اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوفارس
لم يكن يدور بخيالي في مامضى .. أنني ساعيش يوماً بالشرقية ..
والان أكملت واحد وعشرين سنة .. بالجبيل . ولا أعرف كيف مرت .. وتسرب معها العمر
.
|
أبو فارس أنا ما أدري وش اللي ( نقزني ) بصدى الوادي .. إنها مشيئة الله تعالى ثم الأقدار أيضا
في مقولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال أنه كان يستشير الشباب ( لحدة في عقولهم ) .. لقد لفتت نظري هذه المقولة من قريب وعندما أقيس تصرفاتي في سن ( 17- 18- ) سنة أجد قراراتي لمسار حياتي تلك الأيام أفضل بكثير من القرارات التي إتخذها الآن من حيث الجرأة والتخطيط .
صدقني أنني استخدم تلك المقولة الآن مع إبني ثامر الله يحفظه في حدود العشرين من العمر .. وأعطيه خيارات متعددة وأنتظر الجواب .. فأجد مالا يخطر ببالي من أسباب يطرحها وأجد ضالتي على طول
تلك المقدمة والأقدار تذكرني عندما كنت ساكن بمدينة الظهران وأداوم يوميا بتكسي إلي مدينة الدمام كطالب بمعهد المعلمين ..عندما أمضيت السنة الأولى والثانية بالدمام .. ثم فكرت أين استقر؟ ؟ وفي أي مدينة ؟؟ عام 1388 هجرية فاخترت مدينة الطائف وأكملت دراسة الصف الثالث بالطائف لعدة أسباب .. أولا أنها مدينة لها سمعتها وشهرتها .. ولأنها قريبة من أهلي بالباحة.. ولم أفكر للإتتقال للباحة ليقيني أنها ليست بمدينة تصلح للإستقرار والحياة فيها - آنذاك - أقرب للتخلف .. ولم أختر مدينة جدة لوجود أخي الأكبر بها ولرغبتي أن يعيش كل واحد مستقلا بذاته أما بقية المدن فليس لي بها أية صلة
لذا فقد مضى بي القدر لأكون طائفيا لمدة أربعين عاما - بمشيئة الله أولا وأخيرا - ولو عادت بي الأيام لأخترت نصف المدة فقط بالطائف والنصف الآخر بمكة أو جدة .. كما فعل الكثيرون من المعارف .. اليوم أنا بالشفا مع عدد من الأقارب .. وأنظر للجبال والشجر والصخور الوردية الجميلة والهواء العليل لا برد ولا حر مع سرعة الوصول لهذا المكان وغيره من الأماكن ووجود كل الإحتياجات الموجودة بجدة .. أهم شيء : لا يوجد أزمة سير .. تستطيع أن تقضي عدد من المشاوير في عصرية واحدة .. وأحاول أن أقنع نفسي أن الطائف ( مزبوط ومافيه شيء ) لكن عندما أنتقل لمكة وجدة أحس بنشاط في جسمي غير عادي
++++++++++++++++++++++++++
نعود للطائف :
نقلت للطائف فعلا ودرست السنة الثالثة بمعهد المعلمين .. وكانت نقلة ملؤها الفخر والإعتزاز .. الطائف في تلك الفترة مدينة غير عادية بجمالها ونشاطها ووجود متغيرات لم تكن بأي مدينة أخرى ومنها :
المعهد بمبناه الفخم على الطريق العام أشاهده أثناء قدومي من الدمام ثم الرياض - الطائف .. مظهره يوحي لك بأنه أرقى من الجامعة .. وقد علمت فيما بعد أن من تصميم اليونسكو هدية للسعودية بإعتبارها من الدول المحتاجة .. السكن في الشهدا مباني مسلحة ونظيفة ورخيصة ( السنة الدراسية ستمائة ريال ) .. المدينة منظمة وشوارعها نظيفة .. الفاكهة وبالذات العنب شيء غير معقول طعمه وأنواعه ورخص ثمنه .. أحيانا نجنمع نحن الطلاب ونفطر تميس وعنب .. المطاعم منتشرة في كل مكان .. ويوجد أكلات ما وجدتها في الشرقية .. منها المطبق والفول والنواشف والشريك ..