.
*****
من روائع الشعر العربي قصيدة:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
للشاعر: أَبو تَمّام
حبيب بن أوس بن الحارث الطائي
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ = في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ  
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ = في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ  
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً = بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ  
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا = صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ  
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة ً = لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ  
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة ً = عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ  
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة ٍ = إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ  
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة ً = مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ  
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة = ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ  
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه = لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ  
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ = نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ  
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ = وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ  
يَا يَوْمَ وَقْعَة ِ عَمُّوريَّة َ انْصَرَفَتْ = منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة ََ الحلبِ  
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ = والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ  
أُمٌّ لَهُمْ لَوْ رَجَوْا أَن تُفْتَدى جَعَلُوا = فداءها كلَّ أمٍّ منهمُ وأبِ  
وبرْزة ِ الوجهِ قدْ أعيتْ رياضتُهَا كِسْرَى = وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَرِبِ  
بِكْرٌ فَما افْتَرَعَتْهَا كَفُّ حَادِثَة ٍ = ولا ترقَّتْ إليها همَّة ُ النُّوبِ  
مِنْ عَهْدِ إِسْكَنْدَرٍ أَوْ قَبل ذَلِكَ قَدْ = شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ  
حَتَّى إذَا مَخَّضَ اللَّهُ السنين لَهَا = مَخْضَ البِخِيلَة ِ كانَتْ زُبْدَة َ الحِقَبِ  
أتتهُمُ الكُربة ُ السَّوداءُ سادرة ً = منها وكان اسمها فرَّاجة َ الكُربِ  
جرى لها الفالُ برحاً يومَ أنقرة ِ = إذْ غودرتْ وحشة ََ الساحاتِ والرِّحبِ  
لمَّا رَأَتْ أُخْتَها بِالأَمْسِ قَدْ خَرِبَتْ = كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْدَى من الجَرَبِ  
كمْ بينَ حِيطانها من فارسٍ بطلٍ = قاني الذّوائب من آني دمٍ سربِ  
بسُنَّة ِ السَّيفِ والخطيَّ منْ دمه = لاسُنَّة ِ الدين وَالإِسْلاَمِ مُخْتَضِبِ  
لقد تركتَ أميرَ المؤمنينَ بها = للنَّارِ يوماً ذليلَ الصَّخرِ والخشبِ  
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحى ً = يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ  
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ = عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ  
ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفة ٌ = وظُلمة ٌ منَ دخان في ضُحى ً شحبِ  
فالشَّمْسُ طَالِعَة ٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ = والشَّمسُ واجبة ٌ منْ ذا ولمْ تجبِ  
تصرَّحَ الدَّهرُ تصريحَ الغمامِ لها = عنْ يومِ هيجاءَ منها طاهرٍ جُنُبِ  
لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَومَ ذَاكَ على = بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْرُبْ على عَزَبِ  
ما ربعُ ميَّة ََ معموراً يطيفُ بهِ = غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبى ً مِنْ رَبْعِهَا الخَرِبِ  
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ = أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّرِبِ  
سَماجَة ً غنِيَتْ مِنَّا العُيون بِها = عنْ كلِّ حُسْنٍ بدا أوْ منظر عجبِ  
وحُسْنُ مُنْقَلَبٍ تَبْقى عَوَاقِبُهُ = جاءتْ بشاشتهُ منْ سوءٍ منقلبِ  
لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصرٍ كمنتْ = لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْرِ والقُضُبِ  
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ = للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ  
ومُطعَمِ النَّصرِ لَمْ تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ = يوماً ولاَ حُجبتْ عنْ روحِ محتجبِ  
لَمْ يَغْزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَدْ إلَى بَلَدٍ = إلاَّ تقدَّمهُ جيشٌ من الرَّعبِ  
لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى ، لغدا = منْ نفسهِ، وحدها، في جحفلٍ لجبِ  
رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها = ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ  
مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا = واللهُ مفتاحُ باب المعقل الأشبِ  
وقال ذُو أَمْرِهِمْ لا مَرْتَعٌ صَدَدٌ = للسارحينَ وليسَ الوردُ منْ كثبِ  
أمانياً سلبتهمْ نجحَ هاجسها = ظُبَى السيوفِ وأطراف القنا السُّلُبِ  
إنَّ الحمامينِ منْ بيضٍ ومنْ سُمُرٍ = دَلْوَا الحياتين مِن مَاءٍ ومن عُشُبٍ  
لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ = كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ  
عداك حرُّ الثغورِ المستضامة ِ عنْ = بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ  
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً = وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ  
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً = ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ  
لمَّا رأى الحربَ رأْي العينِ تُوفلِسٌ = والحَرْبُ مَشْتَقَّة ُ المَعْنَى مِنَ الحَرَبِ  
غَدَا يُصَرِّفُ بِالأَمْوال جِرْيَتَها = فَعَزَّهُ البَحْرُ ذُو التَّيارِ والحَدَبِ  
هَيْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ = عن غزْوِ مُحْتَسِبٍ لا غزْو مُكتسبِ  
لمْ يُنفق الذهبَ المُربي بكثرتهِ = على الحصى وبهِ فقْرٌ إلى الذَّهبِ  
إنَّ الأُسُودَ أسودَ الغيلِ همَّتُها = يوم الكريهة ِ في المسلوب لا السَّلبِ  
وَلَّى ، وَقَدْ أَلجَمَ الخطيُّ مَنْطِقَهُ = بِسَكْتَة ٍ تَحْتَها الأَحْشَاءُ في صخَبِ  
أَحْذَى قَرَابينه صَرْفَ الرَّدَى ومَضى = يَحْتَثُّ أَنْجى مَطَاياهُ مِن الهَرَبِ  
موكِّلاً بيفاعِ الأرضِ يُشرفهُ مِنْ خِفّة ِ = الخَوْفِ لا مِنْ خِفَّة ِ الطرَبِ  
إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم، فَقَدْ = أوسعتَ جاحمها منْ كثرة ِ الحطبِ  
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ = جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ  
يا رُبَّ حوباءَ لمَّا اجتثَّ دابرهمْ طابَتْ = ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لم تَطِبِ  
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بِهِ = حيَّ الرِّضا منْ رداهمْ ميِّتَ الغضبِ  
والحَرْبُ قائمَة ٌ في مأْزِقٍ لَجِجٍ تجثُو = القيامُ بهِ صُغراً على الرُّكبِ  
كمْ نيلَ تحتَ سناها من سنا قمرٍ = وتَحْتَ عارِضِها مِنْ عَارِضٍ شَنِبِ  
كمْ كان في قطعِ أسباب الرِّقاب بها = إلى المخدَّرة ِ العذراءِ منَ سببِ  
كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَة ً = تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ  
بيضٌ، إذا انتُضيتْ من حُجبها، رجعتْ = أحقُّ بالبيض أتراباً منَ الحُجُبِ  
خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ = جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ  
بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ ترها = تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ  
إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ = موصولة ٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ  
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا = وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ  
أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ = صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ 
*****