يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-10-2011, 01:23 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


أيها المسلمون:
من خصائص هذا الدين: أنه مجتمعٌ ربَّاني، فالإسلامُ يُنظِّمُ شؤونَه العامة، سِياسية واقتصادية؛ فحياةُ المجتمع مُرتبطةٌ بهذا الدين لا بأهواء الناس وآرائهم وما يهوَون وما يُحبُّون.
من خصائص هذا الدين: أن القِيَم والأخلاق المعنوية مُقدَّمةٌ على المصالح المادية، فالمصالحُ المادية مهما تنوَّعَت أجزاؤها لا بُدَّ لقبولها ألا تُخالِفَ قواعِدَ الشرع وقِيَمه وأخلاقَه.
من خصائص هذه الشريعة: أنه مُجتمعٌ دينيٌّ ومدنيٌّ في آنٍ واحد، فما في الإسلام تفريقٌ بين الجِنسَيْن، فالمؤمنُ يُصلِّي ويصوم ويُزكِّي ويحُجُّ ويذكُر الله، تراه في متجَره، تراه في مركزه البحثي اقتصاديًّا زراعيًّا طبيًّا صناعيًّا، تراه دائمًا في كل شؤون الحياة، فدينُه يدعو إلى ذلك أن يكون مؤمنًا صالحًا نافعًا لمُجتمعه، قائمًا بما طُلِب منه.
هكذا المسلم - أيها الإخوة -، فإنه مجتمعٌ مدنيٌّ ودينيٌّ في آنٍ واحد.
أيها المسلمون:
هذه الخصائص والمُميِّزات لهذا المجتمع إنما تُؤثِّر إذا كملت جميعًا بجميع أجزائها، وإنما تتَكامَل إذا أدَّى كلُّ فردٍ منا واجبَه الديني ومسؤوليته الاجتماعية وأمانته الوظيفية؛ فالأبُ يُؤدِّي واجبَه نحو أبنائه تربيةً وتوجيهًا.
والمُعلِّم يُعلِّمُ تلاميذَه، ويغرِسُ فيهم حبَّ الخير، ويُعاملهم معاملةً نافعةً والطريقة المُستقيمة.
المُفتون ودُعاة الخير يُفتون الناسَ في أمور دينهم، ويحُلُّون قضاياهم، ويُجيبون عن مشاكلهم ونوازلهم بما يُوافقُ الكتابَ والسنَّة وقواعدَ الشرع العامة.
الوُعَّاظُ والدعاةُ إلى الله يدعون إلى البرِّ والتقوى، ويُحذِّرون من السوء، ويربِطون الأمة بقيادتهم علماء وقادة.
الآمِرون بالمعروف والناهون عن المنكر ورجالُ الحِسبة يقومون بواجبِهم بتوجيه المجتمع، وإصلاح الأخطاء، والأخذ بيدِ المُخطِئ وتوجيهه بحكمةٍ وموعظةٍ حسنة وطريقةٍ سليمة إقناعًا له ليبتعِد عن الشر عن قناعةٍ وعلمٍ بأن هذا ضرُره وأذاه.
الإعلاميُّون يقومون بواجبِهم خدمةً لدينهم وقضايا أمتهم، وينشُرون ما فيه الخير للخلق في دينهم ودنياهم، مع الالتزام بالصدق والدقَّة في الأحداث والأخبار.
رجالُ الأموال يُنفِقون من أموالهم ما فيه صلاحُ الأمة، ويُوظِّفون أموالَهم بما يُسعِدُ الأمة في حاضرها ومُستقبلها.
رجالُ الاقتصاد مهمتهم النهوضُ بالأمة اقتصاديًّا وإبعادهم عن الربا، والنهوض بها علميًّا وصناعيًّا وزراعيًّا وطبِّيًّا.
رجالُ السياسة يقودون المجتمعَ المسلمَ ليكون أقرب إلى الصواب والحق، وبالعلاقة الخارجية يُقيمون علاقةً ودِّيَّة وتعاوُن فيما يُصلِح الأمة ويدفَعُ عنها الشر والبلاء.
