عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2009, 11:28 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road

بخيتٌ ـ بخيت الحظ


 

[SIZE="6"][
الفصل الأول
/
{ بخيتٌ - بخيتُ الحظِّ }


هبّ سالم مذعوراً من نومه بعد منتصف ليلة باردة على إثر رؤيا مزعجة رآها في منامه ، فرك عينيه وطالع ساعته التي تضئ أرقامها والمشتهرة في ذلك الوقت من نوع ( أم صليب ) الألمانية الصنع فوجدها تشير إلى تمام الثانية فجرا استعاذ بالله من شر رؤياه وتمطط في فراشه ثم تحول على جنبه الآخر محاولا النوم من جديد فالوقت ما يزال مبكرا على التوجه إلى الوادي لمقابلة ( عصيبه ) حامد لإتمام ( فتاق ) بعض المزارع لكنّ شبح الرؤيا المزعجة لم يدعه يغمض جفنيه مرة أخرى .

تلمس طريقه في ( العليِّة ) وسط ظلام دامس باتجاه الباب خوفاً من أن تحس به زوجته ( حليمة ) أو تطأ قدماه أحد فلذتي كبده ( بخيت وشريفة) وخرج إلى سُدَّة البيت .


رفع رأسه إلى ألسماء وقلَّبَ نظره في النجوم وذكر الله في نفسه ما شاء الله أن يذكره ثم عاد أدراجه إلى مخدعه .


سالم ، ماذا بك ؟ سألته حليمة .
أنت صاحية ؟ لا شئ ، أضاف : الوقت لازال مبكرا عودي إلى نومكً .

أرادت حليمة أن تضع يدها على جبين زوجها لتشعره بحنانها ولتتفحص مدى ارتفاع درجة حرارته التي كان يشكو منها نتيجة الحمّى التي لازمته في الأيام الأخيرة إلا أن يدها بفعل الظلام لامست عن غير قصد برد خدِّه المبلل بالدموع ، فإستوت جالسة ، وألحَّت عليه .....

ما بك يا سالم ؟ أخبرني !
تهرّب سالم من إجابتها في البداية لكنه عاد وأطلعها على جزء من الرؤيا التي أقضَّت مضجعه .

انزعجت حليمة من رؤيا زوجها فكتمت ذلك عنه ولم تبد له قلقها ، وأشارت عليه بأن يتوضأ ويصلي ركعتين ويعود إلى فِراشه .

عمل سالم بنصيحة حليمة وبعد قضاء صلاته حاول النوم مرّة أخرى إلا أن ارتفاع صوت صياح الديك أشعره بأن الإذن ببزوغ فجر جديد قد اقترب وأن عليه أن ( يعلف ) ثوره ومشدوده قبل أن يوقض ابنه وابنته لأداء صلاة الفجر ومن ثمّ يرافقانه إلى الوادي .


دخل سالم إلى ( السِّفل ) وفي يده فانوس صغير ولم يكد يخطو خطوتين حتى أحس بشئ حادّ يشرخ ظاهر قدمه اليسرى وبعد تفحٌّصِِِِه اتضح بأنه قطعة حديد مغروسة في ألأرض ظهر جزأها ألأعلى على السطح وقد تآكل من أثر ألصدأ .

لم يعر سالم تلك الحديدة أدنى اهتمامه في حينها فهو متعود على أكبر من ذلك في حياته وجال بخاطره أن مضغ قليل من ( العثْْْْْْْْرب ) وهو في طريقه إلى الوادي ووضعه كما هي العادة على الجرح سيحل المشكلة .

وصل وأبناؤه إلى مقر العمل وانزل من على المشدود ( السحب والمقرنة ) وسارع معهما إلى ( تبشير ) ( الركيبة ) قبل أن يصل عصيبه حامد ونسي قدمه والعثرب وجرحه النّازف .

ارتفع قرص الشمس وبدأت حرارة أشعتها تتسلل إلى الوادي وسالم منهمك في عمله ومع ذلك لم تكن لتغفل عيناه عن مراقبة الطريق مخافة أن تصل حليمة ( بالفأل ) دون أن يدري فتلاحظ آثارالتعب بادية عليه .


