عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2008, 03:49 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو نشط
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ليالي الباحة is on a distinguished road


 

طبيعي أن يتذكر بنو إسرائيل فــي التيه قضاياهم السالفة، وان يتذكّروا قصّة مؤمن آل فرعون، فد كان ابن عمّ فرعون ويسمّى (حزقيل) مؤمناً، وكان يكتم إيمانه، وقد جعله فرعون وليّ عهده، لكنّه آمن بموسى لمّا رأى صدقه ومعجزاته.
وذات مرّة وشي به إلى فرعون أنّه قد آمن بالله، فأرسل فرعون رجلين في طلبه، فرأياه في الجبال يصلّي، فجاءا واختلفا هل يخبران فرعون بخبره أم لا؟ أما أحدهما فقال: لن أخبر فرعون وأمّا الآخر فقد أخبره بما رآه، فغضب فرعون أشد الغضب، وقال: لئن كان هذا صادقاً لأعذّبنّ حزقيل عذاباً شديداً.
وعرف (حزقيل) بالأمر، واستعاذ بالله من شر (فرعون) ثم جاء إلى القصر، وهو وجل خائف.. فلمّا استقرّ به المجلس، قال له فرعون: أتنكر ربوبيّتي، وتصلّي لإله غيري؟ قال حزقيل: ومن قال لك ذلك؟ قال فرعون هذا الرجل. قال حزقيل ـ وقد وجد مفرّا من المأزق الحرج ـ :
أيها الملك اسأل هذين الرجلين اللذين وشي أحدهما بي: من ربّهما، وخالقهما، ورازقهما، فسألهما فرعون عن ذلك؟ قالا: ربنا وخالقنا ورازقنا هو أنت أيها الملك.
قال حزقيل: فاشهد أيها الملك، واشهدوا أيها الحاضرون: أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، وليس لي غيره خالقاً ورازقاً وربّاً.. وقد قصد بذلك الواقع، فإن خالق الرجلين وخالق حزقيل هو (الله).
لكن فرعون زعم أن حزقيل يقصد (فرعون) فكفّ عنه وأكرمه، وجعله في محل اطمئنانه واستشارته. أما الرجلان، فأحدهما وهو الذي وشى بـحزقيل فقد لاقى جزاءه من فرعون بالصلب، لأن فرعون ظنّ انه كاذباً في وشايته ضد حزقيل وأما الذي كتم صلاة حزقيل فإنه نجا ولم يمس بسوء، ثم آمن هو كما آمن حزقيل وحَسُن إيمانه.
* * *
أما بنو إسرائيل في البريّة، فقد تابوا وأنابوا لما بدر منهم في مخالفة أمر الله سبحانه الذي أمرهم بدخول الأرض المقدسة. فقد سبق أمر الله سبحانه، لعقوبتهم على المخالفة، بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، وقد كان تيههم في فراسخ معدودة، فإذا أمسوا أخذوا يتحرّكون، ثم إذا أصبحوا رأوا أنّهم في مكانهم الأوّل، وهكذا إذا ساروا صباحاً، وجدوا أنفسهم في الليل في نفس المكان.
وعزم جماعة منهم على الرحيل والرجوع إلى مصر، لكن أنى لهم ذلك، وقد كان المقدّر أن يتيهوا في نفس تلك الأرض. واشتكوا إلى موسى ما يلاقونه في تلك البرية من حر الشمس نهاراً، وبرد الليل والجوع والعطش، فدعا الله موسى (عليه السلام)، فأرسل الله سبحانه قطعة من السحاب كانت تظللهم كل يوم وتقيهم من حر الشمس. كما أن (المنّ) وهو شيء يشبه (الترنجبين) و(السلوى) وهو طير (السّماني) كانا يأتيانهم لأكلهم.
وكان مع موسى حجرٌ يضعه وسط العسكر، فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، لكل سبطٍ من الأسباط نهرٌ خاص به، ليشرب منه الماء ويقضي به حوائجه.
وكانت عصى موسى بالليالي المظلمة تشع لهم، كالمصباح القوي، فيرون الأشياء في نورها.
(وظلّلنا) يا بني إسرائيل (عليكم الغمام) السحاب ليقيكم من حر الشمس، و(أنزلنا عليكم المن والسلوى) لأكلكم ولقنا لكم: (كلوا من طيبات ما رزقناكم)، (وإذا استسقى) طلب الماء (موسى لقومه) (فقلنا اضرب بعصاك الحجر) فضرب موسى (عليه السلام) الحجر (فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس) من الأسباط الاثني عشر (مشربهم) وقلنا لهم: (كلوا واشربوا من رزق الله).
* * *
بقي بنو إســرائيل في التيه، أكلهم واحد: (المنّ والسلوى) ولهم ظلّ واحدٌ (الغمام) ولهم ماء واحد هو ما يتفجّر من (الصخرة).
أمّا ماذا كان لباسهم؟ وهل كانت لهم خيامٌ؟ وكيف كان يربّون أولادهم؟ وهل كانوا يقضون الأيام والليالي بالبطالة أو العمل؟ وغير ذلك من الأسئلة، فلا نعلم عنها شيئاً ملموساً لكن من الطبيعي أن يتضجّروا ويملّوا هذه الحياة البدائية الرّتيبة، التي لم تدم يوماً ولا شهراً ولا سنةً وإنما استمرّت أربعين عاماً.
ولعلّ إبقاءهم في التّيه لم يكن صرف عقوبةٍ على عدم إطاعتهم في دخول الأرض المقدسة، بل كان وراء ذلك إرادة تأديبهم ونضجهم، ليصلحوا أن يكونوا حملة رسالة موسى إلى الأمم الآتية، فإن حملة الرسالة لابد لهم من عقل ونضج، لا يتوفران للشخص بسرعة، وإنّما بطول المحنة والتجارب والشدائد.
وكيفما كان الأمر.. فقد ملّ بنو إسرائيل في التيه الطّعام الواحد، فقالوا: (يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع) واطلب (لنا) من (ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها) الخيار (وفومها) الثوم (وعدسها وبصلها) ولعل هذه المذكورات من باب المثال، بأن طلبوا زرع الأرض على عادتهم حين كانوا في مصر.
(قال) موسى في جوابهم: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)؟ أي أتريدون أن ينقطع عنكم الطير والحلوى الميسوران بلا صعوبة، وتقعون في صعوبة الزرع وما يتبعه؟ لكنهم أصرّوا على وجهة نظرهم.. فقال لهم: (اهبطوا مصراً) من هذه الأمصار التي هي قبل الأرض المقدسة، فإن في أطراف التيه كانت قرى، وكان يتوفر فيها الغذاء وما طلبوه، (فإن لكم ما سألتم) من البقل والقثّاء وغيرهما.
فجعل بنو إسرائيل يرتادون القرى، ويحصلون منها على ما يشتهون من الأطعمة.

* * *

 

 
























التوقيع

يقول الثوري :

ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول

( لا إله إلا الله )

   

رد مع اقتباس