...
مقال للدكتور محمد المسفر بجريدة الشرق
بدعوة كريمة من سمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود شاركت في منتداه الرمضاني الذي يرتاده مجموعة من أصحاب السمو الأمراء وأهل الفكر والقلم ونخبة من كبار موظفي الدولة عسكريين ومدنيين كان أكبر الحاضرين سنا ومقاما سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز. كان سمو الأمير تركي صاحب المجلس قد استمع لمداخلة لي حول السياسة الخارجية السعودية في منتدى مهرجان الجنادرية الثقافي في أبريل الماضي ودعاني مدير مكتبه بموجب توجيه من سموه للمشاركة في منتدى الأمير تركي ووافقت على الدعوة وتقرر موعدها في الأسبوع الأول من رمضان.
(2)
قدمت في هذه الندوة قراءة نقدية للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تضمنت أربعة محاور " الدولي، والإقليمي، والعربي، ومنظومة الأمم المتحدة " ما يهم القاري العربي في هذا الشأن في تقديري هو الجانب العربي، والحق أنني تحدثت بكل حرية في شأن الدبلوماسية السعودية في الفترة الواقعة بين 1990 ــ 2011 وهي السنوات العجاف التي مرت بالأمة العربية في جميع المجالات. أجملت قولي في أن الدبلوماسية السعودية أخفقت في كل قضايانا العربية في الفترة المشار إليها الأمر الذي جعلها عرضة للنقد الشديد البعض حاقدا والبعض شامتا والبعض محرضا وقليل منهم مدافعا لكن تلك الدبلوماسية السعودية كانت وما برحت في دائرة الضوء الساطع.
(3)
عندما انتهيت من حديثي الذي استمر 40 دقيقة فتح باب النقاش الذي استمر لأكثر من ساعتين. أعترف أنه كان نقاشا حادا في صراحته ولغته. أحد المتدخلين مع الاحتفاظ بالأسماء قال: "إنني لم أقدم أي إيجابية للسياسة الخارجية السعودية وركزت على السلبيات، قلت: ذكرت بعض الإيجابيات وركزت على السلبيات، الإيجابيات تتحدث عن نفسها وليس دور الباحث دائما الحديث عن إيجابيات النظام السياسي في أي دولة، مهمة الباحث أن يوضح السلبيات ونقاط الضعف فلعل صانع القرار يستفيد من آراء الباحثين. الخلق لا يتحدثون عن الشمس والقمر لكنهم يتحدثون بإسهاب عن ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر لأنها ظواهر تحدث عندما تختل حركة الكواكب كشأن الدبلوماسية تختل في أوقات الأزمات.أما الشأن اليمني فقد راح أحد الأصدقاء يسهب في توصيف " المعضلة اليمنية " وقال إنه صراع بين أبناء عبدالله بن الأحمر وعلي عبدالله صالح على السلطة والمصالح وأن هناك تدخلات إيرانية تدعم الحوثيين. كان ردي أن الأمر ليس كذلك فالمسألة اليمنية تكمن في فشل علي عبدالله صالح في إقامة الدولة على أسس حديثة، وفشل في خلق تنمية وطنية، وعم الظلم واستشرى الفساد في كل مفاصل دولته القبلية لأكثر من ثلاثين عاما، لم يحسن ترسيخ فكرة الوحدة بين الشمال والجنوب وتعامل مع الشطر الجنوبي كغنيمة حرب وهب الأرض والجاه والمكان لأقاربه والمحسوبين عليه، وتشير كل الدراسات إلى أنه لا وجود ماديا لإيران في اليمن، لقد ضاعت كل هبات الدول المانحة وانتهت في الجيوب والبعض صرف لتمويل تدريب وتسليح البلاطجة وزمرة النظام تحت الادعاء بمحاربة القاعدة.
(4)
لم يعجب حديثي عن السياسة الخارجية السعودية في القضايا العربية البعض وراح كل يبرر لتلك الدبلوماسية وهنا تساءلت، لو كانت الدبلوماسية السعودية جادة وواضحة أهدافها ونابعة من مصالح المملكة هل سيحدث للعراق ما حدث من حرب وحصار واحتلال؟ الحدود السعودية ــ العراقية أغلقت في وجه أي مدد يقدم للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق بينما الحدود مع إيران 1300 كيلو متر طولا مفتوحة الأمر الذي أدى إلى تكريس الهيمنة الإيرانية على كل مفاصل الدولة العراقية وهنا نقول ربحت السياسة الإيرانية في العراق بوجهيها الدبلوماسية والإستراتيجية ولم تربح السياسة السعودية.
لم يكن النقاش في الشأن البحريني واللبناني سهلا، كان رأيي في كل القضايا التي طرحت أنه عندما يقسم النظام السياسي في الدولة المواطنين إلى فئات ويتعامل مع كل فئة حسب منظوره الشخصي والأمني فإن ذلك يقود المجتمع إلى التفكك والتحزب والاستعانة بالغير لتحقيق مطالب أي فئة. المواطنة هي آخر عامل يفكر بعض حكامنا في أمرها. لو كانت المواطنة هي محور الاهتمام السياسي للحاكم مصحوبة بحقوقها التاريخية التي تقرها الأديان والدساتير لما اختل توازن مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه التحديد.
المواطن يريد مساواة في الحقوق والواجبات، إن الدبلوماسية الأمنية التي سيطرت على أحداث اليمن والبحرين لم تكن موفقة ولن تؤدي إلى استقرار في قادم الأيام إن المسألة مسألة عدالة مفقودة ومساواة ناقصة وهنا لا أتحدث عن شيعة وسنة في البحرين ولكني أتحدث عن مواطن بحريني بصرف النظر عن فقهه الذي يتبعه. في تقديري أن الدبلوماسية السعودية كانت رخوة تجاه لبنان منذ عام 1982 وحتى اليوم الأمر الذي أدى إلى بروز قوى أخرى تلعب أدوارا في الساحة اللبنانية. النتيجة خسائر متلاحقة للدبلوماسية السعودية فهل يمكن تعويضها واستعادة أدوارها الفاعلة والبناءة في المستقبل المنظور؟!