.
*****
الأربعاء 25 محرم 1438 هـ
فوزان الحمين.. شعلةٌ لن تنطفئ
بقلم د. سعيد أبو عالي
«إنَّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا» وإني بفراقك يا فوزان لمحزون «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».
إذا فقدنا فوزان بن عبدالعزيز الحمين -رحمه الله رحمةً واسعةً- فإننا سنذكره ونعزِّز علاقتنا معه في أبنائه عبدالرحمن وفهد وحمود وبندر وعبدالعزيز، وأعدهم من الصالحين.
وأُعزِّي كافة أفراد أسرة الحمين من الزلفي إلى الرياض والدمام وغيرها وفي مقدمتهم إخوانه علي وعبدالمحسن وعبدالله.
أما زملاؤنا في مجال التربية والتعليم فأعزيهم فرداً فرداً سواءً مَنْ عملوا معه أو من جاءوا بعده وسمعوا عنه، وفي مقدمتهم الأساتذة أحمد بوبشيت (أبو عبدالجليل)، وأحمد الجار، وجمعان حربي الغامدي، وحمود العتيق، وذياب العتيبي (أبو صالح)، وسالم السالم، وسعيد بن حامد العجرفي، وسعيد بن محفوظ الغامدي، وصالح السميح، وصالح السقوفي، والسيد عبداللطيف الخليفة، وعبدالله الحميضي، وعبدالله رشيدان المغامس، وعبدالله اليوسف، وعلي المعلم، وفرحان الصالح وفواز الدغيثم (وقد كان ذراعاً يمنى لفوزان) ومساعد الخريصي (الذي كان لتعاونه مع فوزان أثر إيجابي كبير على مسيرة الأنشطة المدرسية) ومحمد عبدالهادي.
عرفته عن بعد باسمه وبالتلميح إليه بأنه صاحب كلمة صدق. زرتُه في مكتبه بإدارة التعليم (بحي العدامة في مدينة الدمام) يوم الأربعاء (رابع يوم عملٍ لي بالمنطقة) وقلتُ له جئتُ لأزوركَ وسأجلس على هذا الكرسي.. وأرجوك أن تهتم بمراجعيك وقضاء حاجاتهم وتترك لي فرصة الاستماع فقط. رحَّب ومكثتُ عنده ساعةً فتحت لي سنوات طوالاً من عمل الرجل في مجال التعليم.. وأفسحت لي مساحةً واسعةً من تشكيل أسلوب عملي بالمنطقة الشرقية.
دعاني لعشاء فاقترحتُ عليه (بإصرار) أن يكون في مطعم وأن أكون ضيفه الوحيد. تحدثنا عن ماضي كلٍّ منَّا. حدَّثني هو عن المنطقة الشرقية وامتدادها الجغرافي حيث كانت مسؤوليتي من مدينة طريف شمالاً وحتى واحة يبرين جنوباً.
الجميع في إدارة التعليم وفي المدارس يدعونه (أستاذ) بكل احترام وتقدير فقد كان -رحمه الله- معلماً وموجهاً، والكل يرونه عند التعيين والنقل وعند تنفيذ عقوبة.. ويرون فيه أباً وقائداً ماهراً. كنتُ أحيل إليه ملفات شائكة بخلافات بين المدرسين في مدارسهم أو بين موظفين بالإدارة وأطلبُ إليه تطبيق (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) وكان يتعاون معه في هذا المجال الأستاذ حمدان السريحي -رحمه الله- والشيخ عبدالله اليوسف والأستاذ علي المعلم.. أما أنا فلهذه الأسباب وغيرها قد أطلقتُ عليه لقب (شيخ العرب).
جاءني مرةً مهموماً، وقال إن (فلان) لم يعد قادراً على الحضور إلى الإدارة ليتسلم راتبه فهو يسير على رجل واحدة وعكازين ولكن المرض أشق من ذلك.. وأصبح وضعه مثار تهامس بين البعض. كان هذا الفلان أباً لسبعة (منهم واحد فقط متزوج) فطلبتُ إليه نقله على قوة مكتبي. ارتاح (شيخ العرب) فوزان وتهلل وجهه فرحاً وقال: وماذا نعمل بشأن (فلان آخر). قلتُ سمعتُ أن (نظره) ضعيف وطلب الطبيب له إجازة مرضية طويلة. قال فوزان لقد أصيب بالعمى الكامل فعيَّنته مراقباً بمدرسة تجاور بيته. قال وماذا عن (فلان ثالث) إنه أصيب بجلطة قاسية لم تعد تسمح له بالحركة الحرة ولا بالنطق الواضح، قلت إنه يصلح أمين مكتبة مدرسية؛ وهكذا كان.
أما الزعامة التي ورثها عن أبيه وأجداده فقد تتجلَّى كل يوم في مجلسه الصباحي اليومي الذي اعتاده من بعد صلاة الفجر. مجلس مفتوح للجميع بقهوة عربية وتمر سكري.. وإفطار شهي لكل مَنْ يحضر.. هذه عادة نقلها معه فكرةً وحقيقة من (الزلفي) وهو طفل صغير.. وأسَّسها هو وإخوانه وبنوهم وبنوه في بيته لأكثر من نصف قرن.
والشيء الآخر أنه كان يستقبل أصدقاءه وزملاءه ومعارفه (يومياً أيضاً) بعد صلاة المغرب.
وقد لا يكون كل ما ذكرتُ عن زعامته مستغرباً، ولكن الشيء الجميل الذي يجعلني أطمئن على علاقتي مع أبنائه أنهم كانوا يقيمون المجلس الصباحي في غياب والدهم وحافظوا عليه أثناء مرضه وأنا لفوزان -رحمه الله- غالباً من زوار المجلس الصباحي في صحته وفي مرضه وأرجو الله أن أستمر كذلك مع أبنائه.
رحم الله فوزان.. وأصلح ذريته وبارك فيهم وفي أبناء عمومتهم.. ووفقنا جميعاً لخيري الدنيا والآخرة.
*****