
قال الحسن بن محمد : 
قحط الناس في بعض السنين آخر مدة " الناصر " فأمر القاضي منذر بن سعيد
 بالبروز إلى الاستسقاء بالناس ،
 فصام أياما وتأهّـب واجتمع الخلق في مصلى الربض ،
 وصعد الناصر في أعلى قصره ليشاهد الجمع ، فأبطأ منذر ، ثم خرج راجلا متخشعا ،
 وقام ليخطب فلما رأى الحال بكى ونشج 
وافتتح خطبته بأن قال : سلام عليكم . ثم سكت شبه الحسير ، 
ولم يكن من عادته ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما عراه ،
 ثم اندفع فقال : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) الآية .
 استغفروا ربكم وتوبوا إليه وتقربوا بالأعمال الصالحة لَدِيه . 
فضجّ الناس بالبكاء وجأروا بالدعاء والتضرع ، 
وخطب فأبلغ فلم ينفضّ القوم حتى نزل غيث عظيم .
واستسقى مرة فقال يهتف بالخلق : ( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله ) الآية . 
فهيّج الخلق على البكاء .
قال : وسمعت من يذكر أن رسول " الناصر " جاءه للاستسقاء . 
فقال للرسول : ها أنا سائر فليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة في يومنا هذا ؟
فقال : ما رأيته قط اخشع منه في يومه هذا ؛
 إنه منفرد بنفسه ، لابس اخشن الثياب ، مفترش التراب ، 
قد علا نحيبه واعترافه بذنوبه يقول : رب هذه ناصيتي بيدك ،
 أتُـراك تعذب الرعية وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم ، أنْ يفوتك مني شيء .
فتهلل منذر بن سعيد وقال : يا غلام احمل الممطرة معك ! 
إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء . 
وحدثنا بعض كبار السن – متّـع الله بهم – أنهم كانوا إذا أرادوا الخروج إلى صلاة الاستسقاء ،
 تأهبوا قبل ذلك ، وتصدقوا ، 
ثم غـطّـوا ما كان لديهم مما يتأثر بالمطر من محاصيل وأطعمة !
أبعد هذا اليقين يقين ؟
وبعد هذا الظن الحسن بالله يخيب ظن ؟ 
ثم قارن هذا بما أخبرني به بعض الثقات 
قال : خرجنا من صلاة الاستسقاء فمررنا في طريقنا على حاوية نفايات ، 
قال : والله لقد اقشعر جلدي مما رأيت !
قلت له : ماذا رأيت ؟
قال : رأيت أكوام الخبز تعلو القاذورات والنجاسات في تلك الحاوية !
قال : ثم عمدت إلى الخبز فرفعته ، وقلت في نفسي : أمع هذا نرجو سُـقيـا ؟ 
كيف لو تأمل المتأمل في أحوال الأمة جمعاء – شعوبا وجماعات وأفرادا – 
انظر إلى أطباق الفجور تُطاول - ربما – منائر المساجد !
وانظر إليها يلفت نظرك كثرتها !
حتى رأيت بيتاً بعضه من الطين وبعضه الآخر من الطوب وقد اعتلاه طبق فضائي !
 يكاد يخـرّ السقف من فوقهم من ثقل ذلك الطبق ، وتهالك ذلك البيت !
بل كيف لو تأمل المتأمل في تعاملات الناس اليوم ؟
كم هي نسبة الربـا في تعاملاتنا ؟
وربما عند بعض الناس في تعاملات يومية 
وربما أكل بعض الناس الحرام بحجة أنه لا يجد عملاً !
سبحان الله !
أما كانت العرب في جاهليتها تقول : تموت الحُـرّة ولا تأكل بثدييها !
وهذا لأنه لم يجد عملاً في وقت من الأوقات
 لجـأ إلى العمل المحرّم يقتات منه ويُطعم منه مَن يعول .
أما علم هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يُطيل السفر ،
 أشعث أغبر ، يَـمُـدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ،
 ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُـذِي بالحرام ؛
 فأنى يُستجاب لذلك . 
رواه مسلم .
أما إني لا أُقـنِّـط الناس ولكنها وقفة محاسبة 
وموقف مراجعة مع النفس
فكم نطلب السقيا ولا نُسقى ؟
وكم ندعو فلا يستجاب لنا ؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله
الشيخ عبدالرحمن السحيم حفظه الله 
تحياتي  
...........