لا تخلو الأرض من قائم بأمْرِ الله ..
كما لا تخلو من وارِث لمهنة إبليس !
فالنوع الأول ورّاث الأنبياء .. يَدْعُون مَن ضَلّ إلى الْهُدى ،
ويصبرون منهم على الأذى ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى ،
فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، ومن ضال جاهل قد هدوه ،
فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم
ينفون عن كتاب الله تأويل الجاهلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال المبطلين .
قال ابن القيم رحمه الله :
ولولا ضمان الله بحفظ دينه وتكفّله بأن يُقيمَ له من يجدد أعلامه ،
ويُحيى منه ما أماته المبطلون ، ويُنعش ما أخْمَله الجاهلون ،
لهُدِّمت أركانه وتداعى بنيانه ، ولكن الله ذو فضل على العالمين . اهـ .
والنوع الثاني نُوّاب إبليس .. يُخلِصون له العمل !
ويَخْلُصُون إلى ما لا تَخْلُص إليه الأباليس !
ذلك أن مردة الشياطين تُربّط وتُصفّد في شهر رمضان ..
وأولئك لا يُربَطون ولا يُقيَّدُون !
فلا زاجِر لهم من دِين ، ولا ناهي لهم من عقل !
يَهتزّ إبليس لِطَلْعَة وجه أحدهم !
وإذا رأى إبليسُ طلعةَ وجهه = حَيّا وقال : فَدَيتُ مَنْ لا يُفْلِحُ !
يَدْعُون الناس إلى كل فاحشة ورذيلة !
يُجاهِرون بالمعاصي ، ويَجهَرون بالفسُوق
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :
إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
كانوا يومئذ يُسِرُّون واليوم يَجْهَرُون .
اتّخذوا القَينات سلاحا ، والمعازف وسيلة .. واللذة والنشوة غاية وهَدَفاً !
فالغاية عندهم تُسوِّغ الوسيلة !
غناء وغانية !
واختلاط وسُفور !
واحتفال ومَهرَجان !
وتِلك - لَعَمْر الله - أسلحة إبليس! لإفساد وإضلال بني آدم !
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
كانتِ الجاهليةُ الأولى فيما بين نوحٍ وإدريسَ عليهما السلام ، وكانتْ ألفَ سنةٍ ،
وإنّ بَطْنَيْنِ من ولدِ آدمَ كان أحدُهما يَسْكُنُ السَّهْلَ ،
والآخرُ يَسْكُنُ الجبَلَ ، فكان رجالُ الجبلِ صِبَاحا ، وفي النساء دَمَامَةٌ ،
وكان نساءُ السَّهْلِ صِبَاحا ، وفي الرِّجَال دَمَامَةٌ ،
وإن إبليسَ أتى رَجُلاً مِن أهلِ السَّهْلِ في صُورةِ غُلامٍ فَأَجَّرَ نَفْسَه ، فكان يَخْدُمُهُ ،
واتَّخَذَ إبليسُ شَبَّابَةً مثل الذي يَزْمُرُ فيهِ الرِّعَاءُ ،
فجاءَ بَصَوتٍ لم يَسْمَعِ الناسُ بِمِثْلِهِ ، فَبَلَغَ ذلك مَن حَولَهُ ، فَانْتَابُوهُم يَسْمَعُون إليه ،
واتَّخَذُوا عِيداً يَجْتَمِعُونَ إليه في السَّنَةِ ، فَتَبَرَّجَ النساءُ للرِّجَالِ ،
وَتَبَرَّجَ الرِّجَالُ لهن ، وإن رَجُلاً مِن أهلِ الجبلِ هَجَمَ عَليهِم في عِيدِهم ذلك فَرَأى النساءَ وَصَبَاحَتِهِنَّ ،
فأتى أصحابَهُ فأخْبَرَهم بِذَلِكَ ، فَتَحَوّلُوا إليهِنّ ، فَنَزَلُوا مَعَهُنَّ ،
وَظَهَرَتِ الفاحشةُ فيهن ، فهو قول الله :
(وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) .
شَبَّابَة : نوعٌ مِن المزامير !
فانظر - بِعين بصيرتك - بِمَ استعانَ إبليسُ على الفسادِ والإفساد ؟
بأيِّ وسيلةٍ ؟ أم بأيِّ طريقة ؟
استعان على إفساد الناس بغناءٍ وأعيادٍ وخروج نِساء ؟!
وهذه الثلاث :
( الغِناءَ والطَّرَب ، والأعيادَ الْمُحدَثةِ الْمُبتَدَعة ، وإخْراجَ النساء )
هي أسلحةُ إبليس ، وبها يُلوِّحُ وَرَثَتُه ! فيُنادُون بها ، ويُطالبِون بِوجودها !
أولئك - كما يقول ابن القيم - : " نُوّابُ إبليسَ في الأرض ،
وهم الذين يُثَبِّطُونَ الناسَ عن طلبِ العلمِ والتفقُّهِ في الدِّين ،
فهؤلاء أضرُّ عليهم من شياطينِ الجن ،
فإنهم يَحُولون بين القلوبِ وبين هُدى اللهِ وطَرِيقِهِ ".