عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2010, 04:00 AM   رقم المشاركة : 1
لا تكنْ حَنبلِياً..!!


 

.

*****

لا تكنْ حَنبلِياً..!!

صحيفة سبق - ماجد الحربي

اعتاد فئام من الناس في المجتمعات العربية والإسلامية وصف كل من يتصف بالعصبية و "النرفزة" بوصف الحنبلي في قولهم: "لا تكن حنبلياً، أنت حنبلي!"، بل أصبح ذلك مثلاً يُضرب في بعض المجتمعات لكل عصبي أو متعصب لرأيه، ومع الأسف ذلك مجافٍ تماماً للحقيقة، وإنما هي مقولة مفتراة على من يتبع المذهب الحنبلي، سواء من هذه البلاد المباركة أو غيرها من البلاد العربية والإسلامية، ولكنه الجهل بتراث الأئمة الأعلام الذين قدموا خدمات جليلة لنا وللدين الإسلامي رحمة الله عليهم جميعاً، فهم شموس ومصابيح دجى تنير للناس الطريق من ظلمات الجهل والخرافات.

ولا شك أن التعصب ممقوت، ومن له أدنى علم بدراسة تراث الأئمة يعلم أن المتعصبين موجودون في كل مذهب، بل وفي كل عقيدة ودين؛ فلِمَ العجب إذن؟!

ولا يليق بنا بوصفنا مسلمين أن نصف مَنْ كان عصبياً بأي مذهب من المذاهب الأربعة المشهورة أو بغيرها من المذاهب الأخرى من أهل السنة والجماعة؛ ذلك لأنه ليس من تقدير وإجلال العلم والعلماء؛ إذ إن من تقديرهم واحترامهم عدم الازدراء بمذاهبهم أو بشخوصهم.

وبالمناسبة المذهب الحنبلي يُنسب إلى الإمام أحمد، وهو أبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، المولود في القرن الثاني الهجري في مدينة بغداد سنة 164هـ، وتُوفي فيها سنة 241هـ، وعاش -رحمه الله- 77 سنة، قضاها في طلب العلم وتعليم الناس. والإمام أحمد هو رابع الأئمة الأربعة المشهورين على الترتيب، وهم: الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس الأصبحي (إمام دار الهجرة) والإمام محمد بن إدريس الشافعي، وآخرهم هو الإمام أحمد بن حنبل. فرضي الله عنهم وعن بقية علماء المسلمين.

والإمام أحمد تتلمذ على الإمام الشافعي وعلى أبي يوسف أحد أكبر تلامذة الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام الشافعي تتلمذ على الإمام مالك، والإمام مالك تتلمذ على الإمام الحجة أبي حنيفة النعمان، وكما نلاحظ تتلمذ بعضهم على بعض وعلى غيرهم من أئمة ذلك العصر، وهم يتفقون في أصول الدين ويختلفون في الفروع فقط، ولقد قال الإمام الشافعي حينما خرج من بغداد عن الإمام أحمد: "خرجتُ من بغداد فما خلّفت فيها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل".

والإمام أحمد كان فقيهاً وَرِعاً مجتهداً، فاق أقرانه في السُّنة وحفظها، وعرف تمييز صحيحها من سقيمها، فكان عالماً بالسُّنة وإمامها في زمانه بلا منازع، وكتابه المعروف بالمسند (مسند الإمام أحمد بن حنبل) احتوى على أكثر من أربعين ألف حديث، وقيل إنه كان يحفظ ألف ألف حديث.

والإمام أحمد لم يُعرف عنه أنه قام بتدوين مذهبه، بل كان يكره أن يُكتب شيء من آرائه وفتاواه، والذي كان يهمه جمع السنة وتدوينها، إلا أن أصحابه جمعوا من أقواله وفتاواه الشيء الكثير، ورتبوها على أبواب الفقه، وبعد ذلك جاء أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال فصرف همته إلى جمع ما روي عن أحمد بن حنبل، وقام بتصنيفه في كتابه (الجامع)، ثم جاء من بعده كثيرون، صنفوا في فقه المذهب الحنبلي وجمعوا أقوال إمامهم وشرحوها، ومن هؤلاء أبو القاسم عمر بن أبي علي الحسين الخرقي المتوفى سنة 324هـ ومن كتبه المشهورة المختصر المعروف باسم (مختصر الخرقي)، وقد شرحه ابن قدامه المقدسي في كتابه المعروف (المغني).

ثم جاء بعد هؤلاء في القرن السادس تقريباً إمامان كبيران ينتسبان إلى المذهب الحنبلي، وهما شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وقد عُرف عن هذين الإمامين انتسابهما إلى المذهب الحنبلي وأصوله وقواعده، وإن كانا ينهجان النهج المستقل في الاستنباط ولا يقلدان الإمام أحمد بن حنبل ولا غيره.

ومما يروى عن الإمام أحمد أنه كان لا يتعجل في الفتوى وكان ينظر إلى المستفتي بحسب حاله، مثل بقية الأئمة الأعلام رحمة الله عليهم. ويروى أنه جاءه رجل فقال له: يا إمام، أبي طلب مني أن أطلق زوجتي، أأطيعه ويكون ذلك من البر بأبي؟! فقال له الإمام أحمد: لا تطلق زوجتك. فعاد الرجل فقال له: ألم يأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبد الله بأن يطلق زوجته؟ فقال له الإمام أحمد: بلى. فقال الرجل: فلِمَ لا أبر بأبي أنا أيضاً؟ فقال له الإمام أحمد: وهل أبوك عمر؟!.

وختاماً.. نسأل الله أن يرحم علماء الأمة الأعلام الربانيين، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة العلم وتعليم الناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن نعرف لهم قدرهم، وأن ننزلهم منزلتهم التي أنزلهم الله إياها، من غير غلو، ولا جفاء، والله الموفق لكل خير سبحانه.


ماجد الحربي
إعلامي سعودي


*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس