عرض مشاركة واحدة
قديم 04-28-2013, 11:13 PM   رقم المشاركة : 1
أحمد حكيم الغامدي وموقعة اليرموك


 

أحمد حكيم الغامدي وموقعة اليرموك
بقلم: د. سعيد بن عطية أبو عالي

صديقي الأستاذ أحمد حكيم الغامدي رأيته في ملعب الصبان بمدينة جدة وهو يلعب كرة قدم مع نادي الاتفاق من المنطقة الشرقية وقد أذهلنا هو وزملاؤه بالأداء النظيف، والابتسامة العريضة، والمعاملة الحسنة لنظرائهم من الفريق الخصم، وذلك حوالي 1387هـ.

تقطَّعت بنا أسباب الحياة وتقابلنا لأول مرة في منزله العامر في قرية قذَّانة بديار قبيلة بالشهم بمنطقة الباحة عام 1419هـ على ما أذكر. فرحتي بلقائه يومها لا توصف مثل كرمه الغامر الفيَّاض.

أواخر العام الماضي أرسلت له مجموعة من إصداراتي منها كتابي (سوانح وأفكار) وبرسالة هاتفية شكرني قائلاً: "إنها لن تكون على رفوف مكتبته بل إنها ستكون في عقله وقلبه". بعد أيام أرسل لي الرسالة النصية التالية: "أستاذي الجليل لا عدمناكم؛ لقد وضعت خط تحت الكلمة الأخيرة قبل السطرين الأخيرين من الصفحة 27 من سوانح وأفكار مذهولاً لا مكذباً ولا مستوعباً؛ مائة جندي يقهرون أربعين ألف مقاتل!! نورني الله ينور عليك".

ولكم أن تتخيلوا معي هذه الخصال الطيبة فيه: (1) القراءة الناقدة (2) الأدب الجم (3) روعة الأسلوب و (4) حسن السؤال. وقد أسلفت لكم بأنه أذهلنا عندما كان لاعباً نجماً في فريق الاتفاق. ووعدته بأني سأعود إلى مصادري وأحيطه علماً بذلك وها هو ردِّي:
شكراً لك يا أحمد فقد أهديت إليَّ عيوبي من حيث عدم دقة مراجعة ما قدمته في كتابي من إحصائيات عن معركة اليرموك التي أتمنى من كل قلبي لو نالني شيء من غبارها، غبار النصر للشهداء والصحابة الأجلاء والجنود البواسل فيها. وإليك يا أحمد يا ابن حكيم وإلى قراء الساحات أصحح ما أخطأت فيه إن عدد جيوش المسلمين في هذه الواقعة كان ستة وثلاثين ألف مقاتل (وليس مائة جندي) بينما كان عدد جيش الروم مائتين وأربعين ألف والآن تعالوا معي نستعرض أحداث هذه المعركة الكبيرة الحاسمة.
قال المؤرخ الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن محمد بن كثير القرشي الدمشقي (701 - 774هـ) في الجزء التاسع من كتابه الشهير الأثير (البداية والنهاية) أن واقعة اليرموك كانت (يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة) من الهجرة المباركة. وتكتسب أهميتها أنها أول غزوة وقعت بأرض الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنوات.

قبل هذا التاريخ كان للمسلمين جيوشاً في أماكن متفرقة من الشام وعلى كل جيش قائد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقادة هم: عمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبو عبيدة ابن الجراح، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم.

جهز هرقل، ملك الروم، جيوشاً كثيفة وأمر قادته بالخروج في مقابلة كل أمير (قائد) من المسلمين "ص 546". بعث أخاه لأمه (تذارق) إلى عمرو بن العاص، وجرجة بن توذرا إلى يزيد بن أبي سفيان، و(الدراقص) إلى شرجبيل بن حسنة، وبعث (القيقار) وهو كاتم سره ومستشاره إلى أبي عبيدة ابن الجراح.

