يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات وادي العلي الخاصة > ساحة صدى الوادي

ساحة صدى الوادي المواضيع الخاصة بوادي العلي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 11-09-2010, 05:08 PM   رقم المشاركة : 1
مساعد بن أحمد بن علي العباسي "أنا انت وانت أنا"


 

مساعد بن أحمد بن علي العباسي
بقلم: د. سعيد بن عطية أبو عالي

"أنا انت وانت أنا"
هذه العبارة اشتركنا في صياغتها مساعد – رحمه الله – وأنا خلال الفترة 1374-1375هـ للتعبير عن علاقة كل منا بالآخر. مساعد ينتمي إلى أسرتنا بعلاقة رحم من قبل والدته رحمة بنت عبد الرحمن وجدته لأمه هي عمتي حمدة بنت مسفر أبو عالي وأبوه أحمد بن علي العباسي – رحمهم الله –.

مساعد كان باراً بوالديه وهو وحيد أمه.. وله إخوة من والده كان يحبهم حباً كبيراً ويكن لهم الاحترام وهم على ما أذكر عبد الله وسعد وسعيد رحمهم الله. مساعد كان ينادي كل واحد من أهالي المقاضية وأهالي وادي العلي بعبارة (خالي) فأخواله المباشرين هم أحمد وعبد الله وسعد أبناء عبد الرحمن من أهالي قرية المناشلة إحدى قرى المقاضية وجدته لأمه كما أسلفت هي من أسرتنا وبذلك كان يعتبر الجميع أخواله.

كان كثير التردد على بيت خاله أحمد بن عبد الرحمن وكثيراً ما كنا نلتقي في هذا البيت. التقيت مساعد لاول مرة بعد ظهر يوم الاثنين السابع من شهر محرم الحرام عام 1371هـ الموافق 8 أكتوبر 1951م بالسنة الرابعة بمدرسة بني ظبيان الإبتدائية في بيت ابن جار الله في قرية الحوفان احدى قرى عرا حيث تم قبولي بالمدرسة. جلست كما يقتضي الأمر في الصف الأخير من الفصل. نفترش الحصير المصنوع من سعف النخيل على الأرض. كان بالفصل خمسة صفوف وفي أول الصف الأول كان يجلس طالب اسمه (مساعد العباسي) وفهمت أن ذلك المساعد هو الطالب الأول على الصف وعلى المدرسة. وعلى يمينه كان يجلس طالب آخر اسمه (علي الكردي).

مرت الأيام والأسابيع والشهور وتمت بيني وبين مساعد علاقة تنافس شريف ومودة متبادلة. كنا نخرج يومياً في الفسحة الكبيرة بعد الحصة الثانية نتبادل الأحاديث ونناقش سوياً بعض الدروس. كانت الفسحة الكبيرة فرصة لجميع الطلاب يتناولون إفطارهم وهو عبارة عن قطعة خبز يحملها كل طالب من بيته ولكن مساعد وقليلون معه كانوا يحضرون شيئاً من السكر مع الخبزة. ويتميز مساعد أيضاً، وقليل جداً من الطلاب، بأن خبزته من الحنطة الصافية. غاية الترف.. كنا.. مساعد وعلي الكردي وأنا نتشارك الخبز ويجود علينا مساعد بما معه من سكر يذيبه في الماء ونغمس فيه خبز الحنطة، والمشعورة (خليط من الحنطة والشعير) والبلسن (أي العدس) وكان معنا رحمه الله كريمأً فلامنَّة ولا تميز وهذا من سجية الكرم عنده والتي تجلت فيه عندما شب وأصبح رجلأً.

المنافسة في الدراسة بيني وبينه كانت قوية فقد قدمني استاذنا المليص إلى الصف الأول وتناوبنا المقعد الاول في الصف الأول وكذلك الأولوية على طلاب المدرسة كلهم، هو وعلي الكردي وأنا، ولكني ظفرت بهذا المركز مرتين في سنتين دراسيتين حتى تخرجنا الثلاثة في نهاية السنة الخامسة وتوظفنا مدرسين.

الوظيفة فرقت بيننا.. مساعد عمل مدرساً بنفس مدرستنا، وعلي الكردي عين مدرساً ومديراً بمدرسة الجبل والرمادة وأنا عينت مدرساً بمدرسة بني سالم. وفي منتصف عام 1374هـ انتقلت للعمل بمدرسة بني ظبيان الإبتدائية حيث التقيت مساعداً للمرة الثانية.

