
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً ، يثبت بمنه وفضله على القليل كثيراً ، 
والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً ، 
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن موسم رمضان موسم عظيم لمن أراد النجاة وسعى إلى فكاك رقبته من النار ، 
ففي هذا الشهر تتنوع العبادات ، وتتضاعف الحسنات ، وتتنزل الرحمات ،
 ومن خصائص هذا الشهر العشر الأواخر منه التي كان
 النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها ،
 فعن عائشة رضي الله عنها :
 (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره )) .
 [ رواه مسلم ] . 
وفي الصحيحين عنها قالت : 
(( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )) .
 وفي مسند أحمد عنها قال : 
(( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم ، فإذا كان العشر شمَّر المئزر )) .
ومن الأعمال التي يعملها في العشر الأواخر : الاعتكاف ..
والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل ، 
وهو من السُنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، 
قال الله تعالى : (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ )) 
وعن عائشة رضي الله عنها :
 (( أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ،
 ثم اعتكف أزواجه من بعده )) 
[ متفق عليه ].
والاعتكاف من السُنن المهجورة التي قلَّ العمل بها وغفل عنها كثير من الناس ،
 قال الإمام الزهري رحمه الله : 
(( عجباً للمسلمين !
 تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل )) .
 فبادر أخي المسلم إلى إحياء هذه السنة العظيمة وحث الناس عليها والترغيب فيها .
 وأبدأ بنفسك فإن الدنيا مراحل قليلة وأيام يسيرة ، 
فتخلص من عوائق الدنيا وزخرفها ولا يفوتك هذا الخير العظيم ، 
واجعل لك أياماً يسيرة تتفرغ فيها من المشاغل والأعمال وتتجه بقلبك وجوارحك
 إلى الله عز وجل في ذل وخضوع وانكسار ودموع لتلحق بركب المقبولين الفائزين .