عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2009, 10:19 PM   رقم المشاركة : 2

 



رمضان فرصة للتغيير

ليصبح العبد من المتقين الأخيار ، ومن الصالحين الأبرار .

يقول الله تعالى:



[البقرة:183]

فقوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام ؛

ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العظمى .

وهي تقوى الله والتي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَ الجليل ؛

أبيَ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟

فقال يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟

قال : بلى .. قال : فما صنعت ؟ قال : شمرتُ واجتهدت ..

أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه ، قال أبي: فذلك التقوى .

إذن فالتقوى : حساسيةٌ في الضمير ، وشفافيةٌ في الشعور ،

وخشيةٌ مستمرة ، وحذرٌ دائم ، وتوق لأشواكِ الطريق ؛

طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات ،

وأشواكُ المخاوفِ والهواجس ، وأشواكُ الفتنِ والموبقات ،

وأشواكُ الرجاءِ الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء ،

وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ نفعاً ولا ضراً ،

وعشراتٌ غيرُها من الأشواك ..


هذا هو مفهوم التقوى .. فإذا لم تتضح لك بعد ..

فاسمع إلى علي رضي الله عنه وهو يعبر عن التقوى بقوله :

هي الخوفُ من الجليل ، والعملُ بالتنزيلُ ، والقناعةُ بالقليل ،

والاستعدادُ ليوم الرحيل .


هذه حقيقة التقوى ، وهذا مفهومها .

فأين نحن من هذه المعاني المشرقةِ المضيئة ؟ ..

لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ ،

وعظمةِ أخلاقه ، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ ربهمِ جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ،

وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده ،

وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ الركبان مشرقاً ومغرباً ،

فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في تقواه وورعهِ ،

وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل ،

فكان يقومُ الليل يصلي ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه الشريفتان ،

وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من النشيجِ والبكاء ،

وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر .

وأما صاحبهُ المبجل ، وخليفته العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان يقول :

يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل !!

وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام ،

وكان من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام ؛

تحرزاً من الحرام !! فجاءه خادمُه مرةً بطعامه ،

فنسي أن يسألَه كعادته فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه :

لمَ لم تسألني - يا خليفةَ رسولِ الله - كسؤالكِ في كلِ مرة ؟

قال أبو بكر : فمن أين الطعامُ يا غلام ؟

قال : دفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم ،

وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق ، وأدخلَ يده في فمــه ،

وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال : واللهِ لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها ،

كل ذلك من شدةِ خوفه وتقواه وتورعهِ عن الحرام ،

وأما خوفُ عمر رضي الله عنه وشدةِ تقواه فعجبٌ من العجب ،

سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى:



[الطور:13]

فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس .

بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى :




[الصافات:24]

فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً ،

وأما عليٌ رضي الله عنه فكان يقبض لحيته في ظلمة الليل ويقول :

يا دنيا غُري غيري أليَّ تزينتِ أم إليَّ تشوقتِ

طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ فيهن زادُك قليل وعمرُك قصير
،

وخرج ابن مسعود مرة في جماعة فقال لهم ألكم حاجة ؟!

قالوا : لا ؛ ولكن حبُ المسيرِ معك !!

قال : اذهبوا فإنه ذلٌ للتابع ، وفتنةٌ للمتبوع .

دعنا من الخلفاء الراشدين المكرمين ،

ولنتجاوز الزمن سنين عدداً ،

فهاهو هارون الرشيد الخليفةُ العباسيُ العظيم الذي أذلَّ القياصرة

وكسرَ الأكاسرة والذي بلغت مملكته أقاصي البلاد شرقاً وغرباً

يخرج يوما في موكبهِ وأبهته فيقول له يهودي:يا أمير المؤمنين :

اتق الله !!

فينـزل هارونُ من مركبه ويسجدُ على الأرض للهِ ربِ العالمين في تواضعٍ وخشوع ،

ثم يأمرُ باليهودي ويقضي له حاجته ، فلما قيل له في ذلك !!

قال : لما سمعت مقولتَه تذكـرتُ قولَه تعالى




[البقرة:206]

فخشيت أن أكون ذلك الرجل ،

وكم من الناس اليوم من إذا قيل له اتق الله احــمرتْ عيناه ،

وانتفختْ أوداجه ، غضباً وغروراً بشأنه ،

قال ابن مسعود رضي الله عنه :

كفى بالمرء إثماً أن يقال له: اتق الله فيقول:عليك نفسَك !! مثلكُ ينصحنُي !!

إذن فيوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى ، جمعهم اللهُ بعد فرقة ،

وأعزهم بعد ذلة ، وفُتحت لهم البلاد ومُصرت لهم الأمصار

كل ذلك تحقيقا لـموعودِ الله تعالى :




[الأعراف:96]

فليكن هذا الشهر بداية للباس التقوى ؛

ولباس التقوى خير لباس لو كانوا يعلمون



[القمر:54]

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى =تجرد عريانا وإن كان كاسيا
وخير خصال المـرء طـاعة ربه = ولا خير فيمن كان لله عاصيا

 

 

   

رد مع اقتباس