في منتصف السبعينات الهجرية طلب الشيخ علي دغسان رحمه الله من الجماعة في يوم جمعة أن عنده منزل أكمل خشب سقفه ويرغب من الجماعة إعانته في تطيينه وحدد يوم للجماعة للحضور كلاً بمنثله ومسحاته ،
وافقوا الجماعة للحضور بالإجماع في ذلك اليوم من شروق الشمس ودعوا الله أن يكون في عونه ، وفي اليوم الموعود حضروا الجماعة وكان من ضمن الشباب الحاضرين بكل حماسة وشوق للمشاركة مع الجماعة في ذلك اليوم محسوبكم كاتب هذه السطور والصديق الحبيب إلى نفسي الشيخ مسفر أبو عالي حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية وكنا في عنفوان الشباب هو في العشرين وأنا في الثامنة عشر وحصل موقف ظريف بيني وبينه سأرويه بعد السماح لي بمقدمة تمهيدية لهذا الموقف ونصيحة للشباب المراهق.. آمل أن يفكروا فيها بكل جدية حتى لايقعوا فيما وقعنا فيه ...
عندما كنا في الخامسة عشرة ..بداية الخروج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب وهذه أصعب مرحلة على الآباء والتربويين وهي مرحلة إثبات الرجولة للذكور والأنوثة للبنات ..
في هذه المرحل كان لنا صديق يكبرنا بثلاث سنوات سبقنا بالمرور لهذه المرحلة بإثبات رجولته بتعاطي عادة التدخين حتى الإدمان وكان يعمل معاوننا لسائق شاحنة محترف وكان من أهم مظاهر الرجولة للسائق المحترف في ذلك الوقت هي التدخين ، وبطبيعة الحال المعاون لابد أن يقلد قدوته السائق بتعاطي التدخين فليس أقل منه رجولة ...
أقول عاد صاحبنا هذا بعد أن صار متعاطياً مدمناً للتدخين وذهبت أنا والصديق مسفر بعد أن تعشينا مع أهلنا في بيوتنا للسلام على صديقنا المعاون وتهنئته بسلامة العودة وليحكي لنا عن مغامراته في الأسفار ، ولأنه من عائلة كريمة فقد قدم لنا حسب إمكانياته المتوفرة .. براد شاي أعده بنفسه وكان مجلسنا معه على سطح منزلهم على بساط حنبل وفتح بكت سجائر يحوي عشرون سيجارة ماركة بحاري أرقى أنواع السجائر في ذلك الوقت وأقسم أن لا نعود لمنازلنا وباقي سيجارة من ذلك ألبكت في تلك الليلة ..
وذلك أمعاناً منه في أكرامنا وكانت بداية عبثية.. ولنثبت لصاحبنا أننا لسنا أقل منه رجولة .. وهذا ما حصل فقد أجهزنا ثلاثتنا على ذلك ألبكت في تلك الليلة وهكذا كانت البداية .. بداية عبثية لإثبات صفة كاذبة للرجولة انتهت بإدمان على عادة التدخين لم نقلع عن هذه العادة السيئة إلاّ بعد وقوع الفأس في الرأس ولم نستعد صحتنا إلاّ بعد مرور فترة طويلة من الإقلاع عن هذه العادة السيئة ...
لذلك أتقدم بنصيحة لأبنائي الشباب المراهق أن يأخذوا الأمر من قصيرها وأن لا يطاوعوا من سبقوهم في ممارسة هذه العادة .. نصيحة خذوها من شخص خاض تجربة مريرة ..بكيفكم !! تحبون تخوضونها ؟!! الله يعينكم ...
نعود للموقف الظريف .. كان من عادة صاحب طلب معونة الجماعة لتطيين سقف منزله أن يجهز كل شيء كإحضار التراب من أحسن البلاد تربة ناعمة وهذه تحتاج من صاحب المنزل مجهود كبير ومضني من استعارة المشاديد [ الحمير أكرمكم الله ] بمعداتها الحلس والمترب ومعاونين فرديين من ثلاثة لأربعة أفراد وعندما يجهز هذه الأساسيات يبدءا في دعوة الجماعة وكان في العادة يشاركن النساء بإحضار الماء بالقرب من أقرب بئر للمنزل ..
ولكن في هذه الطينة بالذات ولظروف يصعب شرحها في هذا المقام حصل تغيير في دور جلب الماء بالقرب على الطريقة النسائية إلى طريقة مبتكرة شبابية لم تحصل من قبل ولا حصلت من بعد ذلك لأنها طريقة مبتكرة لتلك الطينة فقط وهي أن يحفر حفرة بعمق متر وعرض متر وطول أكثر من عشرة أمتار في ركيب مجاور لمكان الطينة ويجلب لهذه الحفرة الماء من بئر{ اللفج } بعمل فلج من البئر التي تبعد أكثر من ثلاثمائة متر عن المؤقع إلى الحفرة وطريقة رفع الماء من الحفرة إلى موقع الطينة كالآتي :
استخدام الغرب الذي يستخدم في إطلاع الماء من الآبار على ظهور الثيران المدربة على ذلك ولأننا لسنا من هذه الفصيلة فقد قمنا بالدور نفسه ولكن بطريقة مختلفة فقد أحضرنا سارية من الخشب تسمى{ قلنسوة } ويأتي شابين من الشباب المعتد بفتوتهم كلاً في طرف من هذه القلنسوة ويعلق الغرب في وسط هذه القلنسوة بحبل قصير في عرقوته التي تشبه علامة زائد + والحبل الأخر في سعن الغرب وطرف هذا الحبل من فوق القلنسوة وينتهي في يد الذي سيكون في الخلف من القلنسوة ..
وهكذا يكون الذين على طرفي القلنسوة متقابلين على متوازيي الحفرة ويقومان بإنزال الغرب في الحفرة حتى الامتلاء ورفعه بالأيادي بتوازن دقيق والمشي متوازيين حتى طرف الحفرة ومن ثم يوضع طرفي القلنسوة على الأكتاف والمشي واحد خلف الآخر حتى الوصول إلى المكان المعد لاستخدامه ونضل واقفين متقابلين ويأتي أحد المهرة من كبار المطينين ويأخذ السعن ويصب الماء بمقدار على المكان المطلوب حتى يتم إفراغ ما في الغرب والعودة للحفرة
وهكذا دواليك وكنا ستة عتاولة كل [ عتلين ] في غرب وكنت أحد أولئك الستة وكان زميلي في قلنسوتي الصديق مسفر أبو عالي ، وكان أحد كبار المدخنين المشاركين في الطينة قد عزم على مسفر بسيجارة قبلها مسفر ووضعها في جيب الصدر وألمح لي بأنني سأشاركه فيها ولأننا لا نستطيع تدخينها لوجود والدي و دغسان رحمهما الله في المكان فقد أجلنا تدخينها إلى مابعد انتهاء الطينة ومن ثم ننتحي مكان قصي ونتعاطا تدخينها بالتناوب حتى احتراق الأصابع ..
ومن حماسة التنافس بيننا نحن الستة المسقين على الطينة في من يكون الفريق الأسرع في التعبئة والإفراغ وفي وسط هذه الحماسة الشديدة عبينا أنا ومسفر غربنا وبسرعة رفعناه على أكتافنا وكنت أنا في المقدمة ومسفر خلفي ومن شدة الحماسة لم أنتظر حتى نصل طرف الحفرة ومن ثم نواصل المشي وباعتباري في المقدمة سحبته بعنف وسقط في الحفرة ووصل الماء حتى كتفيه أي أن الجيب الذي فيه السيجارة غرق .. وألتفت إليه وكلي علامة استفهام ، ولم أسأله عن سلامته !! ولكن بكل قلق سألته :{ سًلٍمًتْ اللي } في الجيب ؟!! قال : بكل أسف وحزن .. لا والله ماسلمت .. وطبعاً يعني سلامة السيجارة .. والواقفون الذين وقفوا يهنيؤنه بالسلامة من السقوط في الحفرة لايعرفون المشكلة التي أقلقتنا وهي غرق السيجارة وليست سلامته من السقوط .. وهكذا ظللنا نستعيد ذكرى هذه الحادثة الظريفة مسفر وأنا التي لا يعرف معنى قلقنا من كان حاضراً من الجماعة في ذلك الوقت غيرنا نحن الاثنين
حفظ الله من بقي ممن كان حاضراً لتلك الطينة ورحم من سبقنا إلى لقاء ربه
أعذروني تراني { مصختها } بالإطالة ..
حفظكم الله .
علي بن حسن