“ كَجِلْدِ الأجْرَبِ ”
الـجَرَبُ أحدُ الأمراضِ الجلديّة، التي تصيبُ الإنسانَ وبعضَ الحيوانات مِثْل: الكلابِ والقطط والـجِمَال. وارتبطَ الـجَرَبُ في ذهني ببيْت شِعرِ الشاعرِ العربـيِّ لَبِيد بنِ ربيعة بنِ صَعْصَعَة العامِرِي :
ذَهَبَ الذينَ يُعَاشُ فـي أكْنَافِهِمْ
وَبَقِيتُ فـي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
ومعنى البيت» ذهبَ الذين يستحقُّون أنْ يعيشَ بِجِوارهِم وبينهَم، وبَقِيَ في خَلَفٍ بعدَهُم كجلدِ الأجْرَبِ، يصعُبُ العيْشُ بينهم» وقيل: « إنّ الشاعرَ يَذِمُّ زمانَه، الذي ذهبَ بأشرافِ القَوْم وعقلائهم، وتَرَكَ به السُّفَهاءَ والـحَمْقَى، فَهُوَ يتحسّرُ على أُناسٍ قد عرَفَهم، كانوا مِن خِيارِ القَوْم، فأنكرَ على جيلهِ الذي فيهِ، أنْ ليسَ فيهم مِثْلُ أولئكَ الأوائِل»، وَرُوِيَ أنّ عائشةَ بنتَ أبـي بكر الصديق رضي الله عنهما، أنشدتْ بَيْتَهُ هذا ثُمّ قالتْ:» رحِمَ اللهُ لبيداً، كَيْفَ لَوْ أدَركَ زماننَا هذا؟».
في كل مجتمع بشري مَنْ يتمنى المرءُ ألا يعيشَ معهم، وألا يكونَ بينهم، فهو يشَعُرُ بالغربةِ بعدَ فَقْدِه لِمَنْ تميزِوا بالحِنْكة والـحِكمة، ومَنْ إذا دخلَ معهم في نقاش أو حِوار، وجدهم ارتكزوا» على ثقافة مكثفة، واسعة، عميقةِ الصِّلَة بالعطاءِ الإنسانـي، وتراثِه، وتاريخِه» وليس على ثقافة الكَذِب، والنِّفاق، والدّجَل» إذا رأيتَهُم ينطبقُ عليهم قَوْلُ لَبيد.
وفي كل مجتمع بشري مَنْ لا يتعظ بغيره، ولا يأخذُ العِبَر من التاريخ، ولا يتخلّق بالأخلاق المحمودة للرِّجال، ولا بأخلاق الفُرْسان أو رُعَاةِ الإبل «وإذا تولّـى سعَى في الأرضِ لِيُفْسِدَ فيها ويَهْلِكَ الـحَرْثَ والنّسْلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ» (سورة البقرة، الآية 205).
ومن العجيب أنْ تَجِدَ مَنْ بين هؤلاء مَنْ خذل مَنْ نصره، ورسَمَ لنفْسِهِ أبعاداً عن إنسانيته، حتى إذا رأيتَ أفعاله تجدُها رديئة، تختفي وراءها العنصرية، والتنكُّر، وتدمير كل أدوات الإنسانية، والجلوس على أنقاضها كما جلس «نيرون» على أنقاض روما وهِيَ تحترق.
أختمُ برأي للكاتب السعودي المعروف (عبد الله بن محمد الناصر):» إنّ نسيانَ الفضلِ وأهلهِ نوعٌ من أنواع الجحود، بل هو أسوؤُها، وأشدُّها إيلاماً على النفْس، سواء لِـمَنْ هُمْ لا يزالون في دائرةِ الضوْء، والقوة، والمحافظة على مواقعِهم، وأماكنِهم، أو أولئك الذين رُبمّا أنّ ظروف الحياة، وشؤونـها، غيّرت شيئاً من أحوال بعضِهم».
رحِمَ اللهُ عائشةَ القائلةَ:»رحِمَ اللهُ لبيداً، كيْفَ لَوْ أدركَ زمانَنَا هذا ؟» اسألوا اللهَ العافيةَ.