بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب الثاني والعشرون
من هم أصحاب القرية؟
هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فيما ذكر الماوردي . نسبت إلى أهل أنطبيس وهو اسم الذي بناها ثم غير لما عرب ; ذكره السهيلي . ويقال فيها : أنتاكية بالتاء بدل الطاء . وكان بها فرعون يقال له أنطيخس بن أنطيخس يعبد الأصنام ; ذكره المهدوي , وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب ووهب . فأرسل الله إليه ثلاثة : وهم صادق , وصدوق , وشلوم هو الثالث . هذا قول الطبري . وقال غيره : شمعون ويوحنا . وحكى النقاش : سمعان ويحيى , ولم يذكرا صادقا ولا صدوقا . ويجوز أن يكون " مثلا " و " أصحاب القرية " مفعولين لـ اضرب , أو " أصحاب القرية " بدلا من " مثلا " أي اضرب لهم مثل أصحاب القرية فحذف المضاف . أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء المشركين أن يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل . قيل : رسل من الله على الابتداء . وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله .
لماذا ارسل إلى هذه القرية ثلاثة من الرسل؟
لشدة طغيانهم .. وتكذيبهم الرسل .. قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا " أي فكيف أوحي إليكم وأنتم بشر ونحن بشر فلم لا أوحي إلينا مثلكم ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله عز وجل " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا " أي استعجبوا من ذلك وأنكروه وقوله تعالى : " قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " وقوله تعالى حكاية عنهم في قوله تعالى " ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " وقوله تعالى : " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسول
من الرجل الذي قال لهم اتبعوا المرسلين وما قصته؟
وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم ; وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا , واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذكر , فبلغ ذلك هذا الرجل , وكان منزله أقصى المدينة , وكان مؤمنا , وكان اسمه فيما ذكر " حبيب بن سري " . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار. حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم الأحول , عن أبي مجلز , قال : كان صاحب يس " حبيب بن مري " حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه , عن ابن عباس , وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليماني أنه كان رجلا من أهل أنطاكية , وكان اسمه " حبيبا " , وكان يعمل الجرير , وكان رجلا سقيما , قد أسرع فيه الجذام , وكان منزله عند باب من أبواب المدينة قاصيا , وكان مؤمنا ذا صدقة , يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون , فيقسمه نصفين , فيطعم نصفا عياله , ويتصدق بنصف , فلم يهمه سقمه ولا عمله ولا ضعفه , عن عمل ربه , قال : فلما أجمع قومه على قتل الرسل , بلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى , فجاء يسعى إليهم يذكرهم بالله , ويدعوهم إلى اتباع المرسلين , فقال : { يا قوم اتبعوا المرسلين } حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حدث عن كعب الأحبار قال : ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجعل يقول : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول : نعم , ثم يقول : أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول له : لا أسمع , فيقول مسيلمة : أتسمع هذا , ولا تسمع هذا ؟ فيقول : نعم , فجعل يقطعه عضوا عضوا , كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه . قال كعب حين قيل له اسمه حبيب : وكان والله صاحب يس اسمه حبيب .. حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن الحسن بن عمارة , عن الحكم بن عتيبة , عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل , عن مجاهد , عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول : كان اسم صاحب يس حبيبا , وكان الجذام قد أسرع فيه حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } قال : ذكر لنا أن اسمه حبيب , وكان في غار يعبد ربه , فلما سمع بهم أقبل إليهم وقوله : { قال يا قوم اتبعوا المرسلين } يقول تعالى ذكره : قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه : يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم , واقبلوا منهم ما أتوكم به. وذكر أنه لما أتى الرسل سألهم : هل يطلبون على ما جاءوا به أجرا ؟ فقالت الرسل : لا , فقال لقومه حينئذ : اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرا ..حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : لما انتهى إليهم , يعني إلى الرسل , قال : هل تسألون على هذا من أجر ؟ قالوا : لا , فقال عند ذلك : { يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق فيما بلغه , عن ابن عباس , وعن كعب الأحبار , وعن وهب بن منبه
{ اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } : أي لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى , وهم لكم ناصحون , فاتبعوهم تهتدوا بهداهم وقوله : { وهم مهتدون } يقول : وهم على استقامة من طريق الحق , فاهتدوا أيها القوم بهداهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الرجل المؤمن { وما لي لا أعبد الذي فطرني } : أي وأي شيء لي لا أعبد الرب الذي خلقني { وإليه } يقول : وإليه تصيرون أنتم أيها القوم وتردون جميعا , وهذا حين أبدى لقومه إيمانه بالله وتوحيده , كما .. حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق فيما بلغه , عن ابن عباس , وعن كعب الأحبار , وعن وهب بن منبه قال : ناداهم , يعني نادى قومه بخلاف ما هم عليه من عبادة الأصنام , وأظهر لهم دينه وعبادة ربه , وأخبرهم أنه لا يملك نفعه ولا ضره غيره , فقال : { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة } ثم عابها , فقال : { إن يردن الرحمن بضر } وشدة { لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون }
وقوله : { أأتخذ من دونه آلهة } يقول : أأعبد من دون الله آلهة , يعني معبودا سواه { إن يردن الرحمن بضر } يقول : إذ مسني الرحمن بضر وشدة { لا تغن عني شفاعتهم شيئا } يقول : لا تغني عني شيئا بكونها إلي شفعاء , ولا تقدر على دفع ذلك الضر عني { ولا ينقذون } يقول : ولا يخلصوني من ذلك الضر إذا مسني .
وقوله : { إني إذا لفي ضلال مبين } يقول : { إني } إن اتخذت من دون الله آلهة هذه صفتها { إذن لفي ضلال مبين } لمن تأمله , جوره عن سبيل الحق .
وقوله : { إني آمنت بربكم فاسمعون } فاختلف في معنى ذلك , فقال بعضهم : قال هذا القول هذا المؤمن لقومه يعلمهم إيمانه بالله .. حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق فيما بلغه , عن ابن عباس , وعن كعب , وعن وهب بن منبه { إني آمنت بربكم فاسمعون } إني آمنت بربكم الذي كفرتم به , فاسمعوا قولي وقال آخرون : بل خاطب بذلك الرسل , وقال لهم : اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي , وأني قد آمنت بكم واتبعتكم ; فذكر أنه لما قال هذا القول , ونصح لقومه النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه . ثم اختلف أهل التأويل في صفة قتلهم إياه , فقال بعضهم : رجموه بالحجارة .. حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } هذا رجل دعا قومه إلى الله , وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك . وذكر لنا أنهم كانوا يرجمونه بالحجارة , وهو يقول : اللهم اهد قومي , اللهم اهد قومي , اللهم اهد قومي , حتى أقعصوه وهو كذلك وقال آخرون : بل وثبوا عليه , فوطئوه بأقدامهم حتى مات . ذكر من قال ذلك .. حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق فيما بلغه , عن ابن عباس , وعن كعب , وعن وهب بن منبه قال لهم : { وما لي لا أعبد الذي فطرني } . . إلى قوله : { فاسمعون } وثبوا وثبة رجل واحد فقتلوه واسضتعفوه لضعفه وسقمه , ولم يكن أحد يدفع عنه حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول : وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره
{ قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون } يقول تعالى ذكره : قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه : { ادخل الجنة } فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه { قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي } يقول : يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي , وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته , كان إيماني بالله وصبري فيه , حتى قتلت , فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .. حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق , عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول : قال الله له : ادخل الجنة , فدخلها حيا يرزق فيها , قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها , فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته { قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين }حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { ادخل الجنة } فلما دخلها { قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } قال : فلا تلقى المؤمن إلا ناصحا , ولا تلقاه غاشا , فلما عاين من كرامة الله { قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله , وما هجم عليه حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء , جميعا عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { قيل ادخل الجنة } قال : قيل : قد وجبت له الجنة ; قال ذاك حين رأى الثواب * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن جريج , عن مجاهد { قيل ادخل الجنة } قال : وجبت لك الجنة * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد { قيل ادخل الجنة } قال : وجبت له الجنة حدثنا ابن بشار , قال : ثنا يحيى , عن سفيان , عن عاصم الأحول , عن أبي مجلز , في قوله : { بما غفر لي ربي } قال : إيماني بربي , وتصديقي رسله
والله أعلم
تفسير ابن كثير
والطبري
جزاك الله خير
دمت في حفظ الله