ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "غيابُ القيم في ظل الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن القِيَم والأخلاق الحميدة التي جاء بها الإسلام، ورسولُ السلام - عليه الصلاة والسلام -، ونبَّه على ضرورة التمسُّك بها، مُشيرًا إلى ما يحدُثُ في هذه الأيام من تطاوُلٍ على الذات العليَّة، والمقامِ النبوي، وأيضًا مُندِّدًا بما يحدُثُ من بعضِ الحُكَّام الظلمةِ والطُّغاة الذين سامُوا شعوبَهم سوءَ العذابِ، مُستشهِدًا في ذلك بالآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة، وبعضِ الأشعار المُعبِّرة.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونُثنِي عليك الخيرَ كلَّه.
حمدًا وشُكرًا يا إلهي وخالِقِي
وليس بذاكَ الشكرِ نُوفِي فضائِلَك
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نلهَجُ بها اعتقادًا واعترافًا، ونرشُفُ من معينِها أزكَى المناقبِ عَلَلاً واغتِرافًا، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أسمَى العبادِ شمائلَ وأوصافًا، اللهم فصلِّ وبارِك عليه، من نحَلَ البريَّةَ دُررًا من الشِّيَم أصنافًا، ومن بديعِ القِيَم أصدافًا، وعلى آله الطيبين الطاهرين الأُلَى كانوا على الحقِّ أُلاَّفًا، وصحابتِهِ الغُرِّ الميامين نُبلاً وألطافًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجو من الرحمن جنَّاتٍ ألفافًا، وسلِّم ربَّنا تسليمًا كثيرًا ما انهمَرَ غيثٌ وكَّافًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
خيرُ ما يُوصَى به تنافُسًا واستِباقًا: تقوى الله - عز وجل - خوفًا وإشفاقًا؛ فتقوى الديَّان تعمُرُ القلبَ إشراقًا، وتُزكِّي الأركانَ ندًى وإيراقًا، والروحَ خضوعًا وائتِلاقًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
وما لبِسَ الإنسانُ أبهَى من التُّقَى
وإن هو غالَى في حِسانِ الملابِسِ
وإن التُّقَى للمرءِ زادٌ ورِفعةٌ
وخيرُ ضِياءٍ في ظلامِ الحنادِسِ
أيها المسلمون:
في مُلتَهَبِ القضايا العالمية الكاسِرة، والمِحَن السياسية الهاصِرَة، والفِتنِ المُدلهِمَّةِ الكاسِرة تنبجِسُ قضيةٌ تأصيليَّةٌ جِدُّ مهمَّة، أصلُها ثابتٌ مُنيف، وفرعُها باسِقٌ ورِيف، لها دلالاتٌ كعذبٍ رحيقٍ، ورَسمٌ وضِيءٌ رقيق، كيف وقد قامَ الإسلامُ على جانبٍ منها متين، ورُكنٍ لسعادة البشريَّة ركين.
ولكن من أسَفٍ لاعِجٍ غاضَت أنهارُها، وانطَفَأت أنوارُها لدى كثيرٍ من الناس دون خجلٍ أو إحساس، تلكُم - يا رعاكم الله - هي: قضيةُ القِيَم المُزهِرَة، والشِّيَم الأخَّاذة المُبهِرَة التي أعتَقَت الإنسانَ من طيشِه وغُرُوره إلى مداراتِ الحقِّ ونورِه، ومن أوهاقِ جهلِه وشُروره إلى علياءِ زكائهِ وحُبُوره.
وأنَّى يخفَى على شريفِ علمِكم أن الإسلامَ وحده إياه لا غيرَه ولا سِواه هو مَوئِلُ القِيَم والفضائل، والمهدُ البديعُ لشُمِّ المُثُلِ والخلائِل، قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[الأنعام: 161].
معاشر المسلمين:
وفي إرشاد العالَمِ إلى أعالي القِيَم، وقِمَم الشِّيَم جاء الإسلامُ بالمُساواة بين الأجناس، والتراحُم بين الناس في تآلُفٍ وتعارُف ينبُذانِ التعادِيَ والتخالُف، يقول الباري - جلَّ اسمُه -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات: 13].
وكذا شِيمةُ إحقاقِ الحقِّ وإن لم يُطَب؛ إذ به قِوامُ العالَمِ وأمنُه وانتِظامُه، وقُطبُ رَحاهُ ومَرامُه، وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ[الإسراء: 105].
