عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2008, 03:58 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو نشط
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ليالي الباحة is on a distinguished road


 

لم يكن لبني إسرائيل الذين عبدوا العجل، في غياب موسى (عليه السلام)، عذر مشروع، ولذا أخذوا يعتذرون بهذا العذر التّافه (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) ونحن نملك أمرنا، حتى نتمكّن أن نفعل أو ندع (ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم) فقد كان عندنا أحمال من ذهب آل فرعون ـ من مصر ـ (فقذفناها) وألقيناها في البوتقة لإذابتها (فكذلك ألقى السامري) الذهب في البوتقة، للإذابة.
(فأخرج) السامري (لهم عجلاً) صغير البقر (جسداً) فلم يكن عجلاً حقيقياً، وإنما تمثال عجلٍ مصنوع من الذهب (له خوار) أي صوتٌ من جرّاء تحرّك التراب الذي اتخذه السامري من تحت حافر فرس جبريل ووضعه في داخل العجل (فقالوا) السامري ومن آزره في صنع العجل (هذا) العجل (إلهكم) يا معاشر بني إسرائيل، كما أنه أيضاً (إله موسى فنسي أفلا يرون ألا ترجع إليهم قولاً) فإنه كيف يكون إلهاً ولا يقدر على التكلّم الذي هو أبسط مظاهر الحياة؟ وهل يكون جمادٌ عاجزٌ إلهاً؟ (ولا يملك لهم ضرّاً ولا نفعاً) فهل يملك الجماد أن يضرّ شخصاً، أو ينفع شخصاً؟
(ولقد قال لهم هارون من قبل) من قبل رجوع موسى (عليه السلام): (يا قوم إنما فتنتم به) فإنه امتحان لكم، ليتبيّن المؤمن حقيقة من المؤمن ظاهراً (وإن ربكم الرحمن) لا هذا العجل، (فاتبعوني) يا قوم (وأطيعوا أمري) في عبادة الله تعالى.
فماذا كان جواب بني إسرائيل لهارون المشفق الناصح؟ (قالوا لن نبرح عليه عاكفين) فإنا نستمر في عبادة العجل (حتى يرجع إلينا موسى) من الميقات.
هكذا كان موقف بني إسرائيل إزاء العجل.. العبادة والسجدة. وكذلك كان موقف هارون أمام بني إسرائيل.. النصح والإرشاد.. فلم يقبلوا كلامه. فلننظر إلى موقف موسى (عليه السلام) مع أخيه (هارون)؟
لقد غضب موسى على بني إسرائيل أشد الغضب، وأسف لضعف عقولهم أشد الأسف ولذا توجّه أوّلاً إلى أخيه، مظهراً استياءه من القوم على سبيل: إياك أعني واسمعي يا جارة ـ فـ(قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ألاّ تتبعن)؟ أي: لماذا لم تتبعني في النهي عن المنكر وعقاب المخالف إذ رأيت بني إسرائيل ضلّوا عن طريق الهدى؟ (أفعصيت أمري)؟ وقد كان هذا سؤال العارف.
* * *
وقد كان أخذ موسى (عليه السلام) برأس هارون ولحيته، إظهاراً لشدّة غضبه على القوم على نحو: (حرب الصّاغة).
فـ(قال) هارون: (يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) حتى يزعم القوم أنك غضبت عليّ، فإني أنكرت عملهم ـ كما تعلم ـ وإنّما لم أنزل العقوبة بهم خشية التفرقة بين كلمة بني إسرائيل، فإنه إذا عنّف الإنسان ببعض جماعته تفرّق الجمع إلى مؤيد ومخالف. فـ(إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي).
* * *
أما موقف موسى من (السامري) ومن (العجل) ومن (بني إسرائيل):
فقد توجه موسى (عليه السلام) إلى (السامري) فـ(قال فما خطبك) وقصتك (يا سامري) كيف صنعت العجل، ولماذا صنعته؟ (قال) السامري: (بصرت) ورأيت (بما لم يبصروا به) من تحرّك التراب تحت حافر فرس جبرئيل يوم غرق فرعون (فقبضت قبضة من) تراب (أثر الرسول) جبرئيل (فنبذتها) أي جعلتها في جوف العجل.. هذا ما كان من أمر العجل، وأما لماذا صنعت العجل؟ فقد (سوّلت لي نفسي) وزيّنت لي هذا العمل البشع.
عند ذاك (قال) موسى (عليه السلام) للسامري: (فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) قيل ـ في معناه ـ أنّه إذا كان يمسّه أحد، ابتلى السامري بالحمّى فوراً، فكان يقول السامري إذا اقترب من أحد: (لا مساس) أي لا تمسّني، وأخيراً هام على وجهه في البريّة، فرار من ابتلائه بالحمّى، عند اصطكاكه بالآخرين (وإن لك) يا سامريّ (موعداً لن تخلفه) فقد أخّر تعذيبك إلى الآخرة، وإنما لم يعذبه موسى (عليه السلام)، لأنه كان سخياً، فأمهله الله سبحانه، كرامة لهذه الصفة.
وبعد هذا.. وصل الدور إلى (العجل) فقد برده موسى (عليه السلام) بالمبرد، وذرّه في البحر، زيادةً في النكاية بعباده، فإنه من النكاية بالعابد لشيء إهانة معبودِه ـ ولذا تجعل آلهة الكفار حصب جهنم، كما قال سبحانه: (أنتم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم) وعلى هذا خاطب موسى (السامري) قائلاً: (وانظر إلى إلهك) أي العجل (الذي ظللت عليه عاكفاً) تعبده دون الله تعالى (لنحرقنّه) تحريقاً بالنار حتى يذوب (ثم لننسفنّه) بعد أن نحطّمه بالمبرد (في اليم) أي البحر (نسفاً) حتى لا يبقى له أثر أصلاً، فإن العجل ليس إلهاً، (إنما إلهكم) يا بني إسرائيل (الله الذي لا اله إلا هو وحده لا شريك له وسع كل شيء علماً) فإن علمه شامل لكل شيء، وليس العجل الذي لا يعلم أي شيء.
وهكذا صنع موسى (عليه السلام)، فإنه أحرق العجل، ثم حطّمه، ثم نسفه في البحر.
ومن عجيب الأمر: أن جماعةً من الذين عبدوا العجل ممن (أُشرِبوا في قلوبهم العجل) كانوا يلقون أنفسهم في البحر، ليشربوا الماء المخلوط برماد العجل.
وهكذا انتهى أمر (السامري) بالخسران والخيبة والعذاب، وانتهى أمر (العجل) بالحرق والنسف في اليم.
* * *
أما القوم الذين عبدوا العجل.. فقد قرّر الله لهم توبةً فريدةً في نوعها، وهي أن يشهر الجميع ـ العابد للعجل، والساكت عليه ـ سيوفهم، بعضهم على بعض، وهكذا يقتل البعض البعض الآخر حتى يأمرهم موسى بالكفّ عن ذلك، فـ(قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) إلهاً (فتوبوا إلى بارئكم) خالقكم، أي الله سبحانه (فاقتلوا أنفسكم) ليقبل توبتكم بهذا السبب (ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم) لأنه ينجّيكم من العذاب الأبد.
وحيث أنكم فعلتم ما أمرتم (تاب) الله (عليكم إنه هو التواب الرحيم).
فقد وقف بنو إسرائيل صفّين طويلين، شاهرين السيوف، وغشيتهم ظلمة، حتى لا يرى القاتل المقتول فيرق له، وأخذ يقتل بعضهم بعضاً، وموسى وهارون عليهما السلام وقفاً يتضرّعان إلى الله سبحانه، في رفع هذا الحكم، وإنزال التوبة.
حتى ارتفعت الظلمة، ونزلت التوبة، وسرّ الجميع، وبعد ما أحصوا القتلى، انكشف الأمر عن سبعين ألف قتيل!!
يا لدهشة الأمر؟ لعظم الهول؟! لا تكون التوبة إلا هكذا، ولا تنجلي المعركة، إلا بسبعين ألف قتيل؟ ومن القاتل؟ ومن المقتول؟ أبناء وآباء وأقرباء، وإخوان!! كيف كان هذا الحكم! وكيف رضيت نفوس بني إسرائيل بتوبة كهذه.
الأصح أن نقول: العلم عند الله.
لكن من المظنون أن الله سبحانه، قدّر رؤوس الفساد بهذه الكيفية، فإنّ في كل أمة جماعةً لا يزالون يعبثون بمقدّرات الأمة، وينشرون الفساد والضلال، ولا نجاة للأمة في حاضر أمرها، ولا للأجيال الآتية في المستقبل، إلا بالتخلّص من مؤامرات هؤلاء وإفسادهم، أليس من الأحسن أن يقتل سبعون ألفاً لنجاة ملايين من البشر؟
إن من يرى اعتداء (اليهود) على بلاد الإسلام، وغير بلاد الإسلام، ـ هذا اليوم ـ يعرف كيف أن هذا الحكم كان عادلاً! إن اليهود بعد مرور هذه الحقبة الطويلة من الزمن، وتحضرهم، لا يرعوون عن كل فساد وإفساد، وإن كان فيه هلاك العالم، فكيف بذلك اليوم؟ وهم بعد في أول السير نحو الحضارة والمدنية.. وقد كان سبحانه يعلم من يقتل في ذلك اليوم، فلم ينل السيف إلا المستحق.
وكيف كان.. إقدام القاتلين على قتل أقربائهم توبة لهم، كما كان موت المقتولين أيضاً توبةً لهم ـ من غير فرق بين العابد للعجل والساكت عن المنكر، قاتلاً ومقتولاً، فكلّهم كانوا شركاء في الجريمة ـ.
ولكن هل تنتهي عند هذا الحد قصّة بني إسرائيل؟
كلا! إن لهم قصة طويلة، ذات فروع، وكما لا تنتهي القصّة عند هذا الحد، كذلك لا ينتهي تمردهم وعتوّهم عند عبادة العجل، والتوبة على يد موسى.. فإن من جبل على الشر وإن تاب ألف مرة، لا ينتهي غيّه، وبنو إسرائيل وإن كانوا مفضّلين على عالمي زمانهم من جهة، لكنّهم من جهة أخرى كانوا أكثر الأمم شرّاً وفساداً، وكانت فيهم قطاعات كبيرةٌ من أهل الشرّ والفساد، وكيف جمعت فيهم فئة كبيرة من الصالحين حتى يستحقّوا أن يقال عنهم: (فضّلتكم على العالمين) وفئة كبيرة من الأشرار، حتى يستحقوا أن يقال عنهم: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)! فذلك مما لا يعلمه إلا الله سبحانه.
\ للأمانة منقول \

 

 
























التوقيع

يقول الثوري :

ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول

( لا إله إلا الله )

   

رد مع اقتباس