الموضوع: فن الكسره
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2011, 11:12 AM   رقم المشاركة : 2

 

أبو ميس جدت بنوع من أجمل الفنون الشعبية هو فن الكسرة وقد جئت بقصة شعبية
توافق هذا الفن وتعريفات من ذات كتاب الكاتب والشاعر القدير عبدالرحيم الأحمدي تقول القصة:
ومن أدبيات الكسرة في المواقف الاجتماعية أن بدوياً قدم إلى إحدى قرى وادي الصفراء لقضاء أيام الصيف بها، وكعادته في اختيار مكان لنصب خيمته، نزل على مرتفع يقع بين مزرعتين تعود أن يقيم خيمته كل صيف على هذا المرتفع، وما أن أحس صاحبا المزرعتين وهما أخوان بحركة نزول البدوي حتى تسابقا إلى تكريمه، وهذا التكريم عادة معروفة في القرى غير أن التسابق كان بدافع الفوز بالتكريم والتقرب إلى البدوي طمعاً في خطبة ابنته الشابة، وانتهى التسابق إلى التقاء الاخوين لدى البدوي الذي كان ينصرف إلى أموره حيناً ويبقى معهما حيناً آخر. وكان التكريم عبارة عن رطب، فقد جنى أحد الأخوين ملء زنبيل من خيار الرطب، أما الأخ الثاني فكان ميالاً إلى المبادرة وإبداً الاهتمام فجذ قنواً كاملاً وقدمه للضيف، وإذ هما ينظران إلى ما جاء به كل منهما في غيبة البدوي وإذا بصاحب القنو يقلل من أهمية ما جاء به أخوه صاحب الزنبيل فيقول:
معراك هذا يجي كيلة؟
فأجابه:
أظن زايد عياره مد
قال:

الله يقضيك من ليلة
فأجابه:
إن كان انا اجمع وانت تجد


والكسرة ثقافية اجتماعية تتأثر للتحولات والتغيرات الفكرية والاجتماعية
التي تطرأ على المجتمع، تنقل تقاليد المعاصرة إلى الأجيال التالية
من خلال الأفكار والأدوات والمعالجات الشعرية، والشاعر لسان حال الفترة الزمنية،
يجسد فكر المجتمع بالتصديق والانكار كان منتدى الرديح في ينبع من بين المنتديات الفكرية
التي تناولت الخبر بالتحليل، دون ضجيج أو تحضير أو اعلام وإنما تحاور الفريقان المتناظران
يتزعم الشاعر أحمد الكرنب فريقاً، ويتزعم الشاعر أحمد الريفي الفريق الآخر، ويبدأ الكرنب:
شيئاً على الخارطة نظم
ـ مهندسه رايق الأفكار ـ
فازوا علينا بغزر العلم
ـ وبوصولهم عالي الأقمار ـ
ومثلما يترجم بل يهندس الكرنب هذا الحدث ويصوره بدقة علمية جغرافية أدبية، معترفاً بتعدد الأقمار وبالتفوق العلمي، يستنكر الريفي أن يكون الأمريكان قد وصلوا إلى القمر، وكان حقاً على المسلمين أن يسبقوا الأمريكان إلى تحقيق هذا الإنجاز، غير أن هذا الاستنكار ليس جازماً أو قوياً فقد اشترط للاعتراف تقديم دليل وتأكيد حيث قال:
لاني موافق ولا متمم
ـ إن كان ما للحديث انوار ـ
دستورنا ليه ما علم
ـ ان الكفر يطلعون اقمارا ـ

وأدبية الكسرة لم تغفل التفكه والظرف وتجسيد المواقف الاجتماعية كاريكاتيريا ،وفي النماذج التالية شيء من هذه الصور .
لا ود صادق مصارحنا
ـ ولا هجر يبدي لنا المنفوح ـ

الله قسم قِلْ راحتنا
ـ ما بين هات وتعال وروح ـ

ما عاد باقي عيال صغار
ـ من يوم يطلع ولد فني ـ
يحفر ويدفن سواة الفار
ـ مقبل ومقفى كما الجني ـ
***
ليت الذي في القلوب يشاف
ـ وافتش لك القلب وتشوفه ـ
قلبك كما قلبي الميلاف
ـ والاكما الفرد و زروفه ـ
***
الحظ عيا معي لا يفوز
ـ والحال عيا معي يرقى ـ
الناس تاكل هريس ولوز
ـ وانا أدور فجل ما القى ـ
***
من شافنا ما يصدقنا
ـ إنّا طفارى بدون فلوس ـ
ومن شاف منظر ملابسنا
ـ يظننا من كبار الروس ـ
***
واقلبي اللي غدا نجَّاب
ـ في حارة الباب عناني ـ
من جوهرة محتويها داب
ـ وتكايد الناس بالعاني ـ
***

كملى عن البيض ما ذقته
ـ ولا لي خبر فيه بالمرة ـ
أمي عن البيت غيبَّتُه
ـ من يوم حطت لها صُرَّة ـ

***
وهذه الصورة من تجليات العصر الاقتصادية ، حين عمدت أم الشاعر التي كانت تربي الدجاج إلى حرمان ابنها من البيض وبيعه ، وجمع ثمنه في الصرة .