ومن مذخورِ تلك القِيَم ورِكازِها: الحثُّ على إقامةِ فُسطاطِ العدل، ذلكمُ المَعينُ الرقراق الذي يُسعِدُ العبادَ، ويُخصِبُ البلاد، وتطمئنُّ بهيبتِهِ القلوبُ، وتنجلِي به غياهِبُ الكُرُوب؛ بل تعدَّى الأمرُ العدلَ إلى الإحسانِ، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ[النحل: 90].
مُطلَقُ العدلِ والإحسانِ في الأسرة والمُجتمع والأوِدَّاء مع الرعيَّةِ أو الأعداء؛ بل في العالمين على حدٍّ سواءٍ.
وإذا العدالةُ في العالَمين تحكَّمَت
جاءَت لهم بنعيمِها النَّعماءُ
نالُوا الحقوقَ كبيرُهم كصغيرِهم
فالكلُّ في بابِ القضاءِ سَواءُ
إخوة الإسلام:
أما دفعُ الظلمِ واجتِثاثُ أُصولِه، ودَحرُ جلاوِزَته وأُسطُوله، فقيمةٌ أصَّلَتها الأديان، ودانَ بها بنُو الإنسان على اختلافِ مذاهِبهم ومشارِبهم، وعزَّزَها الإسلامُ ونصرَها، وتوعَّدَ من خالَفَها وغمَرَها، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه: 111]؛ لأن الظلمَ يُتبِّرُ الديارَ، وعُقباه أشدُّ فتكًا من النار، يقول - عليه الصلاة والسلام -: «إن الناسَ إذا رأَوا الظالمَ فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ أن يعُمَّهم الله بعقابٍ منه»؛ رواه أبو داود والترمذي.
وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البيهقيُّ وابن حبان في "صحيحه" -: «شهِدتُ في دار عبد الله بن جدعان حِلفًا لو دُعِيتُ إلى مثلِهِ في الإسلام لأجبتُ».
وهذا الحِلفُ ينتصِفُ إلى الوَضيعِ من الرفيعِ، وللمظلومِ من الظالِم، ومن ذي المرتبة لذي المتربَة.
أما مُثُلُه وقِيَمُه - عليه الصلاة والسلام - أوانَ السِّلمِ والأمان، والحربِ والطِّعان؛ فإنها دستورُ المبادِئِ النفائِس، والفرائِدِ العرائِس؛ عن بُريدَةَ - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سرِيَّة أوصاه في خاصَّتِهِ بتقوَى الله ومن معه من المُسلمين خيرًا، ثم قال: «اغزُوا بسمِ الله، وفي سبيل الله، ولا تغُلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تقتُلوا وَليدًا»؛ رواه مسلم. وفي روايةٍ: «ولا شيخًا ولا امرأةً».
الله أكبر، الله أكبر! إنها الأخلاقُ الإنسانية، والشمائلُ المُحمدية.
إذا غَزَا فالرِّفقُ يغزُو قبلَه
والرِّفقُ أعتَى جحفَلٍ جرَّارِ
إخوة الإيمان:
وفي هذا الأوانِ العَصيبُ استِناخَ الظلمُ ليلاً حالِكًا في طُغاةٍ سامُوا شُعوبَهم الظلمَ والاستِبداد، والطُّغيانَ والاستِعباد، وصمُّوا عن صوتِ الحقِّ والرشاد، ولجُّوا في الجُحودِ والعِناد.
فيا للهِ! كيف ضاعَت القِيَم وغابَت الشِّيَم؟! أين النُّهَى والرأيُ الأسَدُّ؟! حَتامَ الارتِكاسُ في مُستنقَع الطُّغيان والبطشِ الأشَدِّ! حتى غدَت تلك الرُّبَى الشَّهباء والخمائِلُ الفَيحاء بين الأنقاضِ والأشلاءِ، وأهوالِ الدموعِ والدماءِ.
يا قومِ نادُوا طُغاةً عمَّهم أفَنٌ
أن ليس هذا من الأخلاقِ والقِيَمِ
إن المبادئَ والأخلاقَ سُنَّتُها
تبنِي الشُّعوبَ وترعَى حُرمةَ الأُمَمِ
وما وحشيَّةُ الإنسانِ وقسوتُه إلا مِرآةُ حِقدِه وانتِكاستُه، هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ[ص: 55].
نعم، لنا اللهُ مولانا نُؤمِّلُه
عند الرخاءِ وفي الشِّدَّاتِ والنُّوَبِ
ربٌّ يغارُ ومن يطلُبهُ يُدرِكهُ
لا أرضٌ تقِيهِ ولا قصدٌ إلى هَرَبِ
عباد الله:
شُرَفاءَ العالَم، عُقلاءَه وأحرارَه في كل مكانٍ! لقد تحتَّم وآن تعزيزُ القِيَم وإعلاءُ الشِّيَم، وإحياءُ الذِّمَم بين بني الإنسان، والائتلافُ حول معاقِدِ الحقِّ والعدلِ والأخلاقِ، لا حول الذَّوَاتِ والطوائِفِ والأعراقِ.
وأن يُحقَّقَ الإِخاءُ الإنسانيُّ والأمنُ العالَميُّ، المُجرَّدُ عن المطامِعِ والدوافِع، المُبرَّأُ عن الأغراضِ المدخولةِ والمنافِع، وأن يكون لله احتِسابًا، ولآصِرةِ الإنسانيةِ انتِسابًا، فلن يرسُو العالَمُ المنكوب في مرافِئِ العدلِ والسلامِ إلا بدحرِ الظلمِ والعُدوان، وإن شذَّ من شذَّ ومانَ دون حُجَّةٍ أو بُرهان.
وأن يكون الانتِصارُ للقِيَم طيَّ الأفكارِ والأرواحِ لا الأدراجِ ومهبِّ الرياح، إلا يكُن فعلَى الدنيا العَفاء، وسطِّرُوا على أطلالِ الهيئاتِ والمجالسِ والأُمَم عباراتِ الفناءِ.
ليس السلامُ ترنُّمًا يحلُو لِمَن
عشِقَ السلامَ لجَرسِهِ يتسمَّعُ
إن السلامَ مواقِفٌ تُبنَى على
أُسُس العدالةِ لا تُخانُ وتُقطَعُ
أين تجريمُ الإرهاب، وتحريمُ الإرعاب؟! أين شِيَمُ الإنصافِ والنُّصرةِ والسلام التي أعلَنَت بياتًا شتائيًّا حَولاً كاملاً لا أمَدَ لانقِضائه، وتحرُّكًا تقليديًّا لا أملَ لانطِوائِه، حِيالَ إخواننا المكلومين في سوريا.
نبكِي على تلك الرُّبَى في
الشامِ حيثُ الجُرحُ غائِر
ونَهيمُ في أرجائِها
بين المساجِدِ والمنائِر
فاللهُ المُستعان.
وإلى متى يستمرُّ الاستِبدادُ والطُّغيان المُمنهَجُ يحصِدُ أرواحَ الأطفال والشيوخ، وأبطالَ العِزَّة والشموخ، ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
هُمُ الذين لك اللهمَّ قد صبَرُوا
وكلُّهم لك فيما كانَ مُحتسِبُ
فلا يُغَرَّ بما يلقَونَ طاغيةٌ
فلن يكون لغيرِ المؤمنِ الغَلَبُ
فالصُّبحُ آتٍ وإن طالَ الدُّجَى زمنًا
والغيثُ يُرجَى إذا ما اسودَّتِ السُّحُبُ
فلِزامًا على أصحابِ المُبادَرات والقرار غَذُّ السيرِ بمَضاءِ الصارمِ البتَّار، لانتِشالِ البلَدِ الجريح، والوطنِ من مُدَى الخَديعة والاستِكبار الصريح، اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا[فاطر: 43].
يا ربِّ سلِّم أهلَها
واحمِ المواطِنَ والمنازِلَ
واحفَظ بلادَ المُسلمين
عن الميامِنِ والشمائِل
يا ربِّ صُن أعراضَهم
ونُفوسَهم من كلِّ قاتِل
وغدًا إذا الحقُّ اعتَلَى
حتمًا سيزهَقُ كلُّ باطِل
أمة الإسلام:
وفي ظلِّ تعزيزِ قِيَمنا الربَّانية الومَّاضة التي تتأبَّى على التدليسِ والمُوارَبَة والتلبيسِ: العدلِ، والصدقِ والوفاءِ، والرِّفقِ والصفاء، والأمانةِ، والإحسان، والإخاء، وسِواها من كرائمِ الشِّيَم الغرَّاء، وإبَّان غرسِها أزاهِير ضوَّاعةً في أفئِدَة المُجتمعات والأجيال.
