الملحمة العُمَرية لحافظ إبراهيم التي ألقاها في حفل جامعة القاهرة عام 1918 م تستحق القراءة وإن كانت طويلة
عمر بن الخطاب
حسب القوافي و حسبي حين ألقيها = أني إلى ساحة الفاروق أهديها
لاهم هب لي بيانا أستعين به = على قضاء حقوق نام قاضـيها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها = و ليس في طوق مثلي أن يوفيها
فمر سري المعاني أن يواتيني= فيها فإني ضعيف الحال واهيها
(مقتل عمر)
مولى المغيرة لا جادتك غادية = من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم = في ذمة الله عاليها و ماضيها
طعنت خاصرة الفاروق منتقما = من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة = تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى و خلـّفها كالطود راسخة = و زان بالعدل و التقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها و هي قائمة =و الهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها = صاح الزوال بها فاندك عاليها
واها على دولة بالأمس قد ملأت= جوانب الشرق رغدا في أياديها
كم ظللتها و حاطتها بأجنحة =عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها = و من صميم التقى ريشت خوافيها
و الله ما غالها قدما و كاد لها = و اجتـث دوحتها إلا مواليـها
لو أنها في صميم العرب ما بقيت =لما نعاها على الأيام ناعيها
ياليتهم سمعوا ما قاله عمـر = و الروح قد بلغت منه تراقيـها
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم =مطامع بَسَمَاتُ الضعف تخفيها
(إسلام عمر )
رأيت في الدين آراء موفقـة = فأنـزل الله قرآنـا يزكيـها
و كنت أول من قرت بصحبته = عين الحنيفة و اجتازت أمانيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها= بنعمة الله حصنا من أعاديها
خرجت تبغي أذاها في محمدها = و للحنيـفة جبـار يواليـها
فلم تكد تسمع الايات بالغة = حتى انكفأت تناوي من يناويـها
سمعت سورة طه من مرتلها = فزلزلت نية قد كنت تنويـها
و قلت فيها مقالا لا يطاوله = قول المحب الذي قد بات يطريها
و يوم أسلمت عز الحق و ارتفعت= عن كاهل الدين أثقالا يعانيها
و صاح فيها بلال صيحة خشعت= لها القلوب ولبت أمر باريها
فأنت في زمن المختار منجدها=و أنت في زمن الصديق منجيها
كم استراك رسـول الله مغتبطا = بحكمـة لـك عند الرأي يلفيـها
(عمر و بيعة أبي بكر )
و موقف لك بعد المصطفى افترقت = فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيـه أبا بكر فبايعـه *=على الخلافة قاصـيها و دانـيها
و أطفئت فتنة لولاك لاستعرت = بين القبائل و انسابت أفاعيـها
بات النبي مسجا في حظـيرته = و أنت مستعـر الاحشـاء دامـيها
تهيم بين عجيج الناس في دهش = من نبأة قد سرى في الأرض ساريها
تصيح : من قال نفس المصطفى قبضت =علوت هامته بالسيف أبريها
أنسـاك حبك طـه أنه بشـر = يجري عليه شـؤون الكون مجـريها
و أنـه وارد لابـد موردهـا = مـن المنـية لا يعفـيه ساقيـها
نسيت في حق طه آية نزلت= و قد يذكـّـر بالايـات ناسـيها
ذهلت يوما فكانت فتنة عـمم = وثاب رشدك فانجابت دياجيـها
فللسقيفـة يوم أنت صاحـبه = فيه الخلافة قد شيدت أواسيـها
مدت لها الأوس كفا كي تناوله =فمدت الخزرج الايدي تباريها
و ظـن كل فريـق أن صاحبهم = أولى بها و أتى الشحناء آتيها
حتى انبريت لهم فارتد طامعهم = عنها وآخى أبو بكر أواخيها
( عمر و علي )
و قولـة لعلـي قالـهـا عـمر = أكرم بسامعها أعظم بملقيـها
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها=إن لم تبايع و بنت المصطفى فيها
ما كان غير أبى حفص يفوه بها= أمام فارس عدنـان وحامـيها
كلاهما في سبيل الحق عزمته = لا تـنثـني أو يكون الحق ثانيـها
فاذكرهما وترحم كلما ذكروا = أعاظما ألِّهوا في الكون تأليـها
( عمر و جبلة بن الأيهم )
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به = و كم أخفت قويـا ينثنـي تيها
و في حديث فتى غسان موعظة = لكــل ذي نعـرة يأبى تناسيـها
فما القوي قويا رغم عزته =عند الخصومة و الفـاروق قاضـيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته= و إن تخاصم واليها و راعيها
( عمر و أبو سفيان )
و ما أقلت أبا سفيان حين طوى=عنك الهدية معتزا بمهديها
لم يغن عنه و قد حاسبته حسب = و لا معاوية بالشام يجبيها
قيدت منه جليلا شاب مفرقه = في عزة ليس من عز يدانيها
قد نوهوا باسمه في جاهليته = و زاده سيد الكونين تنويها
في فتح مكة كانت داره حرما = قد أمّن الله بعد البيت غاشيها
و كل ذلك لم يشفع لدى عمر = في هفوة لأبي سفيان يأتيها
تالله لو فعل الخطاب فعلته = لما ترخص فيها أو يجازيها
فلا الحسابة في حق يجاملها = و لا القرابة في بطل يحابيها
و تلك قوة نفس لو أراد بها = شم الجبال لما قرت رواسيها
(عمر و خالد بن الوليد)
سل قاهر الفرس و الرومان هل شفعت = له الفتوح و هل أغنى تواليها
غزى فأبلى و خيل الله قد عقدت = باليمن و النصر و البشرى نواصيها
يرمي الأعادي بآراء مسـددة = و بالفـوارس قد سالت مذاكيـها
ما واقع الروم إلا فر قارحها= و لا رمى الفرس إلا طاش راميها
و لم يجز بلدة إلا سمعت بـها = الله أكبـر تـدْوي في نواحـيها
عشرون موقعة مرت محجلة= من بعد عشر بنان الفتح تحصيها
و خالد في سبيل الله موقـدها =و خالـد في سبيل الله صـاليها
أتاه أمر أبي حفـص فقبله = كمــا يقـبل آي الله تاليهــا
و استقبل العزل في إبان سطوته = و مجده مستريح النفس هاديها
فاعجب لسيد مخزوم وفارسها = يوم النزال إذا نادى مناديـها
يقوده حبشي في عمامته = ولا تحـرك مخزوم عواليـها
فخالد كان يدري أن صاحبه= قد وجه النفس نحو الله توجيها
فما يعالج من قول و لا عـمل = إلا أراد به للنـاس ترفيـها
لذاك أوصى بأولاد له عمرا = لما دعاه إلى الفردوس داعيـها
و ما نهى عمر في يوم مصرعه = نساء مخزوم أن تبـكي بواكيـها
و قيل فارقت يا فاروق صاحبنا = فيه و قد كان أعطى القوس باريها
فقال خفت افتتان المسلمين به =و فتنة النفس أعيت من يداويها
هبوه أخطأ في تأويل مقصده = و أنها سقطة في عين ناعيها
فلن تعيب حصيف الرأي زلته = حتى يعيب سيوف الهند نابيها
تالله لم يتَّبع في ابن الوليد هوى= و لا شفى غلة في الصدر يطويها
لكنه قد رأى رأيا فأتبعه = عزيمـة منه لـم تثـلم مواضـيها
لم يرع في طاعة المولى خؤولته = و لا رعى غيرها فيما ينافيها
و ما أصاب ابنه و السوط يأخذه = لديه من رأفة في الحد يبديها
إن الذي برأ الفاروق نزهه = عن النقائص و الأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته = الله أودع فيــها ما ينقيـها
لاالكبر يسكنها لا الظلم يصحبها = لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها
(عمر وعمرو بن العاص)
شاطرت داهية السواس ثروته = و لم تخفه بمصر و هو واليها
و أنت تعرف عمرا في حواضرها =و لست تجهل عمرا في بواديها
لم تنبت الأرض كابن العاص داهية = يرمي الخطوب برأي ليس يخطيها
فلم يرغ حيلة فيما أمرت به = و قام عمرو إلى الأجمال يزجيـها
و لم تقل عاملا منها و قد كثرت = أمواله وفشا في الأرض فاشيها
(عمر و ولده عبد الله )
و ما وقى ابنك عبد الله أينقه = لما اطلعت عليها في مراعيها
رأيتها في حماه وهي سارحة = مثل القصور قد اهتزت أعاليها
فقلت ما كان عبد الله يشبعها *= لو لم يكن ولدي أو كان يرويها
قد استعان بجاهي في تجارته =و بات باسم أبي حفص ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له = حق الزيادة فيها قبل شاريها
و هذه خطة لله واضعها = ردت حقوقا فأغنت مستميحيها
مالإشتراكية المنشود جانبها = بين الورى غير مبنى من مبانيها
فإن نكن نحن أهليها و منبتها = فإنـهم عرفوها قـبل أهليـها
(عمر و نصر بن حجاج)
جنى الجمال على نصر فغـربه = عن المدينة تبكيـه و يبكيـها
و كم رمت قسمات الحسن صاحبها = و أتعبت قصبات السبق حاويها
و زهرة الروض لولا حسن رونقها= لما استطالت عليها كف جانيها
كانت له لمة فينانة عجب = علـى جبـين خليـق أن يحليـها
و كان أنى مشى مالت عقائلها = شوقا إليه و كاد الحسن يسبيها
هتفن تحت الليالي باسمه شغفا = و للحسان تمنٍّ في لياليها
جززت لمته لما أتيتَ به = ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت فيه تحول عن مدينتهم = فإنها فتنة أخشى تماديها
و فتنة الحسن إن هبت نوافحها = كفتنة الحرب إن هبت سوافيها
(عمر و رسول كسرى)
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا= بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها =سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى = فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا =ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره = من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا = و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم =فنمت نوم قرير العين هانيها
(عمر و الشورى )
يا رافعا راية الشورى و حارسها = جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها = و للمنـيـة آلام تعـانيـها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله = إلى الجمـاعة إنذارا و تنبيـها
إن ظل بعد ثلاث رأيهم شعبا= فجرد السيف و اضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها = طعم المنية مرا عن مراميها
درى عميد بني الشورى بموضعها = فعاش ما عاش يبنيها و يعليها
و ما استبد برأي في حكومته = إن الحكومـة تغري مسـتبديـها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به = رغم الخلاف و رأي الفرد يشقيها
(مثال من زهده)
يا من صدفت عن الدنيا و زينتها = فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت بباب الشام حين رأوا = أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
و يركبوك على البرذون تقدمه = خيل مطهمة تحـلو مرائيـها
مشى فهملج مختالا براكبه = و في البراذين ما تزها بعاليـها
فصحت يا قوم كاد الزهو يقتلني = و داخلتني حال لست أدريها
و كاد يصبو إلى دنياكم عمر = و يرتضي بيـع باقيه بفانـيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا =ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
(مثال من رحمته )
و من رآه أمام القدر منبطحا = و النار تأخذ منه و هو يذكيها
و قد تخلل في أثناء لحيته = منها الدخان و فوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على = حال تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده = و العين من خشية سالت مآقيها
(مثال من تقشفه و ورعه )
إن جاع في شدة قومٌ شركتهم= في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة و الدنيا بقبضته = في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري أبا حفص و سيرته = أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها=من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة = فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
و هل يفي بيت مال المسلمين بما = توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت لك الله إني لست أرزؤه = مالا لحاجة نفـس كنـت أبغـيها
لكن أجنب شيأ من وظيفتنا = في كل يوم على حـال أسويـها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئـها= شـريتـها ثـم إنـي لا أثنـيها
قال اذهبي و اعلمي إن كنت جاهلة = أن القناعة تغني نفس كاسيها
و أقبلت بعد خمس و هي حاملة = دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال نبهت مني غافلا فدعي =هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية= على الكفاف و ينهى مستزيدها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به = أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت و ما عهدت = بعـد النبـوة أخلاق تحـاكيها
(مثال من هيبته )
في الجاهلية و الإسلام هيبته = تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
في طي شدته أسرار مرحمة = تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
و بين جنبيه في أوفى صرامته = فـؤاد والـدة تـرعى ذراريـها
أغنت عن الصارم المصقول درته = فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصى موسى لصاحبها = لا ينزل البطل مجتازا بواديها
أخاف حتى الذراري في ملاعبها = و راع حتى الغواني في ملاهيها
اريت تلك التي لله قد نذرت *=انشــودة لرسـول الله تهديـها
قالت نذرت لئن عاد النبي لنا = من غزوة العلى دفي أغنيــها
و يممت حضرة الهادي و قد ملأت = أنور طلعته أرجاء ناديها
و استأذنت و مشت بالدف و اندفعت = تشجي بألحانها ما شاء مشجيها
و المصطفى و أبو بكر بجانبه =لا ينكران عليها من أغانيـها
حتى إذا لاح من بعد لها عمر = خارت قواها و كاد الخوف يرديها
و خبأت دفها في ثوبها فرقا = منه وودت لو ان الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها = فجاء بطش أبي حفص يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما = و في ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها لما رأى عمر = إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
(مثال من رجوعه إلى الحق )
و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا = لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم = و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت = تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا = أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا = بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة *=و جئتـنا بثـلاث لا تباليـها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر = فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم = و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت =بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم = لما رأيت كتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج = من أن يحجك بالآيات عاصيها
(عمر و شجرة الرضوان)
و سرحة في سماء السرح قد رفعت = ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها *= و كان تطوافهـم للدين تشويـها
( الخاتمه )
هذي مناقبه في عهد دولته =للشاهدين و للأعقـاب أحكيـها
في كل واحدة منهن نابلة =من الطبائع تغذو نفـس واعـيها
لعل في أمة الإسلام نابتتة = تجلو لحاضرها مـرآة ماضيـها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها = من الصروح و ما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من عمر = حتى ينبه منها عين غافـيها
حافظ إبراهيم