عرض مشاركة واحدة
قديم 02-14-2012, 08:37 AM   رقم المشاركة : 27

 

الحلقة الرابعة عشـــــرة (14 )


زرعة أصيبت بالمرض الخبيث ولم يبق لها سوى ولدها الجندي في الجيش وابنتها ليلى التي تقيم مع زوجها في منطقة بعيدة ...وإن كانت تعتادها في أوقات متباعدة .
حين شعرت بالموت يقترب منها رويداّ ...رويداّ ، عادت تفتح دفاتر أعمالها السوداء ولات حين مندم .....مافعلته في شبابها من خطايا ...مافعلت بزوجها ...ومافعلت بالطفل الصغير البريء وأمه المسكينة .....لكن هل من طريقة لإصلاح ما أفسدته ؟
وجاءت ليلى لزيارة أمها بعد أسابيع ..فهالها رؤية حالة الإنهيار التي أصبحت عليها .....ولم تتردد في الإفصاح عن كل شيء لابنتها التى فغرت فمها دهشة مماتسمعه ...!!
يعني أن محمد ليس أخاها بل هو ابن خطيئة .....وفيصل لم يمت ...بل أضيع عمداّ في جدة ....يا الله مغفرتك ....وكيف ستصلحين الأمور الآن بعد ربع قرن من الزمن ..؟؟
قالت زرعة ...سأبحث عن حليمة وأخبرها بالحقيقة ...وأرجو الله أن تسامحن على مافعلت بها وبولدها ....وسأدعو ربي أن يتقبل توبتي فيمافعلت من خطايا .
هزت ليلى رأسها بيأس وهي تقول ...وأين ستجدين حليمة ؟
هل تعرفين في أي أرض هي ؟ وهل تعرفين أين تقيم الآن ....قطعا لا ..فكيف ستبحثين ...؟؟
إبنها الآخر ....لازال نزيل السجن ...وبقي وقت طويل قبل خروجه .....ولو كان قريبا فربما ساعدها على البحث ....وخطرت ببال ليلى فكرة غريبة ...قالت تعرفين يا أمي أنّ أم فيصل تعرف بيتنا السابق في أبها ...فلم لاتعودين هناك ...فربما جاءت مرة اخرى ....من يدري ....هذا إن كانت على قيد الحياة ...وباقية في أبها .....ولا أرى حلا أفضل من ذلك ...وأعجبت زرعة فكرة ليلى ....فاتصلت بابنها في مقر عمله ..وطلبت منه الحضور في أقرب فرصة .
وبعد أيام وصل ابنها علي ....الذي كاد أن يغمى عليه حين سمع اعترافات أمه البشعة ....وطرحت عليه فكرة ليلى ...فكان جوابه ...ومالفائدة الآن ؟
هل ستقتلينها مرة أخرى .....فقد فعلت حين كذبت عليها وأخبرتيها بموت طفلها .....والآن ستخبرينها أنه لم يمت ...لكنه مفقود ولا أحد يعرف شيئا عنه .....ربما كان خبر موته أهون من معرفة أنه حي مفقود .....اتقي الله يا أمي .
فعارضته ...وقالت كل ما أريده السماح منها ....ولا شيء غير ذلك ....وبدأت في تجهيز نفسها للعودة غلى ابها ....فوافقها علي مرغما .
وعادت لبيتها ...القديم ....فجئن نسوة الحي لزيارتها والترحيب بعودتها وأخبرتهن بمرضها فدعين الله لها بالشفاء ....وبدأت تستدرجهن لتعرف منهن هل عادت تلك المرأة تسأل عنا ...وتقصد أم فيصل ...وهن لا يعرفن مغزى سؤالها ....فقالت إحداهن ..نعم لقد عادت بعدة انتقالكم لمرات عديدة ...ثم انقطعت فجأة ولم نعد نراها ....وهي كما نذكر كانت تبيع البخور والكحل وبعض العطور في البيوت ...ثم اختفت ولم يرها أحد بعدها .
وسألت زرعة نفسها ...ياترى هل ستعود حليمة للبحث عنا بعد هذا الوقت الطويل جدا ؟!!!.
حليمة بعد وفاة صديقتها .....خالط حياتها حزن شديد ....وشعرت بأنها أصبحت كورقة شجر تطوّح بها الرياح يمنة ويسرة ، ولا حيلة لها في الأمر ...
ولأنها مؤمنة بقضاء الله ....فقد رضيت بالأمر الواقع ...وعادت لحياتها الروتينية ....السوق ....والبيت ....وربما زيارة قصيرة لجارة من جاراتها
....تسلي نفسها بالحديث معهن ..قطعا للوقت وطرداّ للملل والحزن .
بالطبع حليمة منذ زمن بعيد قد يئست من عودة أصحاب البيت ...فلم يعد يخطر ببالها المرور حوله ..
.ثم أنها كبرت في السن وأوهنها مرض المفاصل ... وبالكاد تستطيع الذهاب والعودة إلى السوق ...والبلد أصبحت مزدحمة ولم تعد تلك المدينة الصغيرة البسيطة .