• كتب القادة المسلمون إلى الخليفة أبو بكر وعمر "يعلمونهما بما وقع من الأمر العظيم، فكتب إليهم أن يجتمعوا فيكونوا جنداً واحداً".
• قرر الصديق بعد ذلك أن يشغل النصارى بخالد بن الوليد. وبعث إليه وهو بالعراق ليقدم إلى الشام فيكون الأمير على من به من الجيوش والقادة، فإذا فرغ عاد إلى عمله بالعراق.
• سمع هرقل فأمر قادته بالاجتماع تحت قيادة أخيه تذارق ووزع القادة على مقدمة الجيوش وعلى اليمين واليسار وعلى الحرب.
• سار خالد من العراق مسرعاً في تسعة آلاف مقاتل ووصلوا في خمسة أيام إلى (تدمر وارك) وكلاهما في ريف حلب فصالح أهلهما ثم "مرَّ بعذراء" فأباحها وغنم أموالاً عظيمة لغسان. ومنها سار إلى (قناة بصرى) وكان المسلمون يحاصرونها فسلمها صاحبها إلى خالد وكانت قناة بصرى أول مدينة تفتح بالشام.
• وصل خالد إلى جيوش المسلمين وكانوا – كما أسلفنا - تحت قيادات متعددة وجمع القوم وخطب فيهم موضحاً خطر الروم وعرض أن يتناوب القادة على (إمارة الجند) وطلب إليهم أن يكون هو القائد ذلك اليوم "فأمروه عليهم" ص 553.
• تجمع الروم في جيوش عظيمة ما تجمعوا في مثلها طوال تاريخهم، ونزلوا "فيما بين دير أيوب واليرموك". بلغت جيوش الروم مائتين وأربعين ألف. ثمانون ألف مسلسل بالحديد والحبال (وكل عشرة في سلسلة واحدة كيلا يفروا)، وثمانون ألف فارس، وثمانون ألف راجل" ص 551.

قام خالد خطيباً ودعا المسلمين إلى الاجتماع لأن جيوشهم كانت متفرقة "ونهاهم عن التفرق والاختلاف.. وقال: "إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي... فتعالوا فلنتعاور (نتبادل) الإمارة.. وحتى يتأمر كلكم، ودعوني اليوم أليكم (من الولاية).. فأمَّروه عليهم".

نظَّم خالد جيوش المسلمين في ستة وثلاثين (36)كردوساً.. كل كردوس ألف رجلً، وعلى كل كردوس أمير ص 553.

وزع خالد الجيوش وعين عليها الأمراء ثم أجرى تعديلاً على هذا التوزيع حيث جاء على فرسه إلى أبي عبيدة، فقال له إني مشيراً بأمر.
فقال أبو عبيدة: "قل ما أراك الله أسمع لك وأطع".
أخبره خالد بخوفه على الميمنة والميسرة وأنه رأى أن يقسم الخيل "إلى فرقتين وأجعلها من وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدموهم كانوا لهم ردءاً من روائهم"
فقال أبو عبيدة: "نِعْم ما رأيت"
ثم اقترح خالد أن يتأخر أبو عبيدة "عن القلب إلى وراء الجيش كله؛ لكي إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع إلى القتال" فوافقه أبو عبيدة على ذلك على أن يحل سعيد بن زيد العدوي مكانه وبذلك أصبح تشكيل الجيش المسلم في المعركة كما يلي:
• سعيد بن زيد العدوي في القلب
• عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة على الميمنة
• يزيد بن أبي سفيان على الميسرة
• قباث بن أشيم على الطلائع
• عبد الله بن مسعود على الأقباض
• أبو الدرداء يتولى القضاء
• أبو سفيان يقص على الناس ويعظهم ويحثهم على القتال.
• المقداد بن الأسود قارئ القرآن وخاصة سورة (الأنفال).
• قيس بن هبيرة على الخيل من وراء الميسرة
• أبو عبيدة في المؤخرة
• النساء من وراء الجيش ومعهن "عدد من السيوف وغيرها" وقال لهنّ خالد: "من رأيتموه مولياً فاقتلنه".
• خالد بن الوليد على الخيل من وراء الميمنة وهو "المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه".

