الموضوع: بأقلامهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2013, 05:28 PM   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
عبدالله أبوعالي is on a distinguished road


 

الكتب السيئة



بقلم / اسكندرحبش

غالبا ما يأخذني السؤال، أو لنقل تلك المحاولة في التفريق ما بين الأدب والحياة، أقصد لطالما حاولت التفكير أيهما أجمل: الحياة أم الأدب؟ لفترة طويلة ماضية، لم يكن الأدب سوى عبارة عن محاولة لمحاكاة الحياة (وبعيدا عن المدارس الأدبية بالطبع وتعدد أنواعها)، بمعنى أن موضوعاته كانت تغرف منها وتحاول أن تنقلها وأن تقيم عالما موازيا لها. لكن حتى في هذا الأمر، كان الأدب يفرض حضوره بمخيلته التي تقف فوق كلّ شيء آخر.
لا أعرف لمَ أميل دائما إلى اعتبار أن الحياة هي التي تهرب منّا، وأن الأدب هو الأقدر على البقاء بيننا، وعلى أن يقدم لنا حياة أخرى، أجمل بكثير. بهذا المعنى نقرأ الكثير من الأعمال الخالدة، التي عرف الأدب كيف يجعلها نظرة خاصة، حتى وإن اتهمها البعض بأنها غير حقيقية. إذ عديدون اليوم هم من أصبحوا يقلدون الأدب أو الفن بشكل عام، بمعنى أنهم يحاولون أن يتماهوا مع هذه الشخصية أو تلك، وبالتأكيد يمكن أن نضيف شخصيات السينما التي تجد عند الناس حضورا كبيرا، وتأثيرا كبيرا فيهم.
في ذلك كله، لا بدّ من أن يطرح السؤال نفسه: لمَ يبدو الأدب اليوم (والفن بشكل عام) أكثر قدرة على سحرنا وعلى طرح الكثير من الأسئلة، حتى أكثر من الحياة عينها؟ لا شك في أن الحياة المعاصرة، فقدت الكثير من ذاك السحر الذي كانت تمارسه علينا، وبخاصة مع كل الأزمات والمشكلات التي أنجبتها: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... الخ. وبدون شك أيضا، تشكل الحروب المتنقلة، والتي لا تنتهي، هذا الحيز الإضافي الذي زعزع محاولتنا استقبال الحياة مثلما كانت عليه بكل سحرها. من هنا، يمكن القول ان الأدب أصبح هذا الفضاء الذي نهرب إليه، لننسى ولنحاول عبره أن نتخيل العديد من الأشياء التي تهمنا، وربما التي تجعلنا أكثر إنسانية في بيئات تتهاوى وتتفتت وتنهار.
أنظر في هذا الصباح، من على الشرفة، ولا أرى أمامي سوى اشياء تثير كرهي لها، واحاول أن أفكر في الكتابة، ولا أجد أمامي سوى ورقة اخط عليها التالي:
«حين كان أصدقاء ينظمون الثورات، ويقلبون الأنظمة، ويتربعون بأجسادهم الممزقة في تراث الوطن، كنت أقرأ الكتب «السيئة».
وبينما صديقات جميلات، كنّ يتبخترن أمام أولئك الذين يمكنهم أن يحدثونهن عن حاجاتهم وحاجاتهن، كنت لا أزال أقرأ «الكتب السيئة».
عرفت اليوم أن هذه الكتب السيئة تضم أجمل قصص الحب، وأكثر الحروب عدالة، وكل أولئك الثوار الذين ناضلوا يوما من أجل قضاياهم الفارغة.
هل هو انحياز للأدب؟ كل ما أجده كجواب أن الحياة لم تثر فيّ إلا غثيان كريه، لذلك من الأفضل أن نبحث دائما عن كتب تقطعنا وتبعدنا عن الواقع.

 

 

   

رد مع اقتباس