أما عن نشأة الكسرة زماناً واسماً فإن الأمور لم تحسم بعد ، وذلك لعدم الوصول إلى دليل قاطع ، فكتب المتقدمين التي بين أيدينا لم تشر إلى شيء من ذلك فأدى عدم التدوين إلى الاجتهاد الذي قد تفسده العاطفة والذاتية ، ولكن عدداً من الباحثين والدارسين المهتمين بالكسرة تمكنوا من جمع حصيلة معرفية عنها ، تجيب عن كثير من التساؤلات التي تثار حول الكسرة .
والكشف عن الحقـائق المتوارية وراء ركام السنين مسـألة شغلت الباحثين من قبل وتشغلهم من بعد ، وليس صعباً على الباحث أن يتوصل إلى حقيقة حدثت ، وضالة منشودة ، ولكن ذلك يخضع للوقت وأدوات البحث .
والكسرة من أنواع الشعر الذي ينشأ باللغة الدارجة لعدم التزام مبدعيه بالضوابط النحوية، وهو محاكاة للشعر العربي الفصيح أوزانه وقوافيه وأشكاله وفنونه ويخضع لمناهج نقده ، ومعايير جماله ،إلا أن المفاهيم الخاصة بأساليبه قد تخذل الناقد غير الملم بها وتخلف تقديراته ، وهي ما تتصل باللغة والعبارات التي تفهم سمعياً أو من السياق .
وإذا كانت نشأة الشعر النبطي لم تحسم تحديداً فما بالك بفروعه كالمجرور والكسرة والحداء وغيرهــا ، وكل ما أمكن التوصل إليه عن نشأته إشــارات مــــن الـجـــاحــظ على أهمية أدب العـــامة ،وإشارات إلى شعر النبط والأشعار الهلالية التي نظمها أفراد لم يكن همهم الأدب ، وإنما هم تشكيل من القبائل العربية استهوتهم المغامرة وحب القتال ولم يكن يشغلهم علم أو مهنة تصرفهم عن الانجراف مع هذه الحملات التي كان معظم أفرادها أميين فأتوا بشعر بين الفصحى والدارج من التعبير ، وقد أشار إلى شيء منه ابن خلدون على أن أقدم قصيدة نبطية وجدت مكتوبة كانت للشاعر أبي حمزة الذي عاش بين القرن السابع والثامن الهجري، وحدد تاريخها من أسماء الأشخـاص والأحداث المشار إليها في القصيدة كما يشير إلى ذلك الدكتور سعـد الصـويان .
والكسرة نتاج لهذا الشعر لأنها منه شكلاً وموضوعاً ، ولكن هذا اللون الشعري يغني في كل منطقة بطريقة مخالفة لغنائه في منطقة أخرى ، فكان من أشعار الهجيني في النصف الشمالي من الجزيرة العربية ، وشعر الكسرة في الجزء الغربي منها وربما غنيت بألحان أخرى في هذا الأنحاء وأنحاء أخرى .
أم ولادتها من الشعر العربي الفصيح فقد عرف الشعر الفصيح قديماً المثنيات الشعرية في الحوار والخطاب ، وفي العصر العباسي ظهر الدوبيت وهو شعر البيتين ، ثم ظهرت الرباعيات وأبرزها رباعيات الخيام ، وهي من شعر البيتين وسُميت رباعية لتكوينها من أربعة أركان صدرين وعجزين ، وأجزم أن رباعيات الخيام من كسرات الفصحى ، لما بينها وبين الكسرة من توافق في الإيجاز والفكرة الواحدة وتكثيف البناء والتشكيل المكون من أربعة أعمدة وتماثل الثلاثة الأجزاء الأولى في العرض والتصوير وانفراد الجزء الرابع بالمفاجأة والدهشة والرسالة الموجهة من الشاعر ، وبين أيدينا ترجمات لرباعيات الخيام قام بالأولى منهما شاعر معروف هو أحمد الصافي النجفي وقام بالثانية شاعر معروف أيضاً هو الشاعر أحمد رامي ، فلنتأمل هذه النماذج :
يقول الشاعر النجفي :
يازبدة الخلان خذ نصحى ولا
ـ تصبح من الدنيا بهمِّ مزعج ـ
واجلس بزاوية اعتزالك وانظُرَنْ
ـ ألعاب دهرك نظرة المتفرج ـ

وسأورد بعضاً من كسرات الشاعر صالح الهلالي الحديثة

في ملتقى أكوان أدبية عندما نقلت موضوع فن الكسرة
عن الشاعر وصاحب كتاب فن الكسرة عبدالرحيم الأحمدي قال الهلالي

لا بــد اعــّـّدل بهالموضوع
لو ضاع حرفي وموضوعه

بدور سوّووت لنا مشروع
وهــــــي للابداع موسوعه

يسمو سموّك عن الإطراء
يا نـور الأكوان في كسره

شكـــراً جزيلاً على الإثراء
من عسر حرفي إلى يسره



يا مشتكي والهوا مـ . أقساه=في ليل عاشق فقد خلّه
يصيح يا ليل وين القاه=وتذوب في محجره فُلّه




يا مرحبا يا زعيم اكوان=يا شاطئ الحرف والدانه
ما عاد صالح ظلال إنسان=وأكوان شمسه وريضانه

مع وافر التقدير للأستاذ أبي ميس



 

 

   

رد مع اقتباس