وصلت حليمة ووضعت مكتلها من على رأسها في ظل شجرة المشمش القابعة في ( سند ) الركيب وأخذت ( اللّومة )عن زوجها ليتمكن مع عصيبه من تناول طعام الإفطار ومن خلال اختلاسها النظر بين الفينة والأخرى إلى ملامح وجهه أدركت أن الإعياء باد عليه رغم محاولته الجادّةً إخفاء ذلك عنها .

حليمة ! نادى بصوت جهوري حامد
نعم يا أبو صالح ، ردت حليمة
حامد : أبو بخيت ماهو عاجبني اليوم !
ليش يا أبو صالح ؟


قطع سقوط سالم على ألأرض الحديث ،( فأطلقا العِداد ) وحملاه على المشدود وقاد بخيت الحمارة متوجها بأبيه إلى المنزل .

صادفهم قبل وصولهم إلى البيت ناصر أخو سالم الأكبر فٍسألهم ماذا بكم ؟ فأخبروه بأن أخيه عاودته الحمّى وهذا كلما في الأمر .

تدهورت حالة سالم الصحية مع مرور الأيام وزوجته تتنقل من قرية إلى أخرى ومن فقيه إلى فقيه للبحث له عن علاج و كثر( المحو ) و ( التذريع ) وقصّ القصيل وعبارات ( إرمي بهذا الجزء في النار مع شويّة ملح ، وهذا الجزء حطيّه في الماء وروشي به زوجك ) وازدادت عليها النصائح وتعددت من حولها الآراء فمن قائل ( كشة حنش ) وآخر يقول ( عين ما صلّت ع النبي ) وثالث يجزم بأن سبب المرض ( مَرزا ) ورابع يقترح كيّ المريض بالنار ، والمسكينة ترددً في خلجاتها ( إش ينفع الكى برّا والوجع جوّه ) دون أن تنبس ببنت شفة وقد إستقر بداخلها أن ما تشاهده أمامها ليس إلا تأويلا لرؤيا زوجها المشؤمة وأن نهايته المنتظرة باتت قريبة .

ِ
انقضت ثلاثة أشهر وسالم في فراشه بين الحياة والموت تأخذه الإغفاءة أكثر من الإفاقة وظهر بعض التصلب في أطراف أصابع رجليه ويديه ، وجاء والد حليمة وأخوها لزيارته من ديارهم التى تبعد عن قرية سالم يوما ونصف اليوم ( بالدابّة ) وبعد مشاهدة حالته قررا مع أخيه ناصر ضرورة السفر به إلى مكة للعلاج .
ولولت حليمة وصاحت وسكبت الدموع طالبة منهم ترك زوجها لقدره فإما عاش وهذا ما ترجوه أو واجه قدره فيكون موته بين أبنائه وفي قريته إلا أن توسلاتها لم تجد معهم نفعاً .

حُمل سالم فيما يشبه ( النعش ) على جمل وأُخذ إلى أقرب مكان تصل إليه السيارة على مسافة تقارب السبعين كيلو متر عن القرية ، وانقضى اليوم الأول والثاني ولم تصل السيارة وفي اليوم الثالث لفظ سالم أنفاسه الأخيرة ودفن بعيدا عن أهله وعن قريته .





معاني الكلمات :


عصيبه : يقال فلان عصيب فلان إذا كان مع كل منهما ثورواتفقا على أن يشتركا في حرث مزارع بعضهما البعض وكذا درس أو ( دياس ) المحصول من دون مقابل

فتاق : حرث الارض قبل زراعتها بفترة من الزمن لتتعرض لعوامل التعرية قبل بذر الحبوب فيها وإعادة حرثها من جديد .

العلِّية : المهجع الذي ينام فيه الرجل وزوجته او مايطلق عليه بلغة العصر( غرفة النوم )

سدّة البيت : سقف أو طرقة توضع قبل مدخل الدور الثاني من البيت شبيهة بما يقال له الآن البلكونة

يعلف : يقدم العلف ( التبن ) للماشية .

السفل : الدور الأرضي من البيت ويستخدم جزء منه في العادة لخزن ( الأعلاف ) والجزء الآخر لسكن

الدواب ( الثور والبقرة والحمار والجمل )

العثرب : نبتة بيئية تشتهر بها منطقة الباحة وغالبا ما يكون وجودها في أطراف الأراضي الزراعية .