رجالُ الأمن يقومون بواجبِهم بالوقوف لحفظ الأمن، والأخذ على يدِ المجرمين والمُفسدين والعبِثين بأمن الأمة وحماية الثُّغور.
رجالُ القضاء يُقيمون قواعد العدل والإنصاف في إيصال الحقوق إلى أهلها، المُنفِّذون لأمور الدولة ما يضعون من لوائح وقرارات تكون مناسبةً ُوافِقُ شرعَ الله، ولا تختلفُ مع شيءٍ من تعاليم الإسلام.
المُوظَّفون في الدوائر الحكومية يُؤدُّون واجبهم الوظيفي عن صدقٍ وأمانة مع البُعد عن المِنَّة والرِّشوة.
الرجل الدبلوماسي المسلم يقوم بتمثيلٍ حقيقيٍّ لبلاده، ويحمل رسالةً صادقةً عن أمته ودينه، ويتحلَّى بالأخلاق الفاضلة، ويُدافِعُ عن قضايا دينه.
أمة الإسلام:
يمرُّ العالمُ الإسلاميُّ اليوم بمراحل من أخطر ما يرى المؤمنُ في حياته، ويُواجِهُ ظروفًا وتحدِّياتٍ صعبة، ويُعاني من انقسام وتفكُّك بين أبنائه ونزاعٍ بينهم، وتدخُّلٍ سافرٍ في شؤونه، وهجومٍ شرسٍ من أعدائه، ويُحزِنُ المسلمَ ما يُشاهِدُه من هذه الفوضويات والبلاء التي أدَّت إلى انعِدام الأمن، واختلال النظام، وتعثُّر الحياة اليومية ومصالح الأمة، وما حصل من تبديد للأموال ونهبٍ للمُمتلكات وسفكٍ للدماء البريئة، حتى فارقَ بعضُ المسلمين ديارَهم فرارًا من تلك الفتن والمصائب.
إنما يقُضُّ مضاجع العبدِ المسلم الذي يحمِل غيرةً على عقيدته، وشفقةً على أمته، ورحمةً من هذه الدماء تُسفَك بغير حقٍّ.
ولنا في هذه الأحداث الأليمة المُحزِنة وقفاتٌ لنتوجَّه بها إلى المعالم للخروج من هذه الأزمات والتحدِّيات العظيمة:
فأولاً: لا يخفى على المسلم أن سرَّ قوة الأمة الإسلامية وصمام أمانها: تمسُّكها بكتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فكلما تمسَّكت الأمة بدين ربِّها كانت قويةً عزيزةً ثابتةً مُجتمعة، تهابُها أعداؤها ويحسِبون لها حِسابَها، وكلما تخلَّت الأمة عن دينها وانغمسَت في الشهوات والأهواء كلما ضعُف شأنُها، وانقسمَ أبناؤها، وتكالبَ الأعداءُ عليها، وهانَت في عيون أعدائها.
الإسلامُ يرفُضُ التخريب والإرهاب والإخلال بالأمن، ويرفُضُ سفكَ الدماء ونهبَ الأموال وانتهاك الأعراض، الإسلام هو الحقُّ الحالي القادر على تلبية حاجات الأمة وتحقيق مطالب أبنائها بوجود مجتمعٍ تسُودُه العدالة، وتتكافؤُ فيه فرصُ الحياة الكريمة، وتحقيق الأمور العادلة وحفظ الحقوق، الإسلامُ هو الخيارُ وحده، فأيُّ شعارٍ جاهليٍّ أو دعوةٍ إلى غير الإسلام فدعوةٌ مردودةٌ.
على المسلمين جميعًا أن يتقوا الله في أنفسهم، ويسعَوا في حل مشاكلهم من غير تدخُّل من أعدائهم، والحذَر من الفتنة الطائفية أو النَّيل من الإسلامية.
على علماء الأمة أن يقوموا بواجبهم المأمول؛ من حرصٍ على حماية المجتمع المسلم، وتقديم القرآن وبرامج واقعية لحل مشاكل الأمة وتجنيبها الفتن والمصائب.
أيها المسلمون:
على قادة الشعوب الإسلامية إقامة العدل، ومحاربة الفساد، وجعل مصالح الشعوب في أولويات مهماتهم، وعلى الرعيَّة أن يلتفُّوا حول قادتهم، ويسعَوا في حل المشاكل بالطرق السِّلمية بعيدًا عن هذه الفوضى، وسفكِ الدماء وتدمير البلاد.
أيها المسلم:
إننا إذا تأمَّلنا واقعَ هذا البلد حينما نرى اهتمام قائم الشعب وإنفاق الغالي والنَّفيس في سبيل راحة الأمة وسلامتها وتجنيبها الفتن، ثم ما نُشاهِدُه أيضًا من التِحام الرعيَّة مع رعيَّتهم والعلاقة القوية بين الراعي والرعيَّة، وما أثر ذلك من أمنٍ واستقرارٍ وثبات؛ نعلمُ أن هذا أُنموذج حقٌّ يجبُ أن تقتدي به الدولُ التي تُعاني من هذه الظروف الحرِجة، لتعلَم أن الإسلامَ هو الذي يصلُحُ لحلِّ هذه المشاكل لما فيه من التوازُن بين الأفراد كلها.
أمة الإسلام:
إن مما يُسبِّبُ القلقَ الشديدَ هذا الغزوُ الإعلاميُّ الثقافيُّ المُنظَّم الذي يرمِي إلى إضعاف العقيدة والإيمان في قلوب الناشِئة، وتمييع أخلاقهم، وإضعاف شخصياتهم، لقد ترك هذا الغزو أثرَه السيء على الشباب والناشئة، فأصبحت الشخصية غيرُ إسلامية، مجال الاحترام والتقدير عند بعضهم قلَّ ليس في الظاهر فقط؛ ولكن في تميُّع السلوك، وتميُّع الأخلاق، ونبذ الحياء، ونشر الرذِيلة.
أيها المسلم:
إن هذا الغزو المُنظَّم يحتاجُ إلى أن يُقابَل بإعلامٍ جيِّد يُكافِئُ هذا الغزوَ المُنظَّم بقنواتٍ إسلامية يقومُ عليها طاقَمٌ إعلاميٌّ جمعَ بين الشرع وفقهِ الواقع والصناعة الإعلامية، لتُوصِل كلمة الحق إلى الجميع.
أيها المسلمون:
إننا في عهد العولَمة التي يفرِضُ القويُّ ثقافتَه على الضعيف ويسعى في طمسِ هويَّته، فالواجبُ على المسلمين المُحافظة على هويَّتهم المسلمة، والثبات على مبادئهم ومُسلَّماتهم عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا مما دلَّ الكتابُ والسنةُ عليه، سواء يتعلَّق بالعقيدة، أو بالعبادة، أو بتحكيم الشريعة، أو بالحلال والحرام، أو بنظام الأُسرة وشأن المرأة، أو بالأخلاق والقِيَم، يجبُ أن نُحافِظَ على هذه محافظةً عظيمة، وألا نتنازلُ عن شيءٍ منها تحت أي ظرفٍ من الظروف، وخيرُ مطلبٍ لهذا إيجاد نِطاقٍ بين أمة المسلمين يتفقون فيه على تلك المبادئ لتكون أرضيَّةً مناسبة للتعامُل مع الأُمم والمُنظَّمات والمواثيق الدولية، في التعاوُن على العمل المُشترك النافع مع التحفُّظ على ثوابت الإسلام وقِيَمه.
أيها المسلم:
إن الفهمَ الصحيحَ للإسلام في صورته الناصِّعة وشموليَّته هي السلفيَّة حقًّا التي كان عليها أصحابُ رسول الله والتابعون لهم بإحسانٍ، وسارَ عليها أتباعُهم من الأئمة الأربعة فمن بعدَهم، هذه السلفية لها في الإسلام معالم؛ فمن معالمها:
أنها المِثال القويم، والصراط المستقيم الذي أُمِرنا به: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ[الأنعام: 153].
ومن معالمها أيضًا: أن الكتاب والسنة مصدر التشريع والعلم والمعرفة، وأن السلفية لا إلزامية، ترفضُ النَّيلَ من قُدسيَّة الكتاب والسنة وتأويلهما وتحريفهما لأَن يوافقَ العقل البشري.