لكنها رغم كل ذلك ....ورغم كل اليأس الذي غشي قلبها وروحها ...لازالت متأكدة بأن ابنها لم يمت ....لكن اين هو ؟؟؟ العلم عند الله فقط .
وفيصل هناك في أمريكا ....صدق حكاية موت أمه منذ زمن بعيد .....بالرغم من أنه لايزال يتذكر كل تفاصيل الأيام القصيرة من عمره الذي قضاه بين أحضانها
....ولم يخطر بباله أن كل ماحدث ليس أكثر من تمثيلية سخيفة ...بطلاها الحقد ...والكراهية .
هاهو الآن في يقترب من عامه الثلاثين ...حقق كل طموحه العلمي ....وينتظر الآن وصول خطاب مكتب أرامكو الذي سيكون نقطة القرار الفاصل ...هل يبقى هناك ..أم يعود لعمله .
وبعد أيام وصل الخطاب المنتظر .....لكنه لم يحمل أي تفاصيل ...فقط عليك الحضور إلى مكتب أرامكو لمناقشة الأمر .....
وعرف فيصل أن الموضوع ليس بالبساطة التي كان يعتقدها ....لكنه رغم ذلك حجز على أقرب رحلة إلى واشنطون العاصمة ...وتوجه إلى مكتب أرامكو ...والتقى بالمسؤولين هناك ...الذين عاتبوه على هذا التفكير ...يافيصل ...أرامكو منحتك الرعاية منذ أن كنت نزيل دار الأيتام ...ثم دعمتك حتى حصلت على أعلى الشهادات ....والآن ترغب في البقاء هنا ؟
تردد فيصل قبل أن يشرح لهم أن هدفه من البقاء هو مواصلة أبحاثه ...وما أن ينتهي منها حتى يعود إلى أرامكو ....وأخبرهم بعرض مصنع ديترويت ...والعرض الذي قدمته الجامعة للبقاء فيها ....واستطاع فيصل إقناعهم بفكرته ....لكن ثمنها سيكون دفع كل المبالغ التي صرفتها أرامكو عليه منذ عامه الأول في جامعة البترول والمعادن .....وناولوه قائمة بالمبالغ التي تجاوزت مليون ونصف دولار أمريكي ..!!
صدم فيصل عند رؤية هذا المبلغ المهول ...ولم يتوقع أن يكون الثمن غاليا ...وودع الجميع ...مخبراّ إياهم أنه سيقوم بإعادة التفكير مرة اخرى .
عاد إلى هيوستون ...وكان أول مافعله هو الإتصال بكارولين ...وشرح لها الأمر ....وحجم المبلغ المطلوب ....
ثم اتصل أيضا بمدير الجامعة ...وأبلغه الخبر ....وعاد للتفكير مرة أخرى ....فالظاهر أن ليس هناك أفضل من العودة إلى بلده .....
على الأقل حتى ينهي فترة الخدمة المطلوبة مقابل مصاريف دراسته وهي تعادل عشر سنوات كاملة .
لكن هناك أمراً آخر .....كارولين ....فيصل يشعر أنه لن يستطيع الإبتعاد عنها ....فذاك فوق طاقته ....وهي الوحيدة في كل العالم
التي لايمضي يوما من حياته دون أن يسمع صوتها .....ويشنف أذنيه بضحكاتها الجميلة .
ولم يستغرق كثيرا في التفكير حتى رن الهاتف .....وكان والد كارولين ....مستفسراّ عماينوي فيصل فعله ....وضحك كثيراّ حين سمع من فيصل بضخامة المبلغ .....وقال له ....فيصل هذا مبلغ تافه .....وسيكون بمقدورك الإنتهاء منه خلال عام واحد إذا قبلت عرضي السابق ....وإذا أردت فسوف أحضر لمقابلتك هذا الأسبوع
ومعي محامي المصنع والعقود القانونية اللازمة .....وفكر فيصل قليلا ثم طلب مهلة للرد .
بعد تفكير عميق ....تخلله عدة اتصالات مشجعة من كارولين ....اتخذ فيصل قراراّ بالبقاء والدخول شريكا في المصنع ....
.ولم يتردد في قبول عرض الجامعة أيضا ....بعد أن أكدوا له قانونية دخوله شريكا في المصنع ...بالإضافة إلى عمله كباحث مستقل لدى مركز أبحاث الهندسة في الجامعة .
وخلال أسبوع واحد كان فيصل شريكا بنسبة ثلاثين في المائة في المصنع ....وباحثاّ غير متفرغ لدى الجامعة .....وكان أسبوع فرحة عارمة لكارولين ...أكثر من أي شخص آخر .
وتم دفع المبالغ المطلوبة إلى مكتب أرامكو والحصول على إخلاء طرف كامل من اي إلتزامات ماليه مع الشركة .
وحسب ظروف عمله فقد انتقل فيصل إلى ديترويت ...وباشر عمله في المصنع ....بكل همة ونشاط .....لكن هناك أمر آخر يريد فيصل أن يتخذ قرارا حاسما بشأنه ....كارولين .


الله يحبكــــ(ن)ـــم

 

 

   

رد مع اقتباس