السحب : المحراث وله اكثر من إسم من بينها ( اللومة )

المقرنة : اداة مصنوعة من الخشب تربط على رقبتي ثورين ويتصل بها السحب أو المحراث .

تبشير الركيبة : تنظيفها من الحجارة سواء اكانت الحجارة صغيرة ام كبيرة ، والركيب أو الركيبة إسمان لمسمى واحد وهو الأرض الزراعية .

الفأل : وجبة الإفطار .

سند الركيب : آخره مما يلي الجدار .

اطلقا العداد : اوقفا العمل تماما وإصطحبا كلما احضراه إلى البيت و ( العداد ) إسم يطلق على الأدوات المستخدمة سواء في الحراثة أو في الري وإن كانت في الري او ( السوق ) أشهر منها في الحراثة وتشمل ( القتب ، والمقرنة ، والسحب ،والمدمسة ، والمحالة ، والدراجة ، والرشا ، والمقاط ، والغرب , والسهمان ، وخلافها )


المحو : جمع محوة وهي أشبه ما تكون بالرقية أو القراءة والنفث في الماء .

التذريع : كان بعض المعالجين المحليين او ما يسمون بالفقهاء لهم طريقة عجيبة في العلاج إذ يطلبون من المريض إحضار ( قصيلة ) وهي عبارة عن عود يابس من أعواد الذرة ويقومون بقص ذراع من اعلاها وذراع من اسفلها وما تبقى من وسطها يقسمونه قسمين بعد تقشيره وقراءة بعض التمائم عليه ويعطونه للمريض طالبين منه رمي أحد الجزأين في النار مع قليل من الملح لطرد الشياطين والجزء الآخر يوضع في الماء ويتم الإستحمام به .

كشة حنش : صوت يطلقه الثعبان عند الإقتراب منه ، وتطلقه الحرباء أيضا وكذلك انواع أخرى من الزواحف كنوع من انواع الدفاع عن النفس .

مرزا : مصطلح يطلق على من لم يعرف سبب مرضه وغالبا ما يطلق على من تلبَّسه الجان فيقال فلان معه مرزا أي ( معه جنِّي ).



الفصل الثاني


{ في سُرادق العزاء }

عريفة القرية يهمس في أُذن ( ناصر ) واش بتسوّي هالحين في مَرَةْ أخوك وسفانه ؟
ناصر : واش باسوى فيهم ؟ يقعدون في بيتهم وشار حلالهم .
العريفة : وتخلي الغريب ( يقصد أهل حليمة ) يكوَّشون على المال والحلال ؟!
ناصر :المال أظنّ ماشَيّ مال وأما البلاد فبلادنا والحلال حلالنا .
العريفة : وانت في خاطرك إن عوض ( أخو حليمة ) وأبوه بيخلون بنتهم عندك ويعطونك ( الهوش ) والحمارة من الباب للطاقة ؟! ما أظنك صاحي !
والدّبرة ؟ ! ردّ ناصر في ذهول .
العريفة : الدّبرة إنك ( تأخذ ) حليمة ) و ( تتشبَّر ) الله إنه يرزقك منها ( بذِرا ) مادام ( ما جا لك سفان ) ويبقى سمننا في دقيقنا .
ردّ سالم : على الله ! وغيّر مكانه .

في الجانب الآخر من العزاء ( عوض ) يجلس بجوار أبيه ويجول بناظريه في وجوه المعزِّين وفي ذهنه الدياس الذي أوشك موعده أن يحلَّ ومدى حاجته إلى ثور أخته وحمارتها في الأيام القادمة فالصق رأسه برأس أبيه وتمتم قائلا :

أنحن ما بنخلّي حليمة عند الأجناب لازم ناخذها هي وعيالها واهي فرصة بخيت وصل عمره تسع سنين ما دخل المدرسة يدخل مدرستنا مع عيالي والبنت تتربى مع بناتي واختي ( مِيَتِّم ) تبقى شارعيوننا .

راقت الفكرة لوالد حليمة لكنّه لم يشأ مناقشتها مع عوض في ذلك الوقت فردّ على عجل: ما بعد غلّق العزا وانا ابوك خلّه يغلّق وإن شاء الله خير.