ستنطلِقُ بنا - بإذن الله - أشعةُ هدايةٍ وحياةٍ نحوَ أمةٍ عالمية مُترَعةٍ بالوِفاقِ والازدِهار، مُتألِّقةٍ بمعاني الإباء والنصرِ الغِزار، في حًصَانةٍ ذاتيَّةٍ فريدة عن متاهاتِ الضلالةِ والصَّغَار والقِيَم المنبوذَةِ الحِقار التي قَذَفَت بها الشبكات والتِّقَانات، وكثيرٌ من مواقعِ التواصُل الأفِكات، في سباقٍ محمومٍ من التقليعاتِ والتغريدات.
فالانتِصارُ للقِيَم سَنَنُ العَودة الظافِرَة بالأمة لنقودَ العالَمَ بفُولاذِيِّ الهِمَّة، ونكون فيه كما أرادَ الله لنا الهُداةَ الأئمة، ونسُوقَه إلى أفياءِ السلامِ والعدلِ بالخُطُمِ والأزِمَّة.
وبعدُ، أيها المسلمون:
هل صيحةٌ في اللهِ تُوقِدُ عزمَنَا
فندُقُّ ما حاكَ الضلالُ وزوَّرَا؟!
هل غضبةٌ للهِ تجمَعُ شملَنَا
لنقُودَ هذا العالَمَ المُتحيِّرَا؟!
هذا الرجاءُ وذاكَ الأمَلُ، ومن اللهِ - سبحانه - نستلهِمُ سدادَ القول وصوابَ العمل، إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[يوسف: 100].
أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، فاستِغفروه وتوبوا إليه واشكُروه، إنه كان حليمًا غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله، زكَّى القلوبَ والأعمالَ بأسنَى القِيَم، وأشكُرُه - سبحانه - على إنعامه المِدرارِ الأَتَمّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مِعراجُنا إلى شُمِّ القِمَم، وصلواتُ ربي الطيباتِ المُبارَكات على النبيِّ الكريمِ هادِي الأُمَم، وآلهِ وصحابتهِ معادنِ المناقِبِ وأسمَى الشِّيَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما جلَّت الأنوارُ حالِكَ الظُّلَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واستمسِكوا جميعًا بعُرى الخِصالِ الحميدة والقِيَم؛ تفوزوا الفلاحَ والمجدَ الأعَمَّ.
إخوة الإيمان:
القِيَمُ الإسلامية هي مِعراجُ الروح لبناءِ الشخصيةِ السَّوِيَّة العالمية؛ شخصيَّةٍ مُبارَكةٍ مُتماسِكة، راسِخةٍ مُتناسِقة، وجيهَةٍ غير مُتشاكِسة، وأُسوتُنا المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، هو المُضمَّخُ من القِيَم بأعظمِ الحظِّ والنصيبِ؛ كيف وقد ترقَّى بالإنسانية شطرَ الكمالات، والمعالِي المُشمخِرَّات.
وإننا لنُزجِي للعالَمِ الذي اعتسَفَ كثيرًا من القِيَم، وأبادَها كالرِّمَم؛ تذكيرًا بلُمَعٍ من شِيَمه الباهِرَة، وسيرتِه الطاهِرة؛ فقد كان - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - كان الصِدقُ أليفَه، والحِلمُ حليفَه، والعدلُ طريقَه، والتواضُع رفيقَه، وإحقاقُ الحقِّ رحيقَه، أما الأمانةُ فسجيَّتُه، والرحمةُ الفيَّاضة فشِيمتُه، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107].
ملأتَ الكونَ أخلاقًا ونورًا
وقد كانت معالِمُه يَبَابًا
إذا ما الطُّهرُ صافَحَنا شَذَاهُ
غَدَا أصفَى الوَرَى قلبًا ثِيابًا
إذا ما الحِلمُ عطَّرَنا رُواهُ
سَباكَ العفوُ صبرًا واحتِسابًا
ومن أهمِّ ما يُعزِّزُ القِيَم في وقتِ جَفافِ منابِعِها، ويُعلِي الشِّيَم في زمنِ التطاوُلِ على مرابِعِها؛ تربيةُ النشءِ وتوجيهُ الجيل وشبابِ الأُمَّة على التأسِّي والاقتِداءِ بالحبيبِ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ووجوبِ تعظيمِهِ ومحبَّتِه، وتوقيرِه وطاعتِه، وطبعُهُم على إجلالِه وإعظامِه، وذَودُهم عن بُؤَرِ الجُنوحِ الفِكريِّ النَّزِق، والتمرُّدِ الأرعَنِ على الأُصول والثوابتِ الشرعية، والقِيَم النبوية المرعيَّة.
