مؤسس التعليم النظامي في الباحة يعترف: أنا لم آخذ شهادة الابتدائية حتى الآن
عبدالرحمن أبورياح- الباحة
الجمعة 11/07/2014
فتح الشيخ سعد بن عبدالله المليص، مؤسس التعليم النظامي في منطقة الباحة خزانة ذكريـاته في جوار لـ»المدينة»، متوقفا عند محطات مؤثرة ومثيرة في ذات الوقت، بدأت بنشأته وتلقيه التعليم في مكة مرورا بتهريبه للرياض للحصول على الدكتوراه عارجا للمعاناة، التي تكبدها أثناء تأسيس النظام التعليمي في الباحة.
واستعاد المليص قصته مع الإنجليزية وتعليمها وكيف كان أولياء الأمور يصفونها وقتذاك بلغة الكفار والمكافأة التي حازها يوم أجاد تعلّمها، وتوقف المليص في حواره على مرئياته في مجلس المنطقة، وكيف أنه حذر الجميع من غضبة أمير الباحة أن لم يتفاعلوا بمشروعات تخدم المنطقة، معرجا في حواره إلى بعض المحطات في حياته، فإلى نص الحوار:
المسجد جامعة
* بداية نقف عند محطتي الولادة والنشأة والتعليم؟
- أنا مكيّ الولادة والمنشأ والتعلم والثقافة تعلمت مقاعد الدراسة وأروقة المسجد الحرام منذ أن كنت طفلا صغيرا، تلقيت تعليمي على يد علماء الحرم الذين كانوا يفدون من جميع انحاء العالم ويدرسون القرآن الكريم، وقال لقد كان المسجد الحرام، حينها أشبه بجامعة نتلقى فيها العلوم الفكرية والتعليمية والتعلمية، كما أن أمامه في الستينات الهجرية والذي تم اختياره من قبل الملك عبدالعزيز- يرحمه الله- هو العلامة عبدالظاهر أبوالسمح، والذي تلقينا التعليم على يده وكذلك الشيخ حسن مشاط، الذي كان يجلس في رواق بالحرم بعد العصر وبعد العشاء لتدريس الفقه والفرائض.. كما أنني أتنقل في الدراسة بين المسجد الحرام والمدرسة الصولتية التي وجدت في وقت لم يكن هناك تعليم نظامي موجود.
بساط الكتاتيب
* هل تعلمتم على بساط الكتاتيب وماذا تحمل لكم من ذكريات؟
-تعلمت في الكتاتيب في الخمسينات الهجرية مع أطفال صغار من سن 4 سنوات وكنا ندرس عند معلمة أصلها اندونيسي وتدعى «الفقيهة خديجة» وكنا أيضًا نجمع بين الدراسة عندها وعند أحد المشايخ واسمه حزيّن. حيث درسنا القرآن بالألواح. يكتب لنا المعلم حينها القرآن على ألواح ونحن نحفظ وفي اليوم الثاني نسمعه. وكان يشاركنا في التسميع الشيخ عباس مقادمي والشيخ سعيد محمد نور الذي كان يأتي إلى الحرم ومعه أحد الأشخاص يقوده لأنه كفيف.
التعليم النظامي
* يتردد أن لتعليم الإنجليزية قصة في حياتك.. فماذا عنها؟
- كان نظام التعليم في مدارسنا نظاما مصريا 3 سنوات ابتدائي و4 سنوات تحضيري.. ثم انتقلنا الى التعليم الابتدائي 4 سنوات. أذكر أنهم أضافوا لنا مادة للغة الإنجليزية، ففرحنا نحن الصغار بها، ولكن أولياء أمور بقية الطلاب رفضوها، فهو كانوا «عوام» أميين. فقد كانت الجهة التي تتولى التعليم آنذاك هي مديرية المعارف وكانت مرتبطة بوزارة الداخلية، حيث ذهب الأهالي إلى المديرية ورفضوا تعلم اللغة الإنجليزية بحجة أنها لغة الكفار- على حد تعبيرهم- وحاول محمد بن عبدالعزيز بن مانع، مدير عام المعارف، أن يقنعهم فرفضوا.. أما نحن فبدأنا في التحصيل الدراسي لهذه المادة، حصة واحدة في الأسبوع نتلقى تعليمها من شيخنا حامد فطاني في كتاب للمؤلف أحمد خاكي. فلما ألغوا الحصة بناء على طلب الأهالي.. ارتبطنا مع الفطاني شيخنا وطلبنا أن نكمل المنهج معه.. حيث استأذن من مدير المدرسة آنذاك مصطفى يغمور فوافق أن ندرس في المساء.. وقد كنا ندرس في الصباح، وفي المساء ولا يوجد وقت سوى قبيل المغرب نتلقى فيه تعليم اللغة الإنجليزية وعددنا عشرة طلاب، ولم يستمر منهم سوى ستة طلاب وبعد الانتهاء من تكميل المادة كافأنا المعلم بمبلغ خمسة ريالات.. ومن المفاجآت حقًا أنني عندما تخرجت في الابتدائية إلى الآن لم آخذ شهادة الابتدائي من المدرسة الرحمانية، التي تلقيت تعليمي الابتدائي فيها.
المدرسة الصولتية
* دخلتم المدرسة الصولتية بعد أن رفض والدكم ابتعاثكم خارجيا؟ فما هي ذكرياتكم عنها؟
- نعم استشار والدي أحد المشايخ بعد حصولي على التحضيري أن يبتعثني للخارج في ذلك الوقت، فقال «لو سافر الى الخارج في هذا العمر فلن يرجع إلا كافرًا»، العجيب أن هؤلاء المشايخ بعد ذلك أرسلوا أولادهم للدراسة في الخارج.. لكنهم في حينها تخوفوا أن تتغير العقيدة ولما رأى والدي طموحي للدراسة والتعليم ورغبتي في الدكتوراه أدخلني المدرسة الصولتية، التي كانت باسم إحدى السيدات واسمها «صولة» وكانت تجمع بين رياض الأطفال وتحفيظ القرآن والمتوسط والثانوية والعالي في مدرسة واحدة على مذهب أبو حنيفة.. فلم تقبلني المدرسة الصولتية لأنني تخرجت من المدرسة الرحمانية، فهم يعتقدون أننا غير مؤهلين للدراسة فيها.. ولكن لما رأوا إصرارنا قبلونا في الصف الأول ثانوي، وفي عام واحد اجتزت سنوات الثانوية الثلاث كلها بنجاح.. لأن مستواي كان أعلى من أن أكون في الثانوية.. وأكملت المرحلة الثانوية.. فدخلت القسم العالي الصولتي الذي كان بمثابة الجامعة.. أذكر حينها زارهم الملك عبدالعزيز- رحمه الله- فقال هذه أزهر بلدي شبيهة بأزهر مصر.. وقد كان لها املاك في مصر وسوريا وتركيا والمملكة، تستفيد منها في دعم مسيرتها التعليمية.. رغم أني درست في القسم العالي بهذه المدرسة إلا أن قلبي عند زملائي، الذين ذهبوا ليأخذوا الدكتوراه، وبالرغم أيضًا أننا ما كنا نعرف ما هي الدكتوراه إلا من خبر ظهر في صحيفة صوت الحجاز حينها «البلاد» حاليًا. أن ابن المهاتما غاندي الدكتور أسلم وسمى نفسه محمد. فالطبيب كان يسمى «حكيم» في مكة.
التهريب للرياض
* ما قصة تهريبكم إلى الرياض وجلوسكم 15 يومًا في أحد الأودية؟
- أرسلني والدي إلى الرياض للحصول على الدكتوراه ولما أن كان الوصول للرياض غير ميسر ولا بد من إذن مسبق، حيث كانت المملكة حينها تسمى سلطان نجد والحجاز وملحقاتها.. أرسلونا تهريب، فركبنا سيارة ومكثنا أيامًا طوالا من بينها 15 يومًا في «واد» ما بين عفيف والدوادمي. ولقد أصبت بالمرض وأشرفت على الهلاك وجلسنا ثلاثة أيام في الدوادمي، حتى مر علينا أحد أبناء جلدتنا وهو أحمد الدهري- رحمه الله- فلما عرفني أخذني الى الرياض وأنا مريض مرضا شديدا. ووصلنا الرياض، وجلست شهرين مريضًا، يزورني بعض الأقارب ومن جماعتنا. وعندما تعافيت ذهبت للحصول على الدكتوراه من عند أحد المشايخ، الذي لم يقبلني أتعلم عنده حتى أبلغته أنني من بلدة اسمها «الظفير». ولكنني لم أمكث في الرياض سوى أربعة أشهر لأن وضعها كان لا يطاق فقد كانت مدينة بدائية، بيوتها شعبية وأزقتها غير نظيفة ووضعها غير صحي، فعزمت على الرحيل فحاول الشيخ عبدالعزيز بن باز- يرحمه الله- أن أبقى معهم حيث كان معنا قبل أن يكف بصره فرفضت، واستأذنته وسافرت على سيارة لم نجد مكانًا فيها نجلس إلا فوق الخيام التي كانت تنقلها تلك السيارة إلى الحجاز.
الديرة مسقط الرأس
* ماذا عن رؤيتكم في الشباب عندما عدتم إلى «الديرة»؟
-أثناء وجودي في مكة كنت أتألم من الشباب من أبناء جلدتي الذين يأتون إلى مكة ليعملوا ويبحثوا عن لقمة العيش عند سكان مكة.. حيث إن سكان مكة لم يكونوا أهلها الأصليين، فأهلها انتشروا في الأرض ولكن هؤلاء أتوا للعمرة والحج فبقوا فيها واستوطنوها واستثمروا فيها.. طلب والدي أن نخرج إلى «الديرة» مسقط الرأس.. حيث كنا نخرج في أوقات الاجازة في الحج وقبل رمضان تقريبا وأخرى في الصيف.. طلب مني والدي عندما وصلت إلى الباحة أن أذهب لمدير مدرسة لم تكن نظامية اسمه «عبدالحي كمال» ليتأكد من مستواي الدراسي، فطلبني الأخير أن أكون معلما، فكنت أمشي على قدمي مسافة طويلة يوميا من بني ظبيان إلى الظفير» وكان معنا الشيخ علي الجيلاني- رحمه الله- حيث كان يدرس الرياضة.
تأسيس التعليم
* ماذا عن مراحل تأسيس التعليم العام في الباحة؟
-عندها أسست مدرسة في بني ظبيان للتعليم النظامي، فوجدت تعاونًا منقطع النظير من الأهالي، رغم العمل المضني الذي كنا نعمله من خلال فتح فصول دراسية في بيوت قديمة بعد أن نقوم بتنظيفها وتأهيلها. وذلك في أواخر الستينات الهجرية. كنا نأخذ الطلاب بأعلام إلى المواقع البارزة والأسواق ليرانا الناس لأنهم كانوا يحاربون التعليم، فهم يعتقدون أن الأبناء سينشغلون عن الاهتمام بالحصاد ورعايته فهو كان المصدر الوحيد للرزق.. درس عندنا الدكتور سعيد المليص والدكتور سعيد أبوعالي الذي أذكر يوما من الأيام أنه تأخر عن المجيء فسألته، قال لي: لقد ذهبت لسقيا مزرعة والدي حتى انتهيت منها وأتيت. ثم فتحت مدارس ليلية في المنطقة على حسابنا.. وعندما فتحنا معهدا للمعلمين طلبت من الوزير أن يكون مثل المعهد الذي في مكة لأنني أرغب في تخريج قيادات تربوية تقوم بالتدريس في المدارس التي أسستها في عدد من المواقع بالمنطقة، فكانت المعونة التي يتلقاها الطالب 50 ريالا ثم ارتفع 100 ريال و150 عندها استقطب عددا كبيرا من أبناء المنطقة.. لقد فتحت مدارس في تهامة والبادية والسراة. وكنت أمشي على قدمي وكنت أجد معارضة من الأهالي فنقنع عمدة القرية أنه سيكون موظفا فيها، وبهذا استطعنا أن نفتتح العديد من المدارس في جميع أرجاء المنطقة، بل إن أحد المسؤولين من الوزارة ذهبنا سويا لافتتاح مدارس في تهامة ونزلنا مشيا على الاقدام من العقبة المتجهة إلى تهامة ولكنه لم يستطع الصعود منها. كنت أرغب أن يكون في بني ظبيان مدرسة أكاديمية لمن فات عليهم التعليم في الصغر فنعلمهم ثم نخرجهم مدرسين. عندها توسعت بائكة الفكر ففتحنا المدرسة الريحانية، وكنا نتعثر في البداية واستمرت من عام 78 هـ حتى 1411هـ وكانت تقوم بتدريس مناهج المرحلتين المتوسط والثانوية العلمي والأدبي. وفتحنا لها فروعًا في الباحة وبلجرشي. ولكن لأن ميزانيتها ضعيفة ولا يوجد لها موارد ثابتة، فمعونة الوزارة كانت ضئيلة (3 آلاف ريال) في السنة و(3 آلاف ريال) من ارامكو. والباقي أدفعه أنا وإخواني وبعض الشباب من أموالنا الخاصة. فما قدرنا ورغبنا تأجيلها فوافقت الوزارة على تأجيلها.
حلم الأستاذية
* حلمت أن يكون لدينا مشروع أكاديمي كبير يقدم (الأستاذية) لخريجي الجامعات.. فماذا عنه؟
** عندما زارني صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز- يحفظه الله- في منزلي أثار موضوع المدرسة ووجه التعليم ببحث إمكانية إعادة فتحها، وما زالت في أدراج الإدارة العامة للتربية والتعليم بالمنطقة، ولا أعلم لماذا تأخرت، فأنا أصبحت غير قادر على متابعة إجراءاتها.. لقد كنت أحلم أن يكون لدينا مشروع أكاديمي كبير يقدم (الأستاذية) لخريجي الجامعات. نعم سعدت كثيرا بوجود جامعة الباحة التي كنت أحلم يوما من الأيام بوجودها في الباحة، ولكن مشروعي كان كبيرًا وهو جاهز ومكتمل وهو عبارة عن مركز عالٍ للتنمية التعلمية والتعليمية التي توصل إلى استاذية التعليم للجامعات. ليس لطلاب التعليم العام وإنما لأعلى من الجامعي. وطلبنا تأسيس معهد قراءات وحصلنا ترخيصًا بذلك. لكن وقف في هذا الطريق عجز الجسم. كنت أطمح أن يبقى لي ذكر طيب فالله تعالى يقول: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين).
ناد ومركز
* حلمت بنادٍ أدبي ومركز للمعاقين.. فهل تحدثنا عن مراحل إنشائهما؟
** كنت أحلم بتأسيس نادي أدبي للباحة فبدأت بإجراءاته في عام 1400هـ ولم تصدر موافقته إلا بعد 14 عامًا عندما عرضت ذلك الأمر على أمير الباحة حينها الأمير محمد بن سعود -رحمه الله- فذهب شخصيًا إلى الرياض واستصدر الموافقة ففتح النادي. ورغم قلة المعونة إلا انني استعضت باللجان الذين كانوا يعملون معي رغم أني ما أعطيتهم شيئًا فالميزانية كانت ضعيفة.. والتزم النادي حينها بالقيم الفكرية الأخلاقية قبل التغزل الذي نسمع حاليًا في بعض الأندية. كان معي مدير التعليم السابق الأستاذ عبدالرحمن الدهري، وكذلك الدكتور هجاد بن عمر لكننا صبرنا واجتهدنا ولله الحمد نجحنا، كما أننى سعيت لفتح مركز للمعاقين وتحقق ذلك بعد موافقة الوزارة رغم أنني كنت أطمح أن يكون مركزا علاجيا وفكريا.
مجلس المنطقة
* ماذا أضاف العمل بمجلس المنطقة لكم.. وماذا تحملون له من ذكريات؟
** عملت في مجلس المنطقة وخضت تجربة ما بين المد والجزر كان خلالها أعضاء المجلس يستحون أن يطالبوا بمشروعات للمنطقة، وكنت أحذرهم من عدم المطالبة وأحثهم على طرح مشروعات ورؤى خوفًا من أن نتهم بعدم الفاعلية، حتى «وصف» الأمير محمد بن سعود المجلس بأنهم فقط يطأطئون برؤوسهم «فقلت لهم (هذا ما كنت أحذركم منه) وأنا أعلم أنه لم يكن لدى الأمير محمد حقد أو غل على أحد ولكنه- يرحمه الله- كان يرغب أن يكون المجلس أكثر فاعلية وتفاعلا. المزيد من الصور :