قرش التعميرة
تحت هذا العنوان لابد من مقدمة ضرورية حتى أصل لمعنى العنوان
الشيء الذي ذكرني بهذا هو مناسبة ذكرى اليوم الوطني الثاني والثمانون الذي مر قبل عدة أيام ، ففي بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية تحت هذا المسمى بقيادة المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله وطيب ثراه ، هذا الكيان المترامي الأطراف من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً ، ومن أقصى حدود الشمال مع العراق والأردن حتى أقصى الحدود جنوباً مع اليمن وعمان ، لم يكن في ذلك الحين مع اتساع هذا الكيان العظيم وسيلة اتصال سريعة وحديثة غير البريد بأمراء المناطق وإداراتها إلاّ عن طريق البرقيات وقد أمر رحمه الله بإنشاء مدرسة لا سلكية بمكة المكرمة لتعلم طريقة إشارات مورس وكان من رواد هذه المدرسة من أبناء وادينا صالح بن جمعان العفاس وجمعان بن سعيد بن قسقس رحمهم الله ثم تبعهم الجيل الثاني من أبناء الوادي نايف بن عوضة واحمد مسفر رمزي وأحمد حسن عداش ومحمد حمدان قبا رحمه الله وسعيد علي حزم وكانوا نموذج مشرف لأبناء الوادي للعمل في هذا المجال من إخلاص في العمل وإتقان أسرار هذه المهنة وقد كانوا جنود تحت الطلب متى ما طلب منهم العمل في أي منطقة من مناطق المملكة المترامية الأطراف إلاّ أن يلبوا الطلب ويقومون بتنفيذه بدون تذمر أو امتعاض
ما دفعني لهذه المقدمة الطويلة المملة هو الوصول إلى القول أن أحدث وسائل اتصال قبل خمسين سنة بين الملك وأمرائه على المناطق هي البرقيات ففي بداية عملي الوظيفي في عام 1377هـ كان سعر الكلمة داخل المملكة أربعة قروش وكانت أجزاء الريال عشرون قرشاً ... وأربعة قروش سعر للكلمة يعتبر سعر مرتفع فقد كان سعر قارورة الببسي أو الكوكاكولا بأربعة قروش أي في أمكانك أن تعزم على خمسة من أصحابك في أحد المقاهي بخمس قارورات ببسي بريال واحد ولك أن تقارن بين سعر القارورة في ذلك الحين بذلك السعر وسعر الوقت الحاضر ريال ونصف للقارورة الواحدة أي أن قيمة خمس كلمات للبرقية لداخل المملكة تكفي لقطع شرهة لخمسة من طوال الشوارب تجبّي عليهم بخمس قارورات ببسي من أحد أكشاك بيع المرطبات قبل خمسين سنة في مدن مثل مكة وجدة التي تقام فيها مثل هذه الأكشاك مع ثلاجة تبريد بالثلج لهذه المرطبات ... أقول في بداية عملي الوظيفي أول ماكلفوني به العمل في شباك استقبال البرقيات الداخلية ،وكان إيصال البرقيات قد صممت حقوله الذي يعطى للمرسل عدد كلمات البرقية × سعر الكلمة مثلاً برقية عدد كلماتها عشر × أربعة قروش = أربعون قرشاً أي ريالين وفي خانة القروش أصفار وتحت حقل أجرة البرقية عبارة تعميرات الخط أي أجرة البرقية + قرش تعميرات الخط = ريالان وقرش ... هذا القرش سبب لنا صداع فعندما يسأل مرسل البرقية
كم ألفلوس يا أبوية :
نقول له ريالين وقرش :
وإذا ما عندي قرش !!عندك فكة ؟
لا ماعندي ..إذا كان الموظف نكد وهذا طبع أغلب الزملاء يقول للمرسل روح فك الريال وجب لي القرش وطبعاً هو موظف ولابد من استغلال هذه الوظيفة في فرض طلبه ...وإذا كان طيب الموظف يقول له خليها مرة ثانية ويدفع القرش من جيبه ..ذات مرة من المرات المحرجة بسبب هذا القرش الذي لا يمكن إلغاؤه إلاّ بمرسوم ملكي لأنه من الرسوم التي أنشئت بمرسوم في بداية تأسيس هذه الخدمة من الاتصالت البرقية رسوم تعميرات الخط أقول بسبب هذا القرش أتى أحد مرسلي البرقيات يرسل برقية طلعت أجرتها خمسة ريالات وقرش وقلت له بالأجرة وحب يتمحك عند موضوع القرش
قال : ليش القرش هذا
قلت : زي ماهو مكتوب بالإيصال تعميرات وإذا ماعندك فكة خلها مرة ثانية
قال : قلي كده .. حق التعميرة .. هيا خذ ريال بدل ما تشحتون الناس قرش حق التعميرة
قلت : هات الإيصال وأنا الغي القرش وعندما أعطاني الإيصال ركبتني حقت جدي صالح رحمه الله وقلت له بكل صرامة روح أصرف وجب لي قرش ..قرش فقط وإذا ما رجعت الغيت الإيصال هذا ومزقت برقيتك ووضعت الخمسة في جيبي وساعتها الحس كوعك إذا أستطعت
قال : يا أبويه خذ الريال وبعدين آجي آخذ الباقي قلت والله ما أقبل إلاّ قرش فقط ...حق التعميرة ؟ أقول لك طالع في الإيصال مكتوب تعميرات الخط تقول لي حق التعميرة ؟!!! ولا ألغي هذا القرش إلاّ بعد ما طلعت من قسم تحصيل البرقيات بفترة طويلة وبعد ما أنفصلت وزارة البرق والبريد عن وزارة المواصلات وبدأت تعدل في رسوماتها بعد ماصارت من صلاحيات الوزير
وبعد هذا التطويل حبيت أروي لكم قصة العنوان قرش التعميرة آمل أن تكون راقت لكم وإذا ماراقت لكم أرجوا السموحة
وعفاكم .
علي بن حسن