عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2008, 03:56 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو نشط
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ليالي الباحة is on a distinguished road


 

لم يكن الذين نزلوا التّيه، مع موسى بن عمران (عليه السلام)، قابلين للسيادة والرئاسة، وإدارة شؤون أنفسهم، فإنهم لطول ما استعبدوا في مصر، اعتادوا الذلّة والخنوع، والجبن والإحجام. ولذا لمّا سمح لهم بدخول الأرض المقدسة، خافوا العمالقة، و(قالوا اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون). فإن الإنسان إذا اعتاد على شيء، وتكرّر ذلك الشيء في نفسه، صار ملكةً عنده، لا يزول عنه بسرعة، وهؤلاء اعتادوا أن يكون لهم سيد يسودهم، واعتادوا الخوف والجبن، فلم يصلحوا للسيادة ولم يكونوا شجعاناً.
ولذا كانت مدة مكوثهم في التيه، كفيلةً بانقلابهم ـ بسبب موت الآباء، وخلافة الأبناء ـ فتتحوّل طباعهم بحيث يليقون للسيادة، وتكون فيهم عزيمة الغزو والفتح، وبقوا هناك هذه المدة الطويلة، يرتادون القرى والأرياف حتى مات أكثرهم وجاء مكانهم شعبٌ قويٌ، فيه الجرأة والإقدام، وروح العلوّ والسيادة.
وعندئذ صلحوا لدخول الأرض المقدسة، وأخذوا زمام الأمور بأيديهم.
ومن غريب الأمر أنّ موسى (عليه السلام) وأخاه هارون (عليه السلام) ماتا في ذلك التيه فلم يريا دخول بني إسرائيل الأرض، فيا لحسرة الخلف أن لا يرى القائد معه؟
ثم إن بني إسرائيل عندما كانوا في مصر كانوا تحت نظام فرعون وحكمه، لكنهم لما خرجوا من مصر وسكنوا التيه، كان لابد لهم من نظام ينظم دنياهم، ويكون لهم بمنزلة القانون ونظام آخر لتنظيم أمور دينهم، ويكون لهم الشريعة. ولذا أخذوا يطالبون موسى (عليه السلام) بهذين النظامين.
وحيث إن مثل هذه الأنظمة في شرائع السماء، لابد وان تكون من عند الله تعالى، لأن شرائع الله لا تعترف بالأنظمة الأرضية المحدودة بأفكار الناس.. صار من المقرّر أن يأتي نظام العبادة، ونظام الإدارة من السماء. ولذا رأت صحراء التيه ولادة هذا النظام السماوي المسمّى بـ(التوراة).
* * *
لقد وقع في (التيه) لقوم موسى عدة قضايا مهمة:
منها قصّة (عبادة العجل) فقد وعد موسى قومه أن يأتيهم بكتابٍ فيه نظم أمور دينهم وأمور دنياهم، حسب ما وعده الله سبحانه، فلمّا كانوا في (التيه) طلبوا من موسى إنجاز الوعد.
وقد وعد الله موسى (عليه السلام) أن يأتي إلى الطور، لمدّة ثلاثين يوماً، حتى يعطيه التوراة ولم يكن الوعد أن التوراة تعطى في نهاية ثلاثين يوماً، وإنما كان إعطاء التوراة بعد الموعد ـ في الجملة ـ .
فأخبر موسى بني إسرائيل أنه ذاهب إلى (جبل طور) لتلقّي (التوراة) كما أخبرهم: على أن يبقى ثلاثين يوماً هناك، ولم يخبرهم أنه يأتي مباشرة بعد الثلاثين.
ثم خلّف موسى فيهم أخاه (هارون) (عليه السلام)، وذهب إلى (الميقات). بقي موسى في جبل (طور) (ثلاثين يوماً).
لكن إرادة الله شاءت امتحان (بني إسرائيل) ولذا لم ينزل التوراة في نهاية الثلاثين، وإنما أتمّ الثلاثين بعشرة أخرى، حتى صارت أربعين يوماً.. ثم أعطى (التوراة) في (ألواح) لموسى (عليه السلام).