لقطات من المعركة

 لما تراءى الجمعان قام أبو عبيدة، ومعاد بن جبل، وعمرو بن العاص، وأبو سفيان، وأبو هريرة ووعظوا الناس وحثوهم على القتال ضد أعداء الإسلام.
 شهدت المعركة كرَّاً وفرَّاً وقتل فيها كثير من المسلمين وانتهت بهزيمة الروم وأصبحت الشام كلَّها في أيدي المسلمين.
 أثناء القتال خرج جرجة وهو أحد كبار أمراء الجيوش الرومية واستدعى خالد ابن الوليد فتقاربا – وكل على فرسه - ودار بينهما حوار طويل انتهى إلى إسلام جرجة فأخذه خالد إلى خيمته "فشنَّ عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين" وخرجا معاً للقتال من "لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب" فأصيب جرجة ومات "ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد" ص 562
 أثناء المعركة وصل البريد من المدينة يحمله محمية بن زنيم، ص 564 فأخبر خالداً بوفاة أبي بكر وأن عمر بن الخطاب قد أصبح خليفة وفضَّ القائد خالد البريد وإذا به أمر من الخليفة بأن يتولى أبا عبيدة عامر بن الجراح قيادة الجيوش الإسلامية.. فقال خالد للبريد على مسمع من الناس: "أحسنت" وأسرها خالدٌ في نفسه حتى تنتهي المعركة.. وحتى لا يصاب الناس بالضعف والوهن.
 استمرت المعركة خمسة أيام وانتهت في اليوم الخامس بهزيمة الروم.
 اليوم السادس هو يوم النصر ولكن الناس – مع غروب شمس هذا اليوم - افتقدوا قائدهم خالد بن الوليد، ثم عرفوا أنه سار وراء قائد الروم (ماهان) الذي تمكن من الهروب وعند المساء لحقه أحد أصحاب خالد فقتله.
 عاد خالد إلى معسكر المسلمين وإلى مقر قيادته في مساء اليوم.
 لما وصل خبر هزيمة الروم إلى هرقل وهو بحمص ارتحل مسرعاً إلى القسطنطينية.


وتحقق النصر

 وقف خالد بن الوليد في الناس خطيباً وقال:
"الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحبَّ إلي من عمر، والحمد لله الذي ولىَّ عمرٍ وكان أبغض إليَّ من أبي بكر، وألزمني حبَّه".
وهكذا نعى القائد إلى المسلمين خليفتهم أبابكر.. وأعلن ولاءه والتزام حبه وطاعته للخليفة الجديد عمر بن الخطاب.
وفي هذه اللحظة العظيمة أعلن القائد الذي يعمل لنصرة الإسلام ولاءه للحكم الجديد وللقائد العسكري الجديد وللخليفة عمر بن الخطاب وانخرط في الجيش جندياً مقاتلاً تحت إمرة أبي عبيدة ص 566-567.
 قاتل نساء المسلمين في معركة اليرموك فقتلن عدداً كبير من جنود الروم. وشجَّعن من رأينه شبه منهزم من المسلمين وعادوا إلى المعركة.
 استشهد من المسلمين ثلاثة آلاف ويزيدون. وقتل من الروم أكثر من سبعين ألفاً.
 كان في المسلمين مائة من أهل بدر رضي الله عنهم.
 تولى أبو عبيدة قيادة الجيوش وأرسل الغنائم إلى المدينة.

ولعلي بهذه العجالة أكون قد سلطت الأضواء على معركة النصر، معركة النور، معركة الإنطلاق الجديد، معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد.

 

 

   

رد مع اقتباس