الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
في الحديث:
عن أبي هريرة عن النبي قال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - فذكر منهم - رجل قلبه معلق بالمساجد }.
لما آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه. فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها.
وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له.
فضل المساجد:
إن المساجد بيوت الله جل وعلا، وهي خير بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله تعالى، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب المحبين لله عز وجل، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لاظهار ذكره فيها، فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟! قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إلى بيون معبودهم مترددة، تلك: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي قال: { وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحملتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده }.
فضل التبكير إلى الصلاة:
كم في المبادرة والتبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد من الأجر العظيم فمن ذلك:
1 - أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظاراً لتلك الصلاة هو في صلاة - أي له ثوابها - مادامت الصلاة تحبسه. ففي الصحيحين عن أنس عن النبي : أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلّى بهم، قال لهم: { إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة }. وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: { ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة }.
2 - أن الملائكة تدعوا له ما دام في انتظار الصلاة، ففي الحديث: { ومن ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له وارحمة }. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه مالم يحدث اللهم اغفر له، اللهم ارحمه }.
قوله { مصلاه }: المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت كما يدل عليه آخر الحديث.
أما المرأة فقال أهل العلم: ( لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة ).
3 - أن المبكر يتمكن من أداء السنة الراتبة - في صلاتي الفجر والظهر - ويصلي نافلة في غيرهما ففي الصحيحين عن عبدالله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله : { بين كل أذانين صلاة قالها ثلاثاً قال في الثالثة لمن شاء }.
4 - أن المبكر للصلاة يمكنه استغلال ذلك الوقت لقراءة القرآن فقد لا يتيسر له ذلك في أوقات آخر.
5 - أن هذا الوقت من مواطن إجابة ففي الحديث عن أنس قال: قال رسول الله : { إن الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة فادعوا }.
6 - أنه يدرك الصف الأول، ويصلي قريباً من الإمام، عن يمينه، في الحديث: { إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول }.
7 - أنه يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام، والتأمين معه، ويحصل له فضل صلاة الجماعة. من دار القاسم