ومن معالم السلفية الصالحة: أنها لا ترى عصمةً لأحدٍ من البشر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهما بلغَ من الزهد والتُّقَى والورع، فالعصمةُ لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
ومن معالم السلفية أيضًا: أنها ترى أن التوحيد هو أهم الأمور، فالبداءة به والدعوة إليه من أوجب الواجبات، لأجله خلقَ الله الخلقَ، ولأجله أنزل الكتب، ولأجله أرسل الرسل. فليس عند السلفية خُزعبلاتٌ وخرافاتٌ وتعلُّقٌ بالضرائح والشياطين والسحرة.
من معالم السلفية الصالحة: اعتمادُ فهم الصحابة للنصوص؛ لرسوخ علمهم وأخذهم ذلك من رسول الله، مع سلامة مُعتقَدهم واستقامة لُغتهم.
أيها المسلمون:
من معالم السلفية أيضًا: الفهمُ الشموليُّ للإسلام، وأنه منظومةٌ كاملة عقيدةً وعبادةً وتشريعًا وقِيَمًا وأخلاقًا سياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ وأخلاقيَّةٍ واجتماعيَّةٍ. فالسلفيَّةُ حركةٌ مُتجدِّدة تُواكِبُ العصر ومُستجدَّاته، فمن زعمَ أن السلفية جامدةٌ لا تملك رؤية الحياة ولا منهجًا لإصلاح المُجتمع ولا تملك برنامجًا لإصلاح الناس ولا منهجًا لإقامة سيادة المُجتمع؛ فقد أخطأ في هذا التصوُّر.
وخيرُ دليل على ذلك: الملكُ عبد العزيز - غفر الله له - لما أقام هذه الدولة الإسلامية الجديدة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - امتدادًا للدعوة السلفية الصالحة التي قام بها الإمامان: محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود - رحمهما الله -، أقام هذه الدولة وأرسَى قواعِدَها على أصول الكتاب والسنة، وعلى مبادئ ناصِعة، وعلى منهجٍ سلفيٍّ صالح أثمرت الأمنَ والاستقرار والطمأنينة مع الأخذ بمُستجدَّات العصر وتطوُّراته في كل المجالات، حتى أضحَت الدولة دولةً يُشارُ لها بالبَنان، مع تقدُّمها وما حظِيَت بالرُّقِيِّ مع التحفُّظ والتمسُّك بهذه العقيدة السلفية الصحيحة.

يتبع

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-10-2011, 01:24 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


أيها المسلمون:
إن هناك دعواتٍ تجري في بعض الدول الإسلامية تُنادِي بالحرية، بالعدالة، بالمُساواة، تحت مُراد الديمقراطية. نقول لهؤلاء: إن الإسلام سبق تلك المبادئ كلها من أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن، وطبَّقها في أرض الواقع في حياةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، ولكن مفهومُها في الإسلام غيرُ مفهومها في النُّظُم البشرية:
فالحريةُ في الإسلام: تحريرُ العبد من عبادة البشر، ومن عبادة المشاهد والقبور، ومن أسرِ الهوى والشهوات إلى أن يكون عبدًا صالحًا، فالإسلامُ لا يُقِرُّ دينًا غير دين الإسلام، ولا أن يُسوَّى فيه بين الحق والباطل والصلاح والفساد والخير والشر، يُحرِّم السفور والتبرُّج والعُريَّ والإباحيَّة.
الإسلامُ يدعو للعدالة، والعدالة في الإسلام جاء بها القرآن: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ[النحل: 90]، والعدلُ في الإسلام واسعٌ، معاملةُ العبد مع ربِّه، وتعامُله مع نفسه، وتعامُله مع مجتمعه، والعدلُ في الإسلام لا يتحقَّقُ إلا بتطبيق شرع الله وتطبيق حُدوده في القليل والكثير.
أيها المسلمون:
لا بُدَّ للمسلم أن يتأمَّل حقيقةَ دينه وأن يعلَم أن هذا الدين دينٌ كاملٌ.
وكذلك المُساواة: ساوى الإسلامُ بين البشر كلهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ..[الحجرات: 13] الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الناسُ من آدم، وآدمُ من تُرابٍ».
ساوَى بين الذكر والأنثى في الكرامة الإنسانية، والحياة الكريمة، والتكاليف الشرعية، والعقوبات الأُخروية إلا أنه يرى لكلٍّ من الرجل والمرأة خُصوصية في بعض الأحكام، مع مُراعاة الضعف الخَلقيّ والاجتماعيّ والنفسيّ وأعطى المرأة حقَّها، وأنزلها مكانها اللائق بها، وحماها من ظلم الجاهلية.
هذا دينُكم، فاستعِزُّوا به، وثِقُوا به، وتمسَّكوا به، واعلَموا أنه جمعَ لكم خيرَي الدنيا والآخرة، وأنكم بِغِنًى به عما سواه من أنظمة البشر.
أيها المسلمون:
يا من جمعكم الله بأُخُوَّة الإسلام ورابِطة الإيمان! اتقوا الله في أنفسكم، واحذَروا مكائدَ أعدائكم المُندسِّين بينكم، الذين يُريدون فُرقتكم وإشعالَ فتيل العداوةِ بينكم وبين قادتكم.
فاتقوا الله في أنفسكم، واحترِموا الدماءَ والأموالَ والأعراضَ، اجعلوا مصالحَ الأمة فوق كل اعتبار، وتناسَوا لأجلها أيَّ خلافٍ فكريٍّ ورأيٍ لأَن يُعِزّ الإسلام، اسعَوا في حل مشاكلكم بالعقل والحكمة لا بسفك الدماء وتدمير المُمتلكات.
أيها القادة:
اتقوا الله في شُعوبكم، وعالِجوا قضاياهم الاجتماعية؛ من الفقر والجهل والبطالة والحِرمان، وإياكم وإرعابهم، إياكم أن تُرعِبوهم أو تُوجِّهوا الأسلِحةَ التي اتخذتُموها لعدوكم في وجوههم، إياكم أن تسلُكوا في وجوههم طريقَ التقتيل والحرمان والتجويع لأجل إسكات كلمتهم. فهذا أمرٌ باطلٌ لا يُقِرُّه مسلمٌ، أمرٌ باطلٌ لا يرضاه الله - جل وعلا -.
يا مُلاَّك القنوات الفضائية! اتقوا الله في أنفسكم، واعلموا أن مسؤوليتكم نحو دينكم ونحو مُجتمعكم مسؤوليةٌ جَسيمة، فاحرِصوا على أن تكون قنواتكم جامعةً لكلمة الأمة مُحذِّرةً لها من الوقوع في الاختلاف، احذَروا أن تُسخِّروها لتشتيت الأمة والدعوة إلى الفوضى وسفك الدماء وتدمير المُمتلكات.
يا صانِعي القرار في المجالس الدولية والمناصب الأُممية! لا يخفى عليكم أن من خواصّ المسلمين: تمسُّكهم بدينهم وثباتهم عليه واعتزازهم به، فكونوا على حذَر عند سنّ أي قانون يُخالِفُ شرعَ الله ألا يكون مزري للأمة، وألا يُمارَس عليها ضغوط لأجل قبول هذه الآراء التي تُخالِفُ دينَها وعقيدَتَها، ففي هذا أمور وفوائد:
أولاً: احترامُ إرادة الشعوب الإسلامية في الثبات على دينها؛ ليتحقَّقَ السِّلمُ والأمانُ العالمي.

ثانيًا: اكتسابُ هذه الدول ثقةَ المسلمين والنظر إليها إيجابيًّا، والتعامُل معها فيما يُصلِح الأمة، مع التحفُّظ على ما يُخالِفُ شرعَ الله.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
اشكُروا الله على نعمته أن أوصلَكم إلى هذه البلاد المُقدَّسة، فأتيتموها ووجدتموها أمنًا وأمانًا، فاحمَدوا الله على هذه النعمة.
احرِصوا - بارك الله فيكم - على أن تُؤدُّوا هذه الشعيرة بصدقٍ وإخلاصٍ مُتَّبعين كتاب ربكم وهديَ نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم -.