بعد انقضاء أيام العزاء لم يقَدِّر أحد مشاعر الحزن الذي يكاد يفتك بحليمة أو يحس بمدى الرعب الذي كان يكتنفها خوفا من المستقبل المجهول الذى ينتظرها وابناءها ولم تترك لتقضي عدتها في بيتها بل أستبدل ذلك كله بإركابها وأبنائها حمارة الفقيد وأرغمت على اقتياد الثور والبقرة والعودة برفقة أهلها إلى مسقط رأسها.

لم يكن ناصر ليسمح لوالد حليمة وأخيها باصطحاب شيء مما تم اصطحابه معهما لولا أن حديث عريفة القرية عن زواجه من حليمة مازال يطنطن في أذنيه فأراد أن يبقي على شعرة معاوية دون انقطاع.

حلّ موعد ( صرام ) الصيف ( ودياسه) في قرية عوض وأبيه وذاق بخيت وأخته من أنواع الشقاء ما الله به عليم فهما يتواجدان رغما عنهما في كل موقع يأمرهما خالهما بالتواجد فيه مفتقدين حنان والدتهما التى لا يكادان يريانها إلا بعد مغرب كل يوم إذ كانت طوال الوقت بمنأىً عنهما إمّا في ( الصّدر ) للحطب أو في الوادي ( للسَّوْق ) أو ( للصرام ) أو في إحدى ( الجُرُن ) للدياس أو تشارك الغير في نقل إحدى ( الدّمون ) أو... أو ... ولاغرو في ذلك فهي وأبنائها كالبهائم في نظر أخيها يعيرهم لمن يحتاج لخدماتهم من أفراد القبيلة مقابل ما يسدٌّ رمقهم فقط .


فتحت المدرسة أبوابها بعد إجازة الصيف والتحق بخيت بصفها الأول وهو ابن التاسعة حيث وافق مدير المدرسة ( وهو ابن قريتهم ) على تسجيله بها بعد أن بعث به خاله في موسم صرام الصيف الذي انتهى للتو مع والدته وثورها وحمارتها لمساعدة المدير وعائلته في حصاد الموسم .

تفاجأت حليمة بمتطلبات المدرسة التى لم تتعود عليها من قبل والتى لم تكن تنقطع ووقفت حائرة أمام رفض ابنها الذهاب إليها في كثير من الأيام خوفا من عقاب الأستاذ جمال الذي يصر على أن يحضر كل طالب كرّاس جديد لكل مادة ويغلّف كتبه ويحضر ( بدلة ) وحذاء للرياضة إلى جانب البرَّاية والمسَّاحة والمرسم وما إلى ذلك فحمدت الله على أن أخيها لم يلحق ابنتها بالمدرسة كما فعل ببناته وإنما أبقى عليها من بينهن لرعي الماشية .

ذهبت حليمة لزوجة مدير المدرسة التى لم تكن غريبة عليها إذ أن عَرَقها وعرق ابنها ودوابِّهم لم يجف بعد من ( جرينهم ) وشكت عليها ضيق ذات اليد وطلبت منها تدخل زوجها لدى ( المقاول ) جمال ليعفي ابنها من بعض ما يطالب به الآخرين تقديرا لظروفه التي لا تخفى عليها فهزّت الأخيرة رأسها ووعدتها خيرا إلا أنها لم تحرك ساكنا خوفا من أن يعطف زوجها على حليمة ويتزوجها بعد أن سرت شائعة بين نساء القرية مفادها أن أخيها عوض سيزوجها لأول رجل يتقدم لخطبتها .

أثار كبر سِنَّ بخيت عن المستوى الدراسي الذي هو فيه سخرية أبناء القرية منه وخصوصا ابن خاله ( علي ) الذي يصغره ببضعة أشهر ويدرس في الصفّ الثالث فزادت عليه الضغوط وكأن ضغط الفقر وحده لم يكن كافياً ليربّي في أعماقه عقدة من الدراسة والمدرسة .

بعد أن رجع بخيت في يوم من الأيام إلى أمه يبكي ويريها آثار الضرب الذي أحدثه بجسمه الغض أستاذه جمال بعثته باحدى ( بنجرتيها ) خفية عن أخيها إلى العم ( موسى ) ليبتاعها لها وتحلُّ بثمنها مشكلة طلبات المدرسة ، أما مشكلة سخرية أبناء ألقرية من ابنها فقد بقيت دون حل .