فمن اللَّوعَة والأسَى، والخَطبِ الذي نجَمَ - وبحمدِ الله - ما عسَى: التطاوُلُ على الذاتِ العليَّة، وجنابِ سيدِ البريَّة - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -.
إنا إذا سِيْمَ الرسولُ أذِيَّةً
تُلفَى لدينا أُهبَةٌ وكِفاحُ
ودِماؤُنا دون الرسولِ رخيصةٌ
ففِداؤُه المُهجاتُ والأرواحُ
ولكن بفضلِ اللهِ، ثم بفضلِ الله؛ وُئِدَت في مِهادِها؛ بل قبل ميلادِها، مِصداقًا لقول الحق - تبارك وتعالى -: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[الحجر: 95].
ألا بُعدًا، وبُعدًا، ثم بُعدًا
لمن يرمِي النبُوَّةَ بالسِّهَامِ
برِئْنَا من سَفَاهَتِهِ وعُذْنَا
بربِّ الكونِ من سُوءِ الخِتامِ
وهذا، وإن الأمةَ لترفعُ التقديرَ أعبَقَه، والدعاءَ أصدقَه لمقام خادمِ الحرمين الشريفين - أيَّدَه الله - كِفاءَ غيرتِه وانتِصارِه للمُقدَّسات، ومواقفِه الصارِمةِ البَلْجاء حِيالَ إخوانه في بلاد الشام، وما نضَحَت به مشاعِرُه من نُبْلٍ وصفاءٍ، وغَيرةٍ على قِيَم الحقِّ والعدلِ والاتِّحادِ والإخاءِ، ودعوتِه الصادقةِ إلى حقنِ الدماءِ، وكذا مواقِفُه الحكيمةُ الحازِمة ممن تطاوَلَ على المقام الإلهي، والجَنابِ المُصطفوِيّ.
اللهم فاجعل ذلك له في موازين الحسنات، ورفيعِ الدرجات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعَوَات.
ولا غرْوَ أيها الإمام الهُمام، دُمتَ مُوفَّقًا مُؤيَّدًا مُسدَّدًا.
فعِندكم دينٌ وفيكم شِيَمٌ
خَزرجِيَّاتٌ ومجدٌ لن يُرامَا
ونفوسٌ لم تُطِق صبرًا على
ظالمٍ وتأبَى أن تُضامَا
هذا، وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على من سمَا في العالَمين قدرًا وجَنابًا: خيرِ الوَرَى آلاً وصِحابًا، صلاةً تعبَقُ مِسكًا وتَطيابًا، كما أمرَكم المَولَى العزيزُ الجليلُ في مُحكَم التنزيلِ، فقال تعالى قولاً كريمًا لُبابًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلِّ ربِّي وسلِّم كلَّ آوِنةٍ
على المُشَفَّعِ وانشُر طِيبَه فِينا
وآلهِ الغُرِّ والأصحابِ ما حَفِظُوا
عهدَ النبيِّ وبَرُّوه مُوفِّينا
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على الرحمة المُهداة، والنِّعمةِ المُسداة: نبيِّنا وسيِّدنا وقُدوتنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر الطُّغاةَ والظالمين، وسائرَ المُفسدين والمُلحِدين وأعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعبادِ.
لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرشِ الكريم، حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل.
إلهَنا، إلهَنا، إلهَنا! عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤُك، وتقدَّسَت أسماؤُك، ولا إله غيرُك، منك الفَرَج، وأنت المُستعان، وإليك المُشتكَى، ولا حول ولا قوةَ إلا بك.
اللهم ارفع عن إخواننا في بلاد الشام، اللهم ارفع عن إخواننا في بلاد الشام، اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم وأموالَهم، وأدِم أمنَهم وأمانَهم يا ربَّ العالمين.
نَدرأُ بك اللهم في نُحور أعدائِهم، ونعُوذُ بك اللهم من شُرُورهم.
اللهم إنا نسألُك أن تغفِرَ لموتاهم، اللهم اغفِر لموتاهم، اللهم اشفِ مرضاهم، اللهم عافِ جَرحاهم، اللهم عافِ مُبتلاهم يا رب العالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين الذين سفَكوا دماءَ المُسلمين، الذين سفَكوا الدماء، ونَثَروا الأشلاء، ولم يرحَموا الشيوخَ والأطفالَ والنساءَ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل عليهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
ربَّنا لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفَهاءُ منَّا، ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين الأحياءِ منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزَّة عمَّا يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.