعها إلى فمه، فيعرف المعلم حين ينظر إليه أنه يريد أن يشرب فيسمح له أو (ينتهره)/رفضاً طلبه.
وإذا أراد طالب أن يُخرج ما في أنفه... (وما أكثر سيلان الأنف في ذلك الوقت) فعليه أن يمسك أنفه بسبابة وإبهام يده اليسرى، ويقف أمام المعلم فيعرف أن حاجته.. إفراغ مافي أنفه..
وإن أراد الذهاب للتبول فعليه أن يقبض يده اليسرى ويرفعها عالياً، مع بسط أصبع الخنصر، ومن أجل إثبات شدة الحاجة للذهاب إلى الخلاء فإنه يقوم بثني جسمه وتقطيب وجهه تأكيداً للرغبة الملحّة.. ولئلا يمنع من الخروج فيبتل الحصير، وقد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك.
يتبع .........

 

 
























التوقيع

قال تعالى :
"ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين"

فصلت (33)


   

رد مع اقتباس