اشترت حليمة بجزء من ثمن البنجرة ديكا ودجاجتين وأودعتها لدى إحدى قريباتها لتوفرمن ثمن البيض الذي يبيعه لها العم موسى في سوق الخميس ما يؤمن لها بعض متطلبات ابنها وذلك قبل أن يكتشف ابن أخيها الأكبر ( حسن ) الأمر ويتسلط في غفلة منها ومن قريبتها علي البيض ويسوِّقُ جزءاً كبيراً منه لصالحه على بعض المغرمين بالبيض البلدي من المدرسين الأجانب العاملين في المدرسة .

في نهاية العام الدراسي نجح بخيت ورسب علي وحضرت الوفاة والد حليمة أثناء إجازة الصيف فجاء ناصر بعد انتهاء العزاء ببضعة أيام لأداء الواجب معتذرا بأن خبر الوفاة لم يصله إلاّ متأخرا .

معاني الكلمات :


الهوش: كلمة يقصد بها ( الثور ، البقرة )

تتشبر : تطلب

ذرا : مولود

سفان : أولاد ( بنين وبنات )

ميتِّم : المرأة التى توفى عنها زوجها ولها منه أطفال لازالوا في حاجة للرعاية

جُرُن : جمع ( جرين ) وهو الساحة أو الفناء المعد لدرس الصيف أو دياسة

المقاول : كان أهالي الجنوب يطلقون هذه الكلمة على المدرس المتعاقد معه من خارج المملكة وخاصة من يرتدي منهم ( البنطلون) من إخواننا الأردنيين والفلسطينيين وفيما اعتقد ان مصدرها ( أنه تم التقاول معه _ أوالإتفاق معه من قبل الدولة على التدريس في المملكة ) .


الفصل الثالث


{ السير إلى المعلوم المجهول }


بعد أن أدى ناصر سنة العزاء خرج لبعض الوقت خارج القرية لمقابلة تجار العسل الذي تشتهر به المنطقة ثمّ تفقد خلايا النحل المغرم بتربيته و صلَّى العصر في المسجد قبل أن يعود أدراجه إلى منزل عوض .

انفرد ناصر بعد عودته بعوض في إحدى زوايا البيت وفاتحه في موضوع حليمة قائلا :

أنا ودِّي تعطوني حليمة يا أبوحسن ، منها يتربون عيال آخي معي ومنها يمكن الله يرزقني بولد وإلا ببنت يشيلوني آخر حياتي .
عوض : ( مظهرا حرصه على مستقبل أخته وأبنائها ) المهرّجة في أختي كثيرين يا أبوسعيد .
ناصر : وليش ما زوجتموها لاعد ؟!
عوض : والله هي ما وافقت وانحن ما بنرميها رمية الكلاب عند واحد ما همّه إلا حقها وحق عيالها .
ناصر : ما أظنكم بتلقون أحد يخاف عليها وعلى أولادها ويحفظ حقهم مثلي .
عوض : ( متخوفا من ذهاب الفرصة ) صحيح يابو سعيد والله إنك وانعم لكن خلنا نشاورها ونشوف يمكن عندها رأي ثاني .
ناصر : شاورها ( ياخه ) وعذ بالله من الشيطان


يدخل عوض ( الشقير ) الداخلي ويطلّ برأسه من النافذة مناديا على ابنه ... حسن.... يا حسن .... اقترب حسن من النافذة فأوعز له أباه باصطياد ديك عمته حليمة ليقدمه كواجب ضيافة لناصر مستحثا امرأته في الإسراع بتجهيز عشاء الضيف ومن ثمّ عاد إلى المجلس تعلو وجهه ابتسامة مفتعله :