والتميس ( قبل ما يجي القرموشي يا سي عبد الحميد ).. وهناك القهاوي .. قهوة أبو لسة والرمادي وقهوة المداس ( اسم صاحبها وهو الذي اختار هذا الإسم .. بكيفه ) وقهوة بور سعيد .. أما الجمال كله نجده عندما نرحل للهدا تحت اشجار العرعر - قبل ما ( يتمعطون ) كل شيء الآن .. حتى الصخور ما سلمت من الأذى دمروها بالمخلفات ) .. في شمال المدينة جهة الحويه هناك مسطحات من الأراضي المنبسطة بها بعض المقاهي ( تسمع القهوجي : اربع أسود .. منعنش ) .. وفي الجنوب منتزهات وبساتين لية .. وفي غرب المدينة بساتين المثناة وبعض القصور القديمة للأشراف .. أما قصور الأمراء فتنتشر في حي قروى ومعشي والخالدية وبداية شهار .. هنا تشعر بأنك في مدينة راقية
مما لفت نظري بالطائف لهجة الحضر .. والأجمل قدوم أعداد هائلة من سكان مكة نشاهدهم في بداية الصيفية على شكل سرب طويل طالعين بعفشهم من الهدا .. وهكذا تنتعش الحياة في الطائف بوجود هولاء الضيوف الراقين والأغنياء .. تندهش أكثر بمشاهدة تلك السيارات الفارهة التي تفد مع قدوم الأمراء والوزراء وحاشيتهم وكبار موظفي الدولة والمراجعين وذوي الحاجات والديوان الملكي بأكمله في الصيف ..
في الصيف أيضا : تقوم حفلات الزواج في الشوراع ... يسدون الشارع ويعملون منصة من خشب ونستمتع بالطرب الحجازي والمواويل .. ويتغنون بشتى أنواع المجسات والكلمات .. ترسخ في ذهني ما سمعت من حكايات عن الزحاليق في ( القديرة ) وما كان يقال عن مرتاديها والتغني بها ومنها :
- بالله.. يا دول القماري
- في القديرة والرقاب
- لي معاكم.. وِلْف شارد
- ذقت بعناده العذاب
- ياما في الزهرة جلسنا
- ع الخضار.. نشكي صبابه
- تحت ظل الورد ياما
- اجتمعنا في الهدا
- ياما قضينا عصاري
- نمشي فيها على الهدا
- في طريق القيم صخرة
- للقماري خط فيها
- ياما رحناها معاكم
- كم تزحلقنا عليها..
- بالله.. يا دول القماري.. يا قماري : بالله قولوا له .. قولوا له .. أنا في عرضه .. وطوله
أما حفلة العشاء نفسها فلأول مرة نسمع بالرز البخاري والطرمبة والسمبوسة .. هنا أيضا تسمع بالقبائل : القرشي والسفياني الطلحي والنفيعي والثبيتي والصخري والسالمي والثمالي والقثامي .. وقد نشاهد عرضات شعبية لتلك القبائل أشهرها المجرور لأهل الهدا .. تقام أحيانا في الحارات الداخلية والأراضي الفضاء يسمونها ( برحة ) والفرجة متاحة لكل قادم لا توجد زحمة ولا أي نوع من المضايقة
الحقيقة وصولي للطائف كان نقلة نوعية وجميلة .. جمال المدينة ونشاطها لا يقارن بما كنت عليه بالدمام .. ولا بالرياض التي كنا نمر عليها فلا يوجد بها مايسر من أي مظهر جمالي مع عدم ارتياح نفسي . . وكنت أثناء وصولي للهدا قادما من مكة أو جدة أشعر بالإنتعاش صعودا من الهدا ليقيني أني قادم على مدينة جميلة ومنظمة ونظيفة وبها كل متطلباتي
هذا ما وجدته بالطائف عندما انتقلت إليها أول سنه عام 1390 هجرية .. وتلك انطباعاتي ومشاعري .. فهل تستحق مني هذا التواجد ؟؟