أنــــا العبد الذي كسب الذنوبا
ذكر ابن الجوزي في كتابه ( بحر الدموع ) هذه القصيدة المؤثرة
أنا العبد الذي كسب الذنوبا =وصدته المعاصي أن يتوبا 
أنا العبد الذي أضحى حزيناً = على زلاته قلقاً كئيبا 
أنا العبد الذي سطرت عليه = صحائف لم يخف فيها الرقيبا 
أنا العبد المسيء عصيت سراً = فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري =فلم أرع الشبيبة والمشيبا 
أنا العبد الغريق بلج بحرٍ = أصيح لربما ألقى مجيبا 
أنا العبد السقيم من الخطايا = وقد أقبلت ألتمس الطبيبا 
أنا العبد المخلف عن أناسٍ = حووا من كل معروفٍ نصيبا 
أنا العبد الشرير ظلمت نفسي = وقد وافيت بابكمُ منيبا 
أنا العبد الحقير مددت كفي = إليكم فادفعوا عني الخطوبا 
أنا الغدار كم عاهدت عهداً = وكنت على الوفاء به كذوبا 
أنا المهجور هل لي من شفيعٍ = يكلم في الوصال لي الحبيبا 
أنا المضطر أرجو منك عفواً = ومن يرجو رضاك فلن يخيبا 
أنا المقطوع فارحمني وصلني = ويسر منك لي فرجاً قريبا 
فوا أسفي على عمرٍ تقضى = ولم أكسب به إلا الذنوبا 
وأحذر أن يعاجلني مماتٌ = يحير لهول مصرعه اللبيبا 
ويا حزناه من نشري وحشري = ليومٍ يجعل الولدان شيبا 
تفطرت السماء به ومارت = وأصبحت الجبال به كثيبا 
إذا ما قمت حيراناً ظميا = حسير الطرف عرياناً سليبا 
ويا خجلاه من قبح اكتسابي = إذا ما أبدت الصحف العيوبا 
وذلة موقفٍ لحساب عدلٍ = أكون به على نفسي حسيبا 
ويا حذراه من نار تلظى = إذا زفرت فأقلعت القلوبا 
تكاد إذا بدت تنشق غيظاً = على من كان معتدياً مريبا 
فيا من مدّ في كسب الخطايا = خطاه أما بدا لك أن تتوبا 
ألا فاقلع وتب واجتهد فإنا = رأينا كل مجتهدٍ مصيبا 
وأقبِل صادقاً في العزم واقصد =جناباً ناضراً عطراً رحيبا 
وكن للصالحين أخاً وخلاً = وكن في هذه الدنيا غريبا 
وكن عن كل فاحشةٍ جباناً = وكن في الخير مقداماً نجيبا 
ولاحظ زينة الدنيا ببغضٍ = تكن عبداً إلى المولى حبيبا 
فمن يخبر زخارفها يجدها = مخادعةً لطالبها حلوبا 
وغض عن المحارم منك طرفاً = طموحاً يفتن الرجل الأريبا 
فخائنة العين كأسد غابٍ = إذا ما أهملت وثبت وثوبا 
ومن يغضض فضول الطرف عنها = يجد في قلبه روحاً وطيبا
ولا تطلق لسانك في كلامٍ = يجر عليك أحقاداً وحوبا 
ولا يبرح لسانك كل وقتٍ = بذكر الله ريّاناً رطيبا 
وصل إذا الدجى أرخى سدولاً = ولا تكن للظّلام به هيوبا 
تجد أجرأ إذا أدخلت قبراً =فقدت به المعاشر والنسيبا 
وصم مهما استطعت تجده رياً = إذا ما قمت ظمآناً سغيبا 
وكن متصدقاً سراُ وجهراً = ولا تبخل وكن سمحاً وهوبا 
تجد ما قدمته يداك ظلاً = عليك إذا اشتكى الناس الكروبا 
وكن حسن الخلائق ذا حياءٍ = طليق الوجه لا شكساً قطوبا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم = عُبَيداً لم يزل يشكي الذنوبا 
وسامح هفوتي وأجب دعائي = فإنك لم تزل أبداً مجيبا 
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً = نبياً لم يزل أبداً حبيبا 
هو الهادي المشفّع في البرايا = وكان لهم رحيماً مستجيبا
عليه من المهمين كل وقتٍ = صلاة تملأ الأكوان طيبا