انظروا بعين البصيرة ما وفَّق الله هذه البلاد من هذا الأمن وهذا الاستقرار والارتباطَ بين الراعي والرعيَّة، ثم انظروا ما قُدِّم للحُجَّاج من تسهيلات؛ من توسِعاتٍ في الحرمين والمشاعِر والخدمات المُتنوِّعة المُقدَّمة لهم، كل هذا بفضل الله، ثم باهتمام قادة هذا البلد - وفَّقهم الله لما يُحبُّه ويرضاه -.
إن هناك مُندسِّين في الأمة يُريدون إفسادَ الحج والشغب والبَذاء، فكونوا عينًا ساهِرة، ويدًا واحدة، وسدًّا منيعًا أمام المُفسِدين.

أيها المسلمون:
إن الحجَّ في الإسلام لم يأتِ للمُهاتَرات والمُساومات والشِّعارات الجاهلية والآراء الشخصية، ولا لأغراض سياسية ومبادئ بغيضة؛ إنما جاء لعبادة الله - جل وعلا - والتقرُّب إليه، وجمع الكلمة وتأليف الصف ووحدة الأمة المسلمة، فاحذَروا مكائد الأعداء.
لم يأتِ الحجُّ لأجل أن يكون منبرًا سياسيًّا ومنبرًا للمُهاترات، فكل هذا مما يأباه الإسلام، فاتقوا الله في أنفسكم.
عباد الله:
اشكُروا الله على هذه النعمة، وادعُوا لولاة هذا البلد بالتوفيق والسداد، كم بذلوا من إحسان وبذلوا من جهود، وأمَّموا السُّبُل، وبَذَلوا كلَّ الخدمات في سبيل راحة الحُجَّاج.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
أنتم في يومٍ من أفضل الأيام، يوم عرفة ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة، ورضِيَ الإسلام لنا دينًا، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة: 3].
هذا يوم عرفة، «خيرُ الدعاءِ دعاءُ عرفة، وخيرُ ما قالَه النبيُّون من قبلي يوم عرفة»، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
هذا يومٌ ما رُئِيَ الشيطانُ أحقَر ولا أصغر ولا أدحَر مما رُئِيَ فيه يوم عرفة، هذا يومٌ ينزِلُ الله فيه إلى سمائه الدنيا فيُباهِي في الأرض أهلَ السماء: «انظروا إلى عبادي، أتَوني شُعثًا غُبرًا ضاحِين، أُشهِدُكم أني قد غفرتُ لهم».
هذا يومٌ عظيمٌ، قِفوا به - بارك الله فيكم - إلى أن تغرُبَ الشمسُ، وكل عرفة موقفٌ، وتحرَّوا حدودَها وأعلامَها، وكونوا في هذا اليوم مُخلِصين لله، مُتضرِّعين بين يديه، راجِين من رحمته، خائفين من عقابه، تقرَّبوا إلى الله بذكره ودعائه والتضرُّع بين يديه؛ فإنه قريبٌ مُجيبٌ.

يتبع

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-10-2011, 01:25 AM   رقم المشاركة : 3

 


قِفوا بعرفة إلى غروب الشمس، ثم صلُّوا في عرفة الظهرَ والعصرَ جمعًا وقصرًا - كما سنفعله إن شاء الله -، انصرِفوا منها بعد غروب الشمس ولا تنصرِفوا قبلَه، ائتُوا مُزدلِفة وصلُّوا بها المغربَ والعشاءَ جمعًا وقصرًا متى ما وصلتُم إليها، وبِيتوا بها، ولكم الانصرافُ بعد نصف الليل، والأفضلُ للقادِر أن يبقى حتى يُصلِّي بها الفجرَ، ثم ينصرِفُ منها، انصرِفوا من مُزدلِفة إلى مِنَى وارمُوا جمرةَ العقبة، ثم احلِقوا أو قصِّروا، وقد حلَّ لكم كلُّ شيءٍ ما عدا النساء، وإن طُفتم بالبيت وسعيتم بين الصفا والمرة فقد حلَّ كل شيء حرُم عليكم حتى النساء.
