

يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغت أمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، 
حتى كبر ، وأصبح شابَّاً ، لايتقن أيَّ عمل ، ولا يجيد سوى التسكع في الطرقات ، 
واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذي تمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، 
ودون علم والده !
وذات صباح ، نادى الأب ولده ، وقال له :
كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ، ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، 
وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَ وعرق جبينك .
قال الابن محتجَّاً :
- ولكنني لا أتقنُ أيَّ عملٍ ياأبي !
قال الأب :
 يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. 
وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةً ذهبيةً ، وتحضرها إليَّ !
خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمُّه ، وأعطته ليرة ذهبية ، 
وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة ، ويعود منها في المساء ، 
ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعمله وكَدِّ يده !
وفعل الابن ماطلبت منه والدته ، وعاد مساءً يحمل الليرة الذهبية ،
 وقدَّمها لوالده قائلاً :
 لقد عملتُ ، وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، 
وقال :  إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلى المدينة ،
 وتحضر ليرةً أخرى غيرها !
سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتج على تصرُّف والده !
وفي صباح اليوم الثاني ،
 خرج الولد يريد المدينة ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه ،
 وأعطته ليرة ثانية ، وقالت له :
 لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضر الليرة وقدِّمها لوالدك .
تابع الابن سيره ، حتى وصل إلى المدينة ، وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، 
وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً :
 عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقد قائلاً :
- إنها ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. 
عليكَ أن تحضر غيرها يابني !
سكتَ الولد ، ولم يتكلم !
وفي صباح اليوم الثالث ، وقبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، 
تسلل الابنُ من البيت ، وقصد المدينة ، وغاب هناك شهراً بأكمله ، 
ثمَّ عاد يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يده بحرص كبير ، 
فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها الكثير من العرق والجهد . 
قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً :
 أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. 
وقد عانيت الكثير في تحصيلها !
أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها في النار ، 
فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها ، فضحك الأب ، 
وعانق ولده ، وقال :
 الآن صِرتَ رجلاً ، ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! 
فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ،
 لأنَّكَ خفتَ على ضياعها ، 
بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ...
فَمَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال .

...........