ناصر : هاه بشِّر ؟ أشوفك ما تأخرت !
عوض : لا أبشرك كل شي طيب لكن ألآدمية لها شروط .
ناصر : وش هي شروطها يا أبو حسن ؟
عوض : تقول بزورتها يبقون هنه عشان المدرسة وأما الهوش فتقول بتبيعها وتخلِّي ثمنها عندي وثاقة لها وللزمن .
ناصر : الولد يقعد عندكم يكمّل دروسه يا أبو حسن لكن البنت واش تبغون بها ! انتم أعرف مني بالعار يارحيمي وشريفة عارنا ولازم تكن مع أمها .
عوض : والمهر يا أبوسعيد !
ناصر : المهر مهر المطلقة يا صاحبي ، والكلفة الزايدة ما لنا بها .
عوض : ما يخالف توكلنا على الله ، لكن الحلال ؟
ناصر : الحلال مادام رغبة حليمة تبيعه ، فبعه والله يبارك لها في ثمنه .
عوض :كفَّيت ووفيت يا أبو سعيد والله يوفق بينكم .
ناصر : الجوازة والجنازة ما حد يوخرها وأنا أخوك قم هات المملك وخلنا ننتهي .
عوض : ما بعد أمدى أبي تنفقع عينه وأنا أخوك .
ناصر : يا خي الميت مات والله يرحمه والحي أبدى من الميت .
عوض : طيب لكن ما عيْنَّا ندعي أحد ، بنذبح واحدة من الغنم وخذ مرتك والله يسهل عليكم .
ناصر : ما يخالف ، جبتها على ما في الخاطر .
يبعث عوض ابنه عليا لاستدعاء إمام الجمعة من القرية المجاورة ليكتب لناصرعلى أخته وفي الطريق يلتقي عليٌٌٌّ عمّته العائدة من ( الفيض ) وعلى رأسها ( مذرا ) جفوف ويخبرها الخبر .


تفاجأت حليمة بما سمعت ووقع عليها الخبر وقع الصاعقة فهي وإن كانت مدركة أن زواجها من ناصر لن يحدث تغييرا كبيرا في حياتها من حيث العناء ، لكنها تعي تماما معنى مشاركتها ( فاطمة ) زوجة ناصر وهي الخبيرة بها في زوجها ، كما أن العيش مع الزوج الجديد ( وهو شقيق زوجها السابق ) في نفس البيت الذى تركت فيه أحلى ذكرياتها مع سالم زاد من صعوبة تقبلها للأمر وبدأت تفكر في مصير ابنها وابنتها وفي أجوبة لأسئلة كثيرة تواردت على ذهنها حتى دخلت السفل لتضع ما على رأسها من حمل ودموعها تبلل خمارها وفجأة يقطع عليها صوت ( نحنحة ) عوض أفكارها والصمت الذي يلف المكان قبل أن يبدأ في مخاطبتها قائلا :

ناصر خطبك مني والمملك جاي ذا الحين ، أبغاك تجهزين نفسك عشان تروحين مع رجالك القابلة وإلا قبلاها
حليمة : وعيالي يا اخه ! ردت بحذر وهي ترمق دخول شريفة وغنمها الى ( المراح )
أجاب : الولد يقعد يكمل دراسته عندي والبنت خذيها معك .
حليمة : وأنا كيف أعيش مع فاطمة في بيت واحد ؟ ما أبغى انكح يا عوض .
عوض : أنا قد أعطيت الرجال كلمة وما عيني أغير كلمتي .
حليمة : أعطيته وإلا ما أعطيته أنا ما باخذه لو كان ما يبقى من الرجال إلا هو .


استشاط عوض غضبا من ردها عليه حتى ظهر ذلك علي قسمات وجهه الغضيب أصلا فمد يده وتناول ( العرقة ) المعلقة على ( وتد ) في جدار السفل وبدأ يضرب أخته أمام ابنتها ضربا مبرحا وهو يردد ( انتي تردين كلمتي في نحري يا الخايبة )

لم تستطع شريفة فعل شيء لوالدتها سوى الصراخ الذي أوقف هجوم خالها الشرس على أمها بعد أن علا صوتها مخافة أن يشعر ناصر بالأمر .

معاني الكلمات :


المهرّجة : من الهرج وتعني الخطّاب

الشقير : جانب من البيت

الفيض : اسم مكان

مذرا : زنبيل او مكتل كبير

المراح : المكان الذي تأوي اليه الماشية للمبيت

الوتد : عود مغروس بجانب الجدار تعلق عليه الأشياء
/]

.[/size
]
[/b]

 

 

   

رد مع اقتباس