أعيد اسم
" ليلة القدر "
الذي سبق قريبا في قوله
" في ليلة القدر "
على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضى الظاهر الإضمار ،
فقصد الاهتمام بتعيينها .
لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
( القدر : 3 ) .
يقول الإمام السعدي رحمه الله تعالى :
( وهذا مما تتحير فيه الألباب ،
وتندهش له العقول حيث من تعالى على هذه الأمة ،
بليلة يكون العمل فيها يقابل ،
ويزيد على ألف شهر ، عمر رجل معمر عمرا طويلا ،
نيفا وثمانين سنة ) . اهـ .
ولعل هذه الحيرة تذهب وتنجلي عندما يتذكر الإنسان
أنه إنما يتعامل مع الله الذي له الملك المطلق ،
والفضل الذي لا ينقضي ،
وقد قال سبحانه في الحديث القدسي :
" يا عبادي لو أن أولكم ، وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ،
قاموا في صعيد واحد فسألوني ،
فأعطيت كل واحد مسألته ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا ،
إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر "
أخرجه مسلم .
ويقول الإمام ابن عاشور عن ليلة القدر :
( وتفضيلها بالخير على ألف شهر ،
إنما هو بتضعيف فضل ما يحصل فيها من الأعمال الصالحة
واستجابة الدعاء ، ووفرة ثواب الصدقات والبركة للأمة فيها ،
لأن تفاضل الأيام لا يكون بمقادير أزمنتها ولا بما يحدث فيها
من حر أو برد أو مطر ، ولا بطولها ، وقصرها ،
فإن تلك الأحوال غير معتد بها عند الله تعالى ،
ولكن الله يعبأ بما يحصل من الصلاح للناس أفراد وجماعات ،
وما يعين على الحق ونشر الدين .. ) .
تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
( القدر : 4 ) .
صيغة " تنزل "
على وزن " تفعل " تدل على المبالغة
وكثرة نزول الملائكة في تلك الليلة .
والتعبير بالفعل المضارع هنا مؤذن بأن هذا التنزل متكرر
في المستقبل بعد نزول هذه السورة .
المراد ب " الروح " في الآية
جبريل عليه السلام كما قال تعالى :
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ
( الشعراء : 193-194 )
وهذا من باب عطف الخاص على العام ،
وهو دال على أفضلية جبريل عليه السلام
على سائر الملائكة عليهم السلام .
وربما جاء السياق بعكس ذلك أي عطف العام على الخاص
كما في قوله تعالى
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفاًّ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ
( النبأ : 38 ) .