عرض مشاركة واحدة
قديم 05-26-2010, 12:29 PM   رقم المشاركة : 1
هديه صلى الله عليه وسلم في البكاء


 

المطالع لسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعيش معها كأنه في روضة جميلة تفتقت فيها الزهور، وفاح في سمائها المسك، وجرت بين بساتينها الأنهار.
دعونا نعيش في تلك الروضة بضع دقائق نستنشق الطيب، ونغترف من دره، لنسير جادِّين على هديه، في روضة اسمها هدي النبي صلى الله عليه وسلم في البكاء.


لقد كان بكائه عليه الصلاة والسلام هو بكاء الخائف من الله تبارك وتعالى، فها هي عبراته تسيل على خدّه شاهدة بتعظيمه لربّه، وتوقيره له، وخوفه منه، يقول عبد الله بن الشخِّير رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المِرجَل من البكاءِ، وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر فتقول: "وقام ليلةً من الليالي فقال: ((يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي))، فتطهّر ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، وجاء بلال رضي الله عنه يؤْذِنُه بالصلاة؛ فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فأجاب بكلمات خرجت مدويةً من الفؤاد: ((أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟)).

وهو يبكي أحياناً رحمة لوفاة قريب كما في بكائه على ولده إبراهيم، فهو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم الشفيق القائل: ((وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ))، وربما بكى لفقد أصحابه كما في غزوة مؤتة حين نُعِيَ إليه أصحابه فقال وعيناه تذرفان الدمع: ((أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ...)).

وبكى عند زيارته قبر أمه آمنة بنت وهب حتى أبكى من حوله، كان صلى الله عليه وسلم رقيق القلب يبكي سريعاً؛ لكنه يبكي بدون صوت أو شهيق، فكانت عيناه تذرفان، ويسمع لصدره أزيز.
هذا خلق نبينا الكريم فلنلتزم بهديه، ولنستقم على سنته؛ وفقنا الله لذلك.

البكاء نعمة عظيمة جاء ذكرها في كتاب الله العظيم فقال تعالى عن نفسه: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) ، إذ به تحصل المواساة للمحزون، والتسلية للمصاب، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها، والبكاء ليس مظهراً من مظاهر النقص، ولا دليلاً على الضعف، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس، ويقظة القلب، وقوّة العاطفة؛ بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر، غير مصحوبٍ بالنياحة، أو قول ما لا يرضاه الله.

وقد كان البكاء يمثل مشهداً من مشاهد الإنسانية عند النبي صلى الله عليه وسلم حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة فيهتز لأجلها ضميره الحي، وتفيض عيناه بالدمع، ويخفق معها فؤاده الطاهر، لم يكن سبب دموعه الحزن والألم فحسب، لكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين، والشوق والمحبّة، وفوق ذلك كلّه: الخوف والخشية من الله تعالى.

إذا قُريء عليه القرآن فإنه سرعان ما تسيل دموعه تتقاطر من عينيه، وحين قرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه من سورة النساء حتى بلغ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً) قال له: حسبك الآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فالتفتّ إليه فإذا عيناه تذرفان.

يبكي أحياناً رحمةً بأمّته، وخوفاً عليها من عذاب الله، فقد قام ليلة من الليالي يقرأ قول الله تعالى: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ثم رفع يديه وقال: ((اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى)).
هذه مواقف لخير خلق الله صلى الله عليه وسلم بكى فيها، فيها دروس وعبر؛ فيا أحباب محمد أين أنتم منه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا هو حال الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما حالنا نحن المذنبون، نسأل الله العفو والصفح.

اللهم اغفر لكاتبه وقارئه وناقله والعامل بما فيها

 

 
























التوقيع

كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي
بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
فإن كتبت خيراً ستُجزى بمثله
وإن كتبت شراً عليها حسابه
(المقياس الأسمى لشعورك بالسعادة هو: كم إنساناً أسعدت)

   

رد مع اقتباس