أما بنو إسرائيل، فإنهم ما كانوا يطيعون هارون لخبثهم، وقد كان هارون (عليه السلام) لين العريكة، يخشى كفرهم وانقلابهم إن شدّد عليهم الأمر.
وهكذا أخذ بنو إسرائيل يجمعون أنفسهم في اجتماعات، للانقلاب، لكنهم كانوا يخشون موسى (عليه السلام)، ولمّا تأخر رجوع موسى اغتنموها فرصة! فتجمهروا أوّلاً، لقتل هارون (عليه السلام)، حتى يخلعوا الشريعة عن أعناقهم، لكنهم لم يتمكنّوا من ذلك، بفضل بعض المخلصين.
ثم.. زاد الأمر انحرافاً، لقد جاءهم (الشيطان) في صورة رجل، وقال لهم إن موسى لم يكن نبياً، وإنما كان رجلاً كذّاباً ـ والعياذ بالله ـ وحيث إنه لا يتمكن من القيام بإدارتكم، فرّ، باسم (الميقات) ولن يرجع إليكم أبداً. فقويت عزيمة بني إسرائيل الأشرار، على أن يخلعوا الشريعة من رقابهم، وأن يرجعوا إلى عبادة غير الله، بما اعتادوا أن يروه في مصر. فقد كانت رواسب الجاهلية الأولى بَعد في نفوسهم.
(وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ولمّا أراد موسى الذهاب إلى (طور) (قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
* * *
لقد قرّر الأشرار من بني إسرائيل الذين كانوا في التيه ـ بعد غيبة موسى (عليه السلام) ـ أن يصنعوا لأنفسهم إلهاً.. وقد كان في بني إسرائيل رجلٌ من الأخيار اسمه (السّامري) وكان قد رأى يوم خروج بني إسرائيل من مصر ـ عبر البحر ـ جبريل (عليه السلام) راكباً على (رمكة) فكان فرس جبريل كلّما وضع رجله على موضع، تحرّك ذلك الموضع، كأنه شيء حيّ، فاتّخذ (السامري) ذلك اليوم قسماً من تراب حافر فرس جبريل وادّخره لنفسه.
ثمّ.. إن السامري، التفّ حوله القوم، طالبين منه أن يصنع لهم (صنماً) يعبدونه، فقال السامري: علي بالذّهب الذي معكم من الحلي والحلل، فجاءوا إليه بما كان عندهم من الذهب، فأذابه وصنع منه صورة (عجل)، وألقى ذلك التراب في جوفه، فأخذ العجل يخور من أثر تحرّك التراب في جوفه.
وقال لهم: (هذا إلهكم) يا معاشر بني إسرائيل..
وهؤلاء قد علموا فذلكة السامري، لأنهم كانوا رأوا التراب وحركته من قبل، إذ كان السامري يفتخر عليهم بذلك التراب.. لكنهم كانوا يريدون التخلص من الشريعة، وعبادة الله سبحانه، فاتخذوا العجل إلهاً.
سجد سبعون ألف شخص من أولئك الذين كانوا في التيه (للعجل)، وكلما نصحهم (هارون) والخيار من أصحاب موسى (عليه السلام)، لم ينفع فيهم النصح.
وحيث كان موسى (عليه السلام) في الجبل، أوحى إليه الله تعالى بقصّة (السامري) و(العجل) (قال) الله (فإنّا فتنّا) وامتحنّا (قومك من بعدك وأظلّهم السامري) ولمّا انتهى أمد الطور وأخذ موسى الألواح (رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)؟ كما رأيتم من خلاصكم من فرعون، وإعطائكم الكتاب (أفطال عليكم العهد)؟ حتى عبدتم العجل (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) في بقائكم على الشريعة وإطاعتكم لهارون؟
لكن هل يكون لهم عذرٌ معقول أمام موسى، وما اقترفوه من الإجرام؟
* * *

 

 
























التوقيع

يقول الثوري :

ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول

( لا إله إلا الله )

   

رد مع اقتباس