تبادلنا الكتب للقراءة.. اعتمد علينا أستاذنا المليص في تدريس الطلاب. وكان مساعد وأنا كذلك غير راض عن وضعه الدراسي والوظيفي. كان كل منا يشعر أنه كان بإمكانه الدراسة في مستويات أعلى مما وصلنا إليه.. وأن عمل كل منا ليس في التدريس ولكنه في مكان آخر.. ما هو العمل؟ وأين مكانه؟؟ لا ندري.

نصعد في عام 1375هـ كل أسبوع مرة واحدة على الأقل بعد نهاية عملنا إلى قمة جبل مشوف (بفتح الشين وتشديد الواو وكسرها) المجاور لقرية عرا والمطل على العباس ووادي العلي وإلى ماشاء الله من جبال بيضان وقرن ظبي في زهران. هذا الجبل في تقديري هو أعلى جبل في منطقة الباحة وعلى قمته الآن يتشامخ برج (آريال) التلفزيون. نجلس ونستمتع بالشمس قبل غروبها، ونجيل أنظارنا بين الأودية والشعاب الخضراء الخلابة.. بل إننا كنا نسعد ونضحك ونحن ننظر إلى حقول القمح والشعير وهي تتمايل مع الريح في حركة جميلة تسر الناظرين. نتحدث كل يوم عن وضعنا العلمي والعملي. نشعر بالمرارة لأننا لا نستطيع الحركة فقد أصبح كل واحد منا مصدر رزق لأهله بما يصرف له من مرتب شهري (209 ريال شهرياً راتب كل منا). كيف نترك أهلنا؟ بل كيف نضطرهم على العودة إلى حياة الشظف والحاجة؟ ولكن السؤال الأصعب يبقى لدى كل واحد منا: ومصيرنا؟ ما هو؟ وكيف نطور أنفسنا؟ نعود ونعزي أنفسنا بقراءة ما يتسنى لنا بالصدفة وبغيرها من الكتب والمجلات المصرية.

في أصيل ذات يوم قلت له وعلى هضبة الجبل الأشم، مشوف: مساعد! والله إني أحبك وأحترمك. أجاب الشهم ذو الخلق الرفيع بقوله: والله إني أشعر نحوك بمحبة أكثر وتقدير أكبر. ضحكنا وجاء وقت التماهي الأدبي والروحي فقال لي: أشعر أني أنت!! أجبته بنفس العبارة فقال: إذاً أنا أنت وأنت أنا.

انتظمنا لدراسة كتاب (فقه السنة) للشيخ العلامة السيد سابق رحمه الله ولمدة ساعة ولمرتين في الأسبوع على يد الشيخ محمد بن حمود اليماني رحمه الله وإذا غاب الشيخ اليماني ينوب عنه أستاذنا سعد بن عبد الله المليص. كان درساً ماتعأً مفيدأً تتخلله إشارات ومناقشات في تفسير القرآن الكريم وبعض قواعد النحو وإعراب أبيات من الشعر.

مضت أيام وشهور.. ونحن نتعاون ونقرأ ونفكر ونحزن ونمت لدينا فكرة لا أذكر كيف نمت وأين ظهرت ولكنها برزت. الفكرة هي أن نضحي بالراتب ونهرب إلى الرياض للدراسة في المعهد العلمي بالرياض الذي يرأسه (كما عرفنا) سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله. درسنا الفكرة ووجدنا أنها تحتاج إلى مال.. ورسمنا وقت الهروب على أن يكون في عطلة عيد الحج بحيث نذهب إلى مكة بدعوى أداء فريضة الحج.. ومن هناك نهرب.

عرضنا الفكرة على زميلنا الأستاذ محمد بن علي العبد الله واستحسنها واتفقنا على اللقاء بمكة حجينا مساعد وأنا. مساعد مع أخيه سعد وأنا مع ابن عمي الأستاذ علي (دغسان) بن سعد أبو عالي رحمهم الله جميعأً ومحمد العبد الله حج أيضاً مع نفر من أهل قريته.

عدنا إلى مكة واجتمعنا ثلاثتنا.. وناقشنا أمور الرحلة التي ستأخذنا آنذاك إلى الرياض؟ يلزم كل منا توفير ثلاثمائة ريال تحت الحساب منها شراء تذاكر لنهرب بالطارئرة من جدة.. وهذه أسرع وسيلة توصلنا إلى الرياض التي سنختفي فيها فترة عن أنظار الأقارب والمعارف والأصدقاء لكيلا يعيدونا إلى قرانا. محمد العبد الله – حفظه الله – دراهمه في جيبه أما مساعد وأنا فليس لدينا أكثر من عشرة ريالات. قام كل منا باقتراض المبلغ من صديق. مساعد اقترض من آل غنيم وكانوا تجاراً في شارع الجودرية وهم أصدقاء والده وأنا من صديقي سعيد بن حمدان بن حجيش وكان لديه دكان بالسوق الصغير بمكة.

اخترنا وقت الهروب في اليوم الذي تصادف أن يسافر فيه دغسان وسعد العباسي إلى الديرة.. وكل منهما في سيارة مستقلة لأن كلاً منهما يحتاج لتجارته سيارة مستقلة مع بعض الركاب. كان يوم اثنين في أواخر شهر الحج عام 1375هـ.

صلينا الظهر بالحرم الشريف وذهبنا دغسان ومساعد رحمهما الله وأنا (أسأله تعالى أن يرحمني والمسلمين معهما) خرجنا للغدا في مطعم بسوق الليل وشربنا الشاي في قهوة مجاورة ثم عدنا إلى الحرم كما رسم ذلك دغسان لنطوف طواف الوداع ونصلي العصر ثم نذهب إلى حي الخريق حيث تقف السيارات متأهبة لرحلة العودة إلى الديرة.

دخلنا الحرم واقترحنا على دغسان أن نصلي ركعتين ثم ننام قليلاً لانه مايزال معنا سعةً من الوقت. عندما غفت عينا قائدنا دغسان تسللنا للهرب واقترحت على مساعد أن نطوف طواف الوداع ونقرن سنة الطواف بدعاء الإستخارة. عندما انتهينا أسرعنا إلى موقف سيارات أجرة مكة – جدة وصادفنا أول سيارة للأخ يحيى بن صوهد أمد الله في عمره وركبنا وسألنا إلى أين وقلنا له إلى جدة للفسحة حتى يحين افتتاح الدراسة أول محرم.

اكتمل عدد الركاب وفي اللحظة التي يفتح فيها يحيى باب سيارته شعرت أنا بأن دغسان يملأ عليَّ المكان!! التفت فإذا هو قادم من جهة الحرم ويشير بعمامته وينادي: يا يحيى.. يا يحيى!!

طلبت إلى يحيى تحريك السيارة.. فقال ألا ترى ابن عمك قادم ويناديني.. وهنا انتهت وتلاشت كل الحيل.. ولا حول ولا قوة في كل وقت وكل مكان إلا بالله سبحانه وتعالى. ولدهشتي وصل دغسان وعمد إلى باب السيارة الأيمن حيث أجلس وفتحه ونهزني إلى الخارج. مشيت وراءه في صمت مهيب وعدنا للباحة وعدت لعملي لا هو (كبير العائلة) لامني ولا أنا تعتبت عليه!! وبعد ثلاث سنوات وبالطائف وجهت له السؤال التالي: عندما حاولت أهرب إلى الرياض كيف استيقظت من نومك وكيف أتيت رأساً إلى الباب الذي كنت أنا أجلس في السيارة بجانبه؟!! أجاب بإبتسامة: (لقد رأيت في منامي رجلاً يقول لي: يا دغسان انتبه! ترى سعيد ولدكم هرب إلى الرياض.. الحقه قبل أن يتوجه إلى جدة.. استيقظت وبدون تفكير أسرعت إليك) ثم أفصح لي رحمه الله عن ندمه على ما فعل بي لأنه لا يعلم – كما قال لي – أين يقع الخير!!

زميلاي أكملا تنفيذ الخطة ولكن محمد العبد الله عاد بعد شهرين تقريباً وانتظم للتدريس معي بالمدرسة ولا سألته – يا سبحان الله – لماذا عاد؟؟ وماذا فعل؟؟ ولا عن مساعد!!

أما مساعد بن أحمد العباسي رحمه الله فقد التحق بالكلية الحربية بالرياض وبعد سنة فيما أذكر لم يقر له قرار فترك الكلية وغادر إلى المنطقة الشرقية والتحق بوظيفة في بلدية الدمام ظل فيها لسنوات ثم انتقل للعمل بوزارة الزراعة في الرياض. وفي هذه الأثناء تزوج من بنت خاله عبد الله (عجير) بن عبد الرحمن وهي أخت اللواء عبد الجبار بن عبد الله حفظه الله. فتح مساعد بيتاً مستقلاً بالرياض يضم والدته وزوجته.. وهناك ولد ابنه أحمد حفظه الله. أضحى بيت مساعد ملاذاً لأقربائه وأصدقائه الذين يصلون إلى الرياض وامتلأ بيته بالمودة والمحبة التي بذلها لوالدته رحمها الله فقد كان حريصاً على رضاها وعلى مواصلة جميع أقاربها.. وكانت فيما أعلم تلهج بالدعاء له ولزوجته ولأولاده حتى توفاها الله سبحانه.

تدرج مساعد في عمله بالوزارة حتى أصبح رئيس قسم ورقي إلى المرتبة الخامسة حسب الكادر الإداري القديم.. وهذه المرتبة لا يتسنَّمها إلا الجامعيين ولكن أبا أحمد استحقها وأكثر منها بإخلاصه وتفانيه وحسن معاملته. وكان رجل مسؤولية فقد أصبح رئيس قسم بالوزارة ولقد زرته في مكتبه على ما أذكر في عام 1388هـ ولأول مرة أرى أحداً من أبناء منطقتي يحتل مكتباً كبيراً تتصدره منضدة فارهة يجلس عليها مساعد والمقاعد الوثيرة تحيط بجوانب المكتب.. والستائر تتدلى على النوافذ وبجانبه تلفون يستقبل فيه مكالمات ويرسل منه أخرى. وقريب منه (جرس) ينادي بواسطته على موظف يحضر القهوة العربية والشاي لضيوفه.

كان مساعد يومها سعيدأً بوصولي حفيأ بي ويقول لي أنت بانحيازك للدراسة وطلب العلم تحقق آمالي وآمالك ولكن لا غرابة فأنا أنت وأنت أنا. وهكذا بقي مساعد كبيراً بمركزه الاجتماعي والأسري فقد خلف أباه خير خلافة.. وكبيراً بإخلاصه في عمله وقد أصبح من أركان المسؤولين بوزارة الزراعة وكبيراً بآماله وطموحه فهو لم يتخل فكرياً عن مسيرة التقدم والنهضة من خلال العلم والتضحية في سبيله. كان مساعد يوم زرته مبتهجأً بمعالم النهضة التي تشهدها البلاد آنذاك وكان يتصور لبلادنا رقياً لا يخطر على بال أحدنا كما قال لي وذلك بفضل الله ثم بإخلاص القيادة وعلى رأسها جلالة الملك فيصل رحمه الله وبما تحويه بلادنا من ثروات.

كررت زيارتي له في مكتبه أيامأً ودعته في أحدها وعدت لإكمال سنتي الدراسية الأخيرة بالكلية حيث عينت معيدأً ثم سافرت إلى أمريكا.. وفي عام 1494هـ قابلته بالرياض وكان يعمل بالقطاع الخاص. مساعد أقام عائلةَ تفرعت عن أسرة أحمد بن علي العباسي وكذلك فعل إخوانه عبد الله وسعيد وسعد رحمهم الله.

انتقل للعمل والإقامة في جدة.. وكان فيها مثلاً للأخلاق الحميدة مع كل الناس وهكذا كان بأخلاقه ودوداً لذوي القربى.

له أبناء وبنات كلهم حقق نجاحأً في الحياة. أحمد بن مساعد بن أحمد بن علي العباسي أكبرهم وهو يقود إخوانه وأخواته بنفس القيم والمثل التي ورثها عن أبيه. حفظه الله وحفظ أخوانه وأصلح لهم الذرية والعمل ولا حرمهم من البر بوالدتهم ومن الدعاء لأبيهم كلما ذكروه.

رحم الله مساعد بن أحمد العباسي رحمة واسعة وجمعني وإياكم وذويه به في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى من الجنة إنه سبحانه على ما يشاء قدير.

 

 

   

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:20 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir