استنوق الجمل :
مَثَلٌ عربيٌ قديم ورد على لسان طرفة بن العبد ، والرواية تقول أنّ الشاعر الجاهلي المسيّب بن علّس قال قصيدة يمدح فيها قوما وعندما وصل في قصيدته إلى البيت الذي يقول :
وقد أتناسى الهم عند احتضاره - - - بناج عليه الصيعريّـة مُكـدم
قاطعهُ طرفة بن العبد قائلا : استنوق الجمل ، وكان طرفةُ ما يزال صغيرا ، فقال المسيّب من هذا ؟ فقالوا طرفةُ بن العبد ، فقال ليقتلنّهُ لسانُه . قيل (والله أعلم) فضحك النّاس فقال المسيّبُ : مدحتكم فأفرطتُ في مدحكم حتى جعلتُ المذكرَ مؤنثا .
(( والمثل من ذلك الحين وإلى اليوم وهو يقال أو يُضربُ لمن يفعل أفعال الإناث وهو مذكر ))
أمّا طرفةُ صاحبُ المثل فقد كان له ما توقعه المسيّب ، حيث قُتل بأمرٍ من الملك عمرو بن هند وهو ولم
يبلغِ السادسة والعشرين من عمره .
وقصةُ موته أنّه ذهب في زيارة لملك الحيرة عمرو بن هند وكان عند الملك خاله المتلمس وبعد فترة الزيارة كتب الملك لكلٍ من طرفة والمتلمّس كتاباً إلى المكعبر عامله على البحرين ولمّا كانا ببعض الطريق فكّر المتلمسُ في فضّ الرسالة التي معه ليعرف ما فيها فإذا فيها : باسمك اللهم.. من عمرو بن هند إلى المكعبر.. إذا أتاك كتابي هذا من المتلمّس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً . فألقى بالرسالة في النهر ، أمّا طرفة فرفض أن يفتح رسالته واستبعد أن يكون قد نوى له الملك إلا خيرا ظنّا منه في نفسه ، وسار برسالته حتى قدِم على عامل البحرين ودفع إليه بالرسالة فإذا فيها أمرٌ بقتله .
قيل نفّذ فيه أمير البحرين القتل وقيل : أوعز إلى طرفة بالهرب لما كان بينه وبين الشاعر من نسب ، فأبى . فحبسه وكتب إلى عمرو بن هند قائلاً : "ابعث إلى عاملك من تريد فاني غير قاتله".
فبعث إليه ، وعندما مثُل طرفة بين يديه قال له: "إني قاتلك لا محالة .. فاختر لنفسك ميتة تهواها".
فقال: "إن كان ولا بدّ فاسقني الخمر وأفصدني". ففعل .