الموضوع: حالات
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-24-2010, 03:06 AM   رقم المشاركة : 1
حالات


 



من السهل علينا أن نصف العديد من الحالات التي نلتقيها
في حياتنا .... ولكنّ هذا الوصف لكي يكون دقيقاً فلابد أن
نقوم بسرد الوقائع وتشخيص الداء وتبيان آثاره الضّارة
ثم نوجد الحلول التي نراها مناسبة له .
بالتأكيد فأيّ حالة نتعاطاها بالنقاش والتحليل تحتاج إلى صفحات
وكم هائل من الجمل والمفردات .
ولو سألنا شخص عن هوية من يستطيع أن يصف تلك الحالات بجملة
لاتتخطى سطراً وبمفردات رشيقة وشيقة لشكك فيما نطلبه وربما
نعتنا بالمتنطعين ومحاولي تعقيد الأمور .

ولكنّ مبدعاً في قامة الشاعر أبوالطيب المتنبي يستطيع ذلك
وأكثر ...... أبوالطيب في إحدى القصائد التي مدح فيها بدر بن عمّار
قدم لنا ملحمة تجبرنا على التوقف وسأستشهد فقط بعدة أبيات من تلك
القصيدة التي بلغت 46 بيتاً سأقف عند 4 أبيات منها فقط رغم أنّ جميع
الأبيات تقتضي التوقف حيالها ... لكنني سأضرب أمثلة فقط
الأبيات هي - أول بيت - الأخير - وبيتين من منتصف القصيدة ولكم الحكم


أول بيت :
بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ ارْتِحالا
وحُسْنَ الصّبرِ زَمّوا لا الجِمالا


هو يصف بأنّ مشيئة الرحيل لبقائه
وأنّ إرتحالهم أضعف وادنى من بقائه الذي يخلّد
لأنهم إن رحلوا فقد يعودن عكس مشيئته بالبقاء
بل أنّ مسير صبره وحسنه أعظم من مسير الجمال
فأيّ فخر هذا وأيّ بلاغة تلك ؟!!



بيت آخر :

على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي
أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً


قبل هذا البيت أبيات توضح أنّ المتنبي ألف الرحيل الدائم
حتى أن بعيره كان وطنه لكثرة سفره ... ولكنّه هنا يوضح
سبب قلقه .... قدر المبدع عدم الثبات فهو من شدة قلقه
كأنّ الريح تحته تعبث به وتشاغبه فمرة تقوده لليمين وأخرى
للشمال وهي كناية عن عدم الإستقرار وبشكل مبدع أيضاً

بيت ثالث :

ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا


وفي هذا البيت يصف المتشبهين بالشعراء وكارهيه والناقمين عليه
ولكنّه يصفهم بهيئة المبدع الواثق من نفسه ومن قدراته فيقول أنّ
السبب مرضهم وتفاهتهم وشبّه أفوههم بفم المريض الذي يجد به
مرارة بسبب المرض حتى انّ الماء العذب يصبح طعمه مراً في فيه ؟!!

آخر يبت :

وأعجبُ منكَ كيفَ قدَرْتَ تنشا
وقد أُعطِيتَ في المَهدِ الكَمالا


وهو يختم بهذا البيت الذي سيجعل الممدوح في قمة الزهو والفخر
وهذا شأن أبوالطيب الذ ييجيد إغلاق قصيدة أو مايسمى بالقفله
فهو يعني أنّك أعطيت الكمال وأنت في المهد ومع ذلك إزددت كمالاً
في الكبر فأنّى وكيف لك هذا ... طبعاً لم يخرجه عن إطار البشر ولكنّه
يصفه بأنّه من المميزين والنوادر في هذه الدنيا .

هذه الأبيات وسواها نستخدمها بشكل دائم ونضرب بها الأمثال
وربما أدّى إستشهادنا بأحدها لوصف حالة لفهم سريع من قبل
المتلقي وهذا هو الإبداع بعينه .. رحم الله أباالطيب وغفر له .



 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس