التواضع .. صفة شريفة .. وخصلة منيفة ..
لا تنالها إلا الأنفس .. السامية
يكفيها .. أنها علامة حب الله تعالى للعبد ..
كما قال سبحانه .. ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
نطقت .. بشرفها الآيات .. تنبيها للعباد أن يأخذوا بمجامعها .. ويتمسكوا بحجزها ..
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ..
( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ) ..
( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )
( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) ..
( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) ..
( إنه لا يحب المستكبرين ) ..
( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً )
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
لا تتكبر ، فتحتقر عباد الله .. وتعرض عنهم إذا كلموك ..
( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ) ..
قال محمد بن الحنفية رحمه الله :
أصحاب وقار وعفة لا يسفهون .. وإن سفه عليهم حلموا ..
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ..
فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ؟
قال : إن الله جميل يحب الجمال .. الكبر : بطر الحق .. وغمط الناس
رواه مسلم .
وبطر الحق .. يتضمن دفعه ورده على قائله .. وغمط الناس .. احتقارهم وازدراؤهم ..
وقال صلى الله عليه وسلم :
ألا أخبركم بأهل النار ؟؟ : كل عتل جوَّاظ مستكبر ..
متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم :
إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد .
رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم :
ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله
رواه مسلم .
وقد تمثل هذا التواضع في سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عملياً
كيف وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن ..
يمر عليه الصلاة والسلام بالصبيان فيسلم عليهم
وتأخذ الأمة بيده فتنطلق به .. وكان يقوم على خدمة أهله ..
ولم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم قط ..
يخصف نعله .. ويرقع ثوبه .. ويجالس المساكين ..
ويجيب دعوة من دعاه .. ولو على طعام يسير ...
قالت عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها ..
إنكم تغفلون عن أفضل العبادات .. التواضع .
رواه البخاري
وقد اختلفت عبارات العلماء في حد التواضع ..
ولما سئل الفضيل بن عياض من سيد التابعين في زمانه عن التواضع قال :
يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قاله ..
وقيل : خفض الجناح ولين الجانب ..
وقال بعض العارفين :
أن لا ترى لنفسك مقاماً ولا حالاً .. وأن ليس في الخلق شراً منك ..
ولذا قال سفيان بن عيينة ..
من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة ..
فإن آدم عصى مشتهياً فغفر له ..
فإذا كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة ..
فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن
وولي أبو هريرة رضي الله عنه إمارة ..
فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره ويقول : طرقوا للأمير ..
وهذا سبط النبي صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنهما ..
يؤدي شعيرة الحج خاشعاً متذللاً ..
فقد حج رضي الله عنه ماشياً عشر مرات ونجبه تقاد إلى جنبه .
ولما مات علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ..
جعلوا ينظرون إلى آثار سواد ظهره .. فقالوا ماهذا .. ؟ فقيل :
كان يحمل جراب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ..
ولما بلغ عمر بن عبدالعزيز أن ابناً له اشترى خاتماً بألف درهم كتب إليه
بلغني أنك اشتريت فصاً بألف درهم .. فإذا أتاك كتابي
فبع الخاتم وأشبع به ألف بطن .. واتخذ خاتماً بدرهمين
واجعل فصه من حديد واكتب عليه : رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ...
وعندما قيل .. لأبي عبدالله أحمد بن حنبل أيام المحنة .. ما أكثر الداعين لك ؟؟
تغرغرت عيناه .. وقال : أخاف أن يكون هذا استدراجاً ..
وهذا ابن القيم يحكي عن شيخه أبي العباس ابن تيمية رحمهما الله فيقول :
ولقد شاهدت منه أمراً لم أشاهده من غيره ..
وكان يقول كثيراً : ما لي شيء .. ولا مني شيء .. ولا في شيء ..
وكان إذا أثنى عليه في وجهه يقول :
والله إني إلى الآن أجدد إسلامي ..
كل وقت وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً ..
والتواضع لرب العالمين .. على قسمين :
الأول : تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بعمله ..
معتقداً أنه محض فضل الله .. وبضد هذا التواضع يقع المرء في العجب بعمله ..
الثاني : أن يزدري المرء نفسه ويحقرها عندما يتذكر ما اقترفت من الإثم والمعاصي ..
حتى لا يرى أحداً وإلا وهو دونه ..
ومن عجائب هذا الباب ما ذكره الإمام الذهبي عن الإمام سفيان الثوري ..
فإنه آجر نفسه من جمال إلى مكة .. فأمره أن يعمل خبرة .. فلم تأت جيدة ..
فضربه الجمال .. فلما قدم مكة اجتمع عليه الخلق يسمعون منه وينهلون من علمه ..
فسأل الجمال فقيل له هذا الإمام أبو عبدالله سفيان ..
فلما انفض الناس عنه .. تقدم إليه وقال :
لم نعرفك يا أبا عبدا لله ..
فقال : من يفسد طعام الناس يصيبه أكثر من ذلك ..
تحياتي
...........