عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-2010, 01:17 AM   رقم المشاركة : 1
الحوار في شعر البردوني


 

.

*****

(منقول من صحيفة 26سبتمبر)

الحوار في شعر البردوني
بقلم: أ.د. صبري مسلم

ما أن يذكر الحوار بوصفه تقنية فنية حتى يتبادر الى أذهاننا فن المسرح بجذوره العميقة وتقاليده الاصيلة وربما بدا الحوار أقرب الى الفن القصصي قياسياً بالفن الشعري بيد ان النص الشعري يمكن ان يصهر في بواتقته اكثر من تقنية فنية تنتمي الى أجناس أدبية أخرى ومنها التقنية السردية عامة او أحد أدواتها الفنية وأعني به الحوار حيث يطوّعه الشاعر، وحسب السياق الشعري للنص- ويفيد من امكاناته وآلياته ويوجهه الوجهة التي من شأنها ان تنعكس على معمار القصيدة وتهبها القدرة على التشويق والنفاذ الى قلب المتلقي وفكره.

وفي ديوان عبدالله البردوني يتخذ الحوار هيئتين اثنتين إحداهما انه يبدو جزءاً من بنية قصصية يعيها الشاعر وينتقيها بمعنى ان القصيدة تبني على نواة سردية فهي قصة شعرية كما عبر د جلال الخياط أو قصيدة قصصية كما يصفها د- عزالدين اسماعيل، ويكون الحوارحديث شخصيا تها وفي سياق حدث ما تنتظم القصيدة فى حين ان الهيئة الاخرى هى ان يكون الحوار مهيمناً بحيث يتخذ طابعاً خطابياً مباشراً ولا سيما فى قصائد المناسبات وبعض القصائد ذات الطابع السياسي. وتميل هذه الدراسة الى النمط الحواري الأول بوصفه جزءاً من بنية التماهي بين اكثر من جنس أدبي والافادة من هذا الجمع بين فني القصة والقصيدة فى آن واحد. ولا بأس ان اشير هنا الى اني اقترحت عنوان رسالة ما جستير «عناصر القصة في شعر البردوني» هنا بجامعة ذمار تقوم باعدادها احدى طالبات الماجستير والرسالة قيد الانجاز، وقد لمست اهتماماً بعناصر القصة في اطار البنية الشعرية للبردوني في هذا المهرجان في قصيدة «اميرة تحت سيف العشيرة» التي ضمتها مجموعة البردوني رجعة الحكيم بن زائد ينبرى لنا الحوار عبر اجواء قصة شعرية شيقة مضمخة بعبير تفاصيل البيئة اليمنية اذ يقول الشاعر بعد ان يتقمص شخصية الانثى المغلوبة على امرها كما يشي العنوان بذلك وينفذ الى قارئه من خلال منولوجها الحزين المتمرد

هل تدري أمي أين أنا = ومن اتخذ الانثى سلعة؟
هل قلت لها تلك اخترقت = ركلت اذقان بني زمعة؟
يا أمي إن سنح المبكى = فأعيريني نصف الدمعة
فأنا من أعطت عينيها = وحشاها انضاء اللوعة
أضنت شوك الادغال الى = وادي «ذي الراس» الى «بلعة»

وهنا يستعير الشاعر دور القاض حين يترك مسافة بينه وبين قارئه وينيط ببطلته الضحية دور الافصاح عن مكنون رسالته التي شاء ان يوجهها عبر قصيدته ولم يقف الايقاع الشعري الصارم لقصيدة ذات الشطرين حائلاً دون ذلك ولم يكن ذلك كله على حساب الصياغة الشعرية القائمة على شموع الصورة الغنية المضيئة وامكانات التركيب اللغوي للاستفهام خاصة والنداء والأمر وايحاءات الجملة الاسمية والفعلية حين تأتيان في اطار البناء الشعري الرصين.
ويتكرر المحور السابق ولكن بتفاصيل وسياقات قصصية مختلفة في قصيدة «قالت الضحية» التي وردت في مجموعة البردوني في طريق الفجر حيث يخترق الشاعر وعي الضحية كما عنونها وينفذ الى اعماقها كي يقول لنا على لسانها:-

هكذا كنتم امامي وخلفي = غزلاً مغرياً وكنت غديرة
ولأني انثى وأمي عجوز = مات عنها أبي سقطت أجيرة
كيف اروي حكايتي والى من = كيف تشكو الى العقور العقيرة
نشأت قصتي وكان ابي كهلاً = وقور السمات نذل السريرة
يشتري كل حظه من عجوز = بالاساطير والغيوب خبيرة
وير ابي بالبا ئسات وراء الحي = والهينمات تخفي.. نكيرة
واحتمى بالصلاة لم يدن منه = بصير الحي أو ظنون البصيرة

فينفذ الشاعر عبر حوار الضحية الجريء الى نصب الابوة كي يطيح به حين تتخلى الابوة عن قداستها وتغادر موقعها الاثير، ويجيد الشاعر نسيج التفاصيل النابضة كي تكتمل من خلالها لوحة المأساة.

فتبنى الضياع طفلاً كسيحاً = وأنا والأسى وأماً فقيرة
كنت في محنتي كزنبقة الرمل = أعاني جفافه وهجيرة
فأشرتم إلى بالمغريات الخضر = والبيض والوعود الغزيرة
وملأتم يدي وأشعلتموني = شمعة في دجى الخطايا الضريرة
صدقوني إن قلت في دوركم مثلي = فلست الأولى ولست الأخيرة

فنسمع اصداءً من مضمون قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب بيد أنها تصاغ في بوتقة موهبة أخرى وبجزئيات مختلفة وفي إطار بيئة قصصية وأجواء سردية مختلفة يبرز فيها دور المنولوج المتمرد المفصح عن انحياز الشاعر لبذرة الخير التي يضمها الانسان سواء أكان رجلاً أم امرأة بين جوانحه وإذا ما سقط الانسان في حمأة الخطيئة وتمرد على قيم الجماعة فإن ثمة سياقاً يدفعه بل يجبره احياناً على الشروع بارتكابها والتوغل فيها بعد ذلك ولهذا الموقف الانساني من الشاعر جذور تمتد منذ مجموعته من أرض بلقيس التي ضمت قصيدته «وهكذا قالت» حيث يستهلها بمقدمة نثرية تشي بأجواء قصصية لاتناهض النسق الشعري بل تكون له جذراً ممتداً ومهاداً شيقاً، يرد في المقدمة النثرية كانت تهواه ويهواها، وفي هواها طهر الصلاة، في هواه خسة الخيانة، وقد ضمتهما برهة هنيئة من الحب في ظل العقد الإلهي، ولكن افضى بها الهناء وحدها الى الألم الطويل، كانت تؤمن بالرباط المقدس وكان يكفر به، فقد قطع مابينه وبينها واستبدل بها أخرى. وهكذا قالت:-

ياظالمي والظلم طبع الخنا = قطفت عمري قبل ايناعي
قد ضاع ما أرجو فما خيفتي = إذا دعاني للفنا.. داع
لا لم أعاتبك فقد أقلعت = عنك شجوني أي اقلاع
أواه كم اشقى وأسعى الى = قبري وولج السعي والساعي
وهكذا قالت وفي صوتها = تحيا على اصول القواعد

"يتبع"

*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس