15
السيف والشعر
نذكر بعض من الشعر والشعراء في الجاهلية وفي بعض العصور الإسلامية المختلفة حيث موضوعنا عن السيوف ونجزم بالقول إن العرب مما مر بهم من حروب وصراعات وتناحر شغلوا بالحرب كثيراً وأنهم تحدثوا عنها بأشعارهم حتى أصبح الحديث عنها موضوعاً أساسياً من موضوعات شعرها ففي العصر الجاهلي كان المجتمع يؤمن بالقوة إيماناً جعله من مقومات الحياة، وعنصراً أساسياً من عناصر البقاء، والحرب كانت ضرورة للحصول على العيش وتحقيق الكرامة والحرية وأصبحت غاية يفتخر بها فكانت القبائل العربية في الجاهلية قبل الإسلام تغير على جاراتها أو منافسيها على المرعى أو بسبب الثأر أو الرغبة في السيطرة والسبي فبرز الفرسان ودون الشعر تلك الحروب والغارات وخلدت ذكراهم بل طبعت بعضها في الذاكرة العربية ولا يمكن نسيانها أبداً خصوصاً إذا ارتبط أسم الفارس بالشجاعة والأقدام وروايته للشعر معاً فهذا عنترة بن شداد العبسي أحد أبرز الشعراء والفرسان في الجاهلية قبل الإسلام واحد أصحاب المعلقات فينشد في قلب المعركة حين تراءت له محبوبته عبلة فينشد قائلاً:
فلقد ذكرتك والرماح نواهل ............................................. مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل الســيوف لأنها ............................................. لمعــت كبـــارق ثغرك المتبســـم
في سنة 450م في عهد عمرو بن حجر الملقب بالمنصور ثارت قبائل معد بقيادة كليب بن وائل واستطاعت التخلص من حكم اليمن في يوم خزار وكان هذا اليوم من أعظم أيام العرب المشهورة في الجاهلية فقد انتصرت معد على قبائل اليمن ولم تزل لها المنعة حتى ظهور الإسلام وفيها قال السفاح التغلبي:
ضللنا من السهاد وكنا لولا ............................................. سهاد القوم احسب هاديات
فكنا في ا لصباح على جذام ............................................. ولخم بالسيوف مشهرات
ومن أيام العرب المشهودة أيضاً يوم ذي قار حين طلب كسرى الفرس هند بنت النعمان بن المنذر من أبيها الزواج فرفض فجند كسرى الجنود وفتك بالنعمان وهربت هند إلى بوادي العرب فأجاروها وتجمعت القبائل العربية ورأس القوم عمرو بن ثعلبة الشيباني حين أجارت أخته هند فجمع كسرى جيش كبير ودارت المعركة المشهورة والتي كانت للعرب كلمتها فيها فأنشدت هند:
حافظ على الحسب النفيس الأرفع ............................................. بمدججين مع الرماح الشرع
وصـــوام هــــندية مصــــقولة .............................................بســــواعد موصــــولة لم تمنع
وأيضاً الشاعر الجاهلي المزرد بن ضرار الغطفاني كثيراً ما كان يفتخر بشجاعته ووصف سلاحة وذكر في أشعاره بعض أسماء السيوف وهذا موضوعنا فيقول:
من الملمس هندي متى يعمل حده.............................................ذرى البيض لا تسلم عليه الكواهل
حســـام خفي الجرس حين تسـله .............................................صحـــيفـته مما تنقى الصيــــاقل
وأيضاً ذكر الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته فيقول:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة ............................................. على المرء من وقع الحسام المهند
فشعراء المعلقات قد تفاخروا بالنسب والحب والشجاعة والكرم وذكروا أسماء وصفات السيوف في معلقاتهم وكذلك الشعراء المعاصرين ذكروا في أشعارهم وقصائدهم أسماء وقطع السيف وليس لنا مجال للتوسع في ذلك. فمن الطبيعي أن يكون السلاح مما تحدث الفرسان عنه لأنه يمثل القوة التي يستندون إليها في حياتهم والعنصر الأساس الذي تعتمد عليه بطولاتهم فكان حديث الإعجاب به حديث كل ميزة وكل صفة وكل نَعْت نُعِتَ به.
وفي فترة الدولة العباسية وأوج عظمتها وقوتها في أيام المعتصم العباسي في واقعة فتح عمورية وحينما حذره بعض المنجمين بنتائج الحرب العكسية إلا أنه لم يأخذ برأيهم وأخذ باستغاثة امرأة حينما صرخت وامعتصماه يقول أبو تمام:
السـيف أصــدق إنباء من الكتب ............................................. في حده الحــد بين الجـد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف ............................................. في متونهن جلاء الشك والريب
وهذه الأبيات الشعرية كثيراً ما كانت تطبع على نصول السيوف الإسلامية.
ولا ننسى الشاعر أبو الطيب المتنبي في عهد الدولة الحمدانية في حلب التي استقلت عن الدولة العباسية في القرن الرابع الهجري وهو شاعر السيف والقلم بلا منازع وقد شغل الدنيا بشعره وحكمه ورددت أشعاره وحفظت قصائده فيقول في قصيدته العصماء:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي.............................................وأســـمعت كلماتي من به صـــــمم
الخــيل والليل والبـيداء تعرفني.............................................والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ويقول في قصيدته التي يمدح فيها سيف الدولة الحمداني ويشير إلى صفات السيوف ويمزجها بالحكمة:
ومن طلب الفتح الجليل فإنما ............................................. مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
وفي العصر الإسلامي الوسيط يقول الشاعر ابن المقرب العيوني في شعره:
أبا الدهر أن يلقاك إلا محاربا ............................................. فجرد له سيفاً من العزم قاضبا
وكقوله أيضاً في موضع آخر حيث يقول:
ونثرة اخضر الهند ذمتها ............................................. إن السيوف المواضي تحفز الذمما
وفي الأندلس خارج الجزيرة العربية يقول الشاعر أبو الطيب الصالح الرندي وهو يصف السيف المشرفي كناية عن جودة حديده وصنعه والذي يصنع في مشارف بالشام:
يمزق الدهـــرحتمـــاً كل ســـابقة............................................. إذا بنــت مشـــرفيات وحرصــان
وينتضي كل سيف في الفناء ولو............................................. كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
وهناك العديد من الشعراء لا يحصى عددهم في العصرين الأموي والعباسي والعصور اللاحقة ذكروا في أشعارهم اسم من أسماء السيف وقرنوه مرتبطاً بالشجاعة والرجولة والبطولة أو مرتبط بصد عدوان.
بل حتى وقتنا الحاضر مع ظهور الأسلحة الحديثة والفتاكة يشيرون في أشعارهم إلى السيف والرمح وهذا يدل على القوة والأصالة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم والتمسك بهذا الموروث عبر الأزمان.
انتهى النقل
*******
ومن الشعراء المعاصرين ؛ شــاعر السـاحات الأستاذ:
عبد الله مسفر رمزي
قال في السيف بيتـًا رائعًا واتخذه توقيعًا له في المنتدى:
السيف يقدر يحمله كل رجّال .................................................
................................................. وما كل من يحمله يقدر يهزه
وقد قام مشرف قسم اللغة العربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
الأستاذ: أحمد بن فيصل
بنقش ذلك البيت بخط كوفي على غمد سيف أهداه للشاعر عبد الله بن رمزي
في الاجتماع الرابع لأعضاء ساحات وادي العلي عام 1433هـ
انتهى الموضوع
لكم التحية والسلام ، والتقدير والاحترام.