ثم ارمُوا الجِمار في الأيام الثلاثة بعد الزوال في يوم الاثنين والثلاثاء ويوم لمن تعجَّل ويوم الأربعاء لمن تأخَّر، ثم ودِّعوا البيتَ وارجِعوا بسلامٍ وأمان.
عباد الله:
إن الموتَ نهايةُ كل حيٍّ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[الرحمن: 26، 27]، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[آل عمران: 185]، فبموتِ الإنسانِ تنقطِعُ أعمالُه ويحصُل الجزاءُ والحسابُ.
تذكَّر - أخي المسلم - ساعةَ الاحتضار، ومفارقتك لهذه الدنيا، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ[ق: 19].
تذكَّر - أخي - القبرَ وظلمتَه وأنه إما روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةٌ من حُفر النار.
تذكَّر أخي - الوقوفَ بين يدي الله في ذلك الموقف العظيم والهول الشديد، في يومٍ كان مِقدارُه خمسين ألف سنة، يومٌ نقِفُ بين يدي الله عاريةً أبدانُنا، حافيةً أقدامُنا، شاخِصةً أبصارُنا، تذكَّر ذلك اليوم العظيم الذي تدنُو فيه الشمسُ على قدر مِيلٍ من رؤوس العباد، ويُزاد في حرِّها، وتصهُرهم الشمس، فيكون العرقُ على قدر أعمالهم؛ منهم إلى عقِبَيْه، ومنهم إلى حقوَيْه، ومنهم من يُلجِمُه العرقُ إلجامًا.
تذكَّروا يوم العرض على الله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[الحاقة: 18]، تذكَّر - أخي - يوم الجزاء والحساب، تذكَّر يوم تُعطَى كتابك إما بيمينك أو بشمالك، تذكَّر ميزان الأعمال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ[المؤمنون: 102، 103].
تذكَّر - أخي - يوم يُؤذَن للمؤمنين بدخول الجنة، وتذكَّر يوم يُنادِي المُنادي: يا أهل الجنة! إن لكم أن تنعَموا فلا تبأَسوا، وأن تصِحُّوا فلا تسقَموا، وأن تشِبُّوا فلا تهرَموا، وأن تحيَوا فلا تموتوا.
تذكَّر يوم يُنادي المُنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنجِزكموه. قالوا: ما هو؟ ألم يُبيِّضُ وجوهَنا ويُدخِلنا الجنةَ ويُنجِينا من النار؟ قال: فيكشِفُ الحجاب فينظرون إلى وجه الله، فما أُعطوا نعيمًا بعد هذا النعيم.
تذكَّروا يوم يُنادي المُنادي: يا أهل الجنة! خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار! خلودٌ فلا موت.
توبوا إلى الله من سيئات أقوالكم وأعمالكم توبةً نصوحًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا[التحريم: 8]، حافِظوا على فرائض الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج والأخلاق الكريمة، وابتعِدوا عما حرَّم الله عليكم.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلِح ذات بينهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم.
اللهم أصلِح قادة المسلمين، واجمع بينهم وبين رعيَّتهم على خير حال، وجنِّبهم الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم وفِّق إمامَنا إمامَ المسلمين عبدَ الله بن عبد العزيز لكل خير، اللهم كن له مُعينًا ونصيرًا، اللهم أمِدَّه بالصحة والسلامة والعافية، اللهم وفِّقه لرِضاك، واجعله مُبارَكًا على نفسه وعلى مجتمعه وعلى المسلمين أجمعين.
اللهم ارحم الأميرَ سلطان بن عبد العزيز، واغفر له وارحمه، وجازِه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
اللهم وفِّق وليَّ عهدنا نايف بن عبد العزيز لما تُحبُّ وترضى، اللهم كن له مُعينًا ونصيرًا في كل ما أهمَّه، ووفِّقه للصواب، إنك على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم وفِّق جميعَ المسلمين لطاعتك، اللهم اجزِهم عنا خيرًا.
والشكرُ موصول لرئيس اللجنة المركزية خالد الفيصل - وفَّقه الله وأعانه بالصحة والعافية -.
أسأل الله أن يُوفِّقني وإياكم لما يُحبُّه ويرضاه